صفحة جزء
[ ص: 194 ] 58 - باب

إذا قام عن يسار الإمام فحوله الإمام إلى يمينه

لم تفسد صلاته

666 698 - حدثنا أحمد ، ثنا ابن وهب ، ثنا عمرو ، عن عبد ربه بن سعيد ، عن مخرمة بن سليمان ، عن كريب ، عن ابن عباس ، قال : نمت عند ميمونة والنبي صل الله عليه وسلم عندها تلك الليلة ، فتوضأ ، ثم قام يصلي ، فقمت عن يساره ، فأخذني فجعلني عن يمينه ، فصلى ثلاث عشرة ركعة ، ثم نام حتى نفخ - وكان إذا نام نفخ - حتى أتاه المؤذن ، فخرج فصلى ولم يتوضأ .

قال عمرو : فحدثت به بكيرا ، فقال : حدثني كريب بذلك .


( أحمد ) هذا غير منسوب ، قد روى عنه البخاري في مواضع عن عبد الله بن وهب ، وقد اختلف فيه :

فقيل : هو أحمد بن عبد الرحمن بن وهب ابن أخي عبد الله بن وهب ، قاله أبو أحمد الحاكم وغيره .

وأنكر آخرون أن يكون البخاري روى عن ابن أخي ابن وهب في ( صحيحه ) ؛ لما اشتهر من الطعن عليه ، لا سيما في آخر عمره .

وقالوا : إنه أحمد بن صالح ، أو أحمد بن عيسى التستري ؛ فإنهما يرويان عن ابن وهب ، وقد روى البخاري عنهما في ( كتابه ) من غير شك .

ومن قال : إن أحمد هذا ، هو : ابن حنبل ، فقد أخطأ ؛ فإن الإمام أحمد لا يروي عن ابن وهب ، بل عن أصحابه .

والأظهر : أنه أحمد بن صالح ؛ وبذلك جزم أبو عبد الله بن منده ، قال : [ ص: 195 ] لم يخرج البخاري عن أحمد بن عبد الرحمن في ( صحيحه ) شيئا ، وكلما قال في ( الصحيح ) : ( حدثنا أحمد : ثنا ابن وهب ) فهو ابن صالح المصري ، وإذا روى عن أحمد بن عيسى نسبه . والله أعلم .

وقد استدل البخاري بهذا الحديث على أن من قام عن يسار الإمام ، فحوله إلى يمينه لم تفسد صلاته - وفي بعض النسخ : صلاتهما - ، أما صلاة الإمام فلا تفسد بمده له بيده وتحويله من جانب إلى جانب .

وقد خرج البخاري هذا الحديث فيما بعد ، وفيه : أنه أخذ برأسه من ورائه ، فجعله على يمينه .

وإنما حوله النبي صلى الله عليه وسلم من وراء ظهره لئلا يكون مارا في قبلته .

وقد خرجه مسلم من حديث عطاء ، عن ابن عباس ، وفي حديثه : قال : فقمت إلى شقه الأيسر ، فأخذني من وراء ظهره ، فعدلني كذلك من وراء ظهره إلى الشق الأيمن .

وفي رواية له - أيضا - فتناولني من خلف ظهره ، فجعلني على يمينه .

وقيل : فيه معنى آخر ، وهو : أنه لو أداره من بين يديه لتقدم المأموم على إمامه في الموقف ، وأما صلاة المأموم فلا تفسد بمشية من أحد جانبي الإمام إلى جانبه الآخر ؛ لأن هذا عمل يسير في الصلاة فلا تفسد به الصلاة .

وقد اختلف الناس في حد العمل اليسير الذي يعفى عنه في الصلاة فلا يبطلها .

فالصحيح عند أصحابنا أنه يرجع فيه إلى عرف الناس من غير تقدير له بمرة أو مرتين .

[ ص: 196 ] ومنهم من قدره بالمرة والمرتين ، وجعل الثلاث في حد الكثرة ، وكلام أحمد مخالف لهذا مع مخالفته للسنن والآثار الكثيرة .

وللشافعية في الخطوتين والضربتين وجهان .

ومن الحنفية من قال : الكثير ، ما لم يمكن إقامته إلا باليدين كالإرضاع ، واليسير : ما يمكن بإحداهما .

ومنهم من قال : الكثير : ما لو رآه الناظر لاستيقن أنه ليس في صلاة .

واليسير : بخلافه .

ومنهم من قدر المشي المبطل بما جاوز محل السجود .

والرجوع فيه إلى العرف أظهر ؛ لأنه ليس له حد في الشرع .

وقد وردت السنة بالعفو عما لا يعد كثيرا عرفا ، كتأخيره وتأخير الصفوف خلفه في صلاة الكسوف ، ومشيه حتى فتح الباب لعائشة ، وقد تأخر أبو بكر بحضرته من مقام الإمام حتى قام في صف المأمومين ، ورفع يديه وحمد الله .

وأذن في قتل الحية والعقرب في الصلاة ، وكل هذه الأفعال تزيد على المرتين والثلاث .

وقد سبق القول في حمله صلى الله عليه وسلم أمامة في الصلاة ، وأنه كان يحملها إذا قام ويضعها إذا ركع .

واستدل بحديث ابن عباس المخرج في هذا الباب الشافعي ومن وافقه على أن من أساء الموقف وصلى عن يسار الإمام ، فإن صلاته صحيحة مع الكراهة ، وألحقوا به من صلى خلف الصف وحده .

ووجه استدلالهم به : أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يبطل تحريمته وأقره على البناء عليها .

وأما الإمام أحمد ، فعنده لا تصح صلاة من وقف على يسار الإمام إذا لم [ ص: 197 ] يكن عن يمينه أحد .

وإنما يبطل عنده إذا استمر في موقفه حتى ركع الإمام ورفع ، فأما إن كبر على يسار الإمام ، ثم تحول إلى يمينه ، أو وقف عن يمين الإمام آخر قبل الركوع ، فإن الