صفحة جزء
[ ص: 182 ] 56 - باب

إمامة المفتون والمبتدع

وقال الحسن : تصلي وعليه بدعته .

663 695 - وقال لنا محمد بن يوسف : حدثنا الأوزاعي ، ثنا الزهري ، عن حميد بن عبد الرحمن ، عن عبيد الله بن عدي بن خيار ، أنه دخل على عثمان بن عفان ، وهو محصور ، فقال : إنك إمام عامة ، ونزل بك ما ترى ، ويصلي لنا إمام فتنة ، ونتحرج ، فقال : الصلاة أحسن ما يعمل الناس ، فإذا أحسن الناس فأحسن معهم ، وإذا أساءوا فاجتنب إساءتهم .

وقال الزبيدي : قال الزهري : لا نرى أن يصلى خلف المخنث إلا من ضرورة لا بد منها .

664 696 - حدثني محمد بن أبان ، ثنا غندر ، قال : ثنا شعبة ، عن أبي التياح ، سمع أنس بن مالك يقول : قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي ذر : ( اسمع وأطع ، ولو لحبشي ، كأن رأسه زبيبة ) .


ما ذكره عن الحسن رواه سعيد بن منصور ، ثنا ابن المبارك ، عن هشام بن حسان ، عن الحسن ، أنه سئل عن صاحب البدعة : الصلاة خلفه ؟ قال : صل خلفه ، وعليه بدعته .

وخرجه حرب ، عن سعيد بن منصور ، به .

وخرج - أيضا - بإسناده ، عن جعفر بن برقان ، قال : سألت ميمون بن [ ص: 183 ] مهران عن الصلاة خلف من يذكر أنه من الخوارج ؟ فقال : إنك لا تصلي له ، إنما تصلي لله ، قد كنا نصلي خلف الحجاج وهو حروري أزرقي ، فنظرت إليه ، فقال : أتدري ما الحروري الأزرقي ، هو الذي إذا خالفت آية سماك كافرا ، واستحل دمك ، وكان الحجاج كذلك .

وروى أبو نعيم في ( كتاب الصلاة ) : ثنا سفيان ، عن هشام ، عن ابن سيرين ، قال : كان يكون أمراء على المدينة ، فسئل ابن عمر عن الصلاة معهم ، فقال : الصلاة لا أبالي من شاركني فيها .

وروى أبو شهاب : ثنا يونس بن عبيد ، عن نافع ، قال : كان ابن عمر يسلم على الخشبية والخوارج وهم يقتتلون ، فقال : من قال : ( حي على الصلاة ) أجبته ، ومن قال : حي على الفلاح ، أجبته ، ومن قال : حي على قتل أخيك المسلم وأخذ ماله ، قلت : لا ، خرجه البيهقي .

وروى عن ابن عمر من وجوه أنه كان يصلي خلف الحجاج .

وذكر البخاري في ( تاريخه ) : قال لنا عبد الله ، عن معاوية بن صالح ، عن عبد الكريم البكاء ، قال : أدركت عشرة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كلهم يصلي خلف أئمة الجور .

وخرج أبو داود من حديث مكحول ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : ( الجهاد واجب عليكم مع كل أمير ، برا كان أو فاجرا ، والصلاة واجبة عليكم خلف كل مسلم ، برا كان أو فاجرا ) .

[ ص: 184 ] وهذا منقطع ؛ مكحول لم يسمع من أبي هريرة .

وقد أنكر أحمد هذا ، ولم يره صحيحا .

قال مهنا : سألت أحمد عن الصلاة خلف كل بر وفاجر ؟ قال : ما أدري ما هذا ، ولا أعرف هذا ، ما ينبغي لنا أن نصلي خلف فاجر ، وأنكر هذا الكلام .

وقال يعقوب بن بختان : سئل أحمد عن الصلاة خلف كل بر وفاجر ؟ قال : ما سمعنا بهذا .

وأما الأثر الذي ذكره البخاري عن عثمان : فرواه عبد الرزاق ، عن معمر ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عبيد الله بن عدي بن الخيار ، عن عثمان ، فخالف معمر الأوزاعي في إسناده .

وذكر الدارقطني أن الزبيدي والنعمان بن راشد وأبا أيوب الأفريقي ، رووه ، عن الزهري كما رواه عنه الأوزاعي .

وخالفهم شعيب بن أبي حمزة وإسحاق بن راشد وعبيد الله بن أبي زياد ، فرووه عن الزهري ، عن عروة ، عن عبيد الله بن عدي .

وكذلك قال عبد الواحد بن زياد وغندر ، عن معمر .

وقال محمد بن ثور : عن معمر ، عن الزهري ، عن عبيد الله بن عدي ، لم يذكر بينهما أحدا .

وأرسله حماد بن زيد عن معمر ، عن الزهري ، وتابعه جعفر بن برقان ، عن الزهري .

قال : وحديث حميد بن عبد الرحمن هو المحفوظ ، قال : ولا يدفع حديث عروة أن يكون الزهري حفظ عنهما جميعا .

[ ص: 185 ] ورواه سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف ، عن أبيه ، عن عبيد الله بن عدي ، حدث به محمد بن إسحاق عنه . انتهى .

وأما ما ذكره عن الزبيدي ، عن الزهري ، أنه لا يصلى خلف المخنث إلا أن لا يجد منه بدا .

فالمخنث : هو الذي يتشبه بالنساء في هيئته وكلامه .

وكلام الزهري هذا يدل على أنه إذا اضطر إلى الصلاة خلف من يكره صلى وراءه .

وقال مسرور بن محمد : قال الأوزاعي : لا تصل خلف قدري ؛ إلا أن تضطر .

وقال بقية بن الوليد : سألت الزبيدي : هل يصلى خلف صاحب بدعة أو مكذب بالقدر ؟ فقال : إن كان واليا فليس من الأمر في شيء ، وأنت في عذر ، وإن لم يكن واليا فلا تصل خلفه .

وكره آخرون الصلاة خلف أهل الأهواء والفجور .

روى بقية بن الوليد : ثنا حبيب بن عمر الأنصاري ، عن أبيه ، قال : سمعت واثلة بن الأسقع يقول : لو صليت خلف قدري لأعدت صلاتي .

خرجه حرب الكرماني .

وخرج - أيضا - من طريق نوح بن جعونة ، ثنا عبد الكريم ، قال : قال ابن عباس : لأن أصلي خلف جيفة حمار أحب إلي من أن أصلي خلف قدري .

وفي كلا الإسنادين ضعف .

وروى عن أبي جعفر محمد بن علي ، أنه أمر بإعادة الصلاة خلف القدري .

وكذلك سفيان .

[ ص: 186 ] وفرقت طائفة بين البدع المغلظة وغيرها .

فقال أبو عبيد فيمن صلى خلف الجهمي أو الرافضي : يعيد ، ومن صلى خلف قدري أو مرجئ أو خارجي : لا آمره بالإعادة .

وكذلك الإمام أحمد ، قال في الصلاة خلف الجهمية : إنها تعاد .

والجهمي عنده من يقول : القرآن مخلوق ؛ فإنه كافر ، أو يقف ولا يقول : مخلوق ولا غير مخلوق ، ونص أنه تعاد الصلاة خلفه - أيضا - ، وقال : لا يصلى خلف من قال : لفظي بالقرآن مخلوق ، وهو جهمي .

وقال : لا يصلى خلف القدري إذا قال : لا يعلم الشيء حتى يكون ، فهذا كافر ، فإن صلى يعيد .

وقال - أيضا - في القدري : إذا كان داعيا مخاصما تعاد الصلاة خلفه .

وهذا محمول على من لا ينكر منهم العلم القديم .

وقال في الخوارج إذا تغلبوا على بلد : صلي خلفهم .

وقال - مرة - : يصلى خلفهم الجمعة ؛ صلى ابن عمر خلف نجدة الحروري .

وقال في الرافضي الذي يتناول الصحابة : لا يصلى خلفه .

وقال فيمن يقدم عليا على أبي بكر وعمر : إن كان جاهلا لا علم له فصلى خلفه فأرجو أن لا يكون به بأس ، وإن كان يتخذه دينا فلا تصل خلفه .

وقال في المرجئ - وهو : من لا يدخل الأعمال في الإيمان - : إن كان داعيا فلا يصلى خلفه .

وقال في الصلاة خلف أهل الأهواء : إذا كان داعية ويخاصم في بدعته فلا يصلى خلفه ، وإلا فلا بأس .

وهذا محمول على البدع التي لا يكفر صاحبها ، فأما ما يكفر صاحبه فتعاد [ ص: 187 ] الصلاة خلفه ، كما تقدم عنه .

قال حرب : قلت لأحمد : فتكره الصلاة خلف أهل البدع كلهم ؟ فقال : إنهم لا يستوون .

وأما الصلاة خلف الفساق ، فقال أحمد - فيمن يسكر - : لا يصلى خلفه ، وفيمن ترك شيئا من فرائض الإسلام أو تعامل بالربا : لا يصلى خلفه ، ولا خلف من كل بيعه عينة - يعني : نسأة - ، ولا خلف من يكثر كذبه .

وسئل عن الصلاة خلف من يغتاب الناس ؟ فقال : لو كان كل من عصى الله لا يصلى خلفه ، متى كان يقوم الناس على هذا ؟

وفرق - مرة - بين المستتر والمعلن .

قال أحمد بن القاسم : سئل أحمد عن الصلاة خلف من لا يرضى ؟ قال : قد اختلف فيه ؛ فإن كان لا يظهر أمره في منكر أو فاحشة بينة أو ما أشبه ذلك فليصل .

وفرق - مرة - بين الصلاة خلف الأمراء وغيرهم .

قال الميموني : سمعت أحمد قال : إذا كان الإمام من أئمة الأحياء يسكر فلا أحب أن أصلي خلفه البتة ؛ لأن لي اختيار الأئمة ، وليس هو والي المسلمين ؛ لأن ابن عمر سئل عن الصلاة خلف الأمراء ؟ فقال : إنما هي حسنة ، لا أبالي من شركني فيها .

ولهذا المعنى لم يختلف في حضور الجمعة والعيدين خلف كل بر وفاجر .

والمشهور عنه : إعادتها خلف الفاجر ، فإن كان يكفر ببدعته ففي حضورها معه روايتان ، ومع حضورها يعيدها ظهرا .

وحكي عنه : لا يعيد .

[ ص: 188 ] واختلف أصحابنا في حكاية المذهب في الإعادة خلف الفاسق ؛ فمنهم من قال : في الإعادة روايتان مطلقا .

ومنهم من قال : إن لم يعلم فسقه فلا إعادة ، وإن علم ففي الإعادة روايتان .

ومنهم من قال : إن كان مستترا لم يعد ، وإن كان متظاهرا ففي الإعادة روايتان .

فأما من يكفر ببدعته فحكمه حكم الكفار .

ولذلك فرق إسحاق بن راهويه بين القدري والمرجئ ، فقال في القدري : لا يصلى خلفه ، وقال في المرجئ : إن كان داعية لم يصل خلفه .

وقال حرب : ثنا ابن أبي حزم القطعي ، ثنا معاذ بن معاذ ، ثنا أشعث ، عن الحسن ، في السكران يؤم القوم ؟ قال : إذا أتم الركوع والسجود فقد أجزأ عنهم .

وقال محمد بن سيرين : يعيدون جميعا ، والإمام .

وحكى ابن المنذر ، عن مالك ، أنه قال : لا يصلى خلف أهل البدع من القدرية وغيرهم ، ويصلى خلف أئمة الجور .

وعن الشافعي : أنه يجيز الصلاة خلف من أقام الصلاة ، وإن كان غير محمود في دينه .

اختار ابن المنذر هذا القول ، ما لم تخرجه بدعته إلى الكفر .

وفي ( تهذيب المدونة ) : تجزئ الجمعة وغيرها خلف من ليس بمبتدع من الولاة ، وإذا كان الإمام من أهل الأهواء فلا يصلى خلفه ولا الجمعة ، إلا أن يتقيه ، فليصلها معه ، وليعد ظهرا ، ووقف مالك في إعادة من صلى خلف مبتدع ، وقال ابن القاسم : يعيد في الوقت . انتهى .

وفي مصنف على مذهب سفيان الثوري : تكره إمامة أهل البدع والأهواء [ ص: 189 ] الداعية إلى ذلك ؛ سئل سفيان عن الصلاة خلف الأمراء الذين يقولون : طاعتنا لله طاعة ، ومعصيتنا لله معصية ؟ قال : كان الحجاج يقول ذلك ، وهم يصلون خلف رافضي أو قدري فليعد الصلاة ، ولا يصلى خلف من يقول : الإيمان قول بلا عمل .

وحديث أنس الذي خرجه البخاري في هذا الباب يستدل به على الصلاة خلف أئمة الجور وأعوانهم ؛ وقد جعله البخاري دليلا على إمامة المبتدع - أيضا - كما يطاع في غير معصية ، إذا كان له ولاية على الناس ، فإنه أمر بطاعتهم مطلقا ، مع أنه صلى الله عليه وسلم أخبر بأنه يكون من بعده ولاة يغيرون ويبدلون ، ونهى عن قتالهم ما أقاموا الصلاة ، ولم ينه عن الصلاة وراءهم ، وإنما أمر بالصلاة في الوقت إذا أخر الأمراء الصلاة عن الوقت ، وأمر بالصلاة معهم نافلة ، وقد سبق هذا الحديث في ( المواقيت ) .

ويستدل به على صحة الصلاة النافلة خلف الفاجر .

ومن أصحابنا من قال : تصح النافلة خلفهم بغير خلاف في المذهب .

وقد روي عن أحمد رواية أخرى أنه لا يصلى التراويح خلف من يسكر .

وقد روي حديث مرفوع في كراهة الصلاة خلف الفاجر في غير الجمعة .

خرجه ابن ماجه من رواية عبد الله بن محمد العدوي ، عن علي بن زيد ، عن سعيد بن المسيب ، عن جابر ، قال : خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ( إن الله قد افترض عليكم الجمعة في مقامي هذا إلى يوم القيامة ، فمن تركها في حياتي أو بعدي وله إمام عادل أو جائر استخفافا بها ، وجحودا لها ؛ فلا جمع الله له شمله ، ولا بارك له في أمره ، ألا ولا صلاة له ، ولا زكاة له ، ولا حج [ ص: 190 ] له ، ولا بركة حتى يتوب ، ألا لا تؤمن امرأة رجلا ، ولا يؤم أعرابي مهاجرا ، ألا ولا يؤم فاجر مؤمنا إلا أن يقهره بسلطان يخاف سيفه وشرطه ) .

والعدوي هذا ، قال البخاري وأبو حاتم : منكر الحديث ، وقال أبو حاتم : مجهول ، وقال الدارقطني : متروك .

قال العقيلي : وقد روي هذا من وجه آخر يشبه هذا في الضعف .

وذكر الدارقطني في ( العلل ) أنه رواه أبو فاطمة مسكين بن عبد الله الطفاوي وحمزة بن حسان ، عن علي بن زيد - أيضا - ، ورواه الثوري عن علي بن زيد أيضا .

ثم خرجه من طريق مهنا بن يحيى الشامي - صاحب الإمام أحمد - : حدثنا زيد بن أبي الزرقاء ، عن سفيان ، عن علي بن زيد ، فذكره مختصرا .

وهذا إسناد قوي ؛ إلا أن الحديث منكر ، قاله أبو حاتم الرازي .

وقال الدارقطني : هو غير ثابت .

وقال ابن عبد البر : أسانيده واهية .

قلت : وقد روي أوله من طرق متعددة ، كلها واهية .

التالي السابق


الخدمات العلمية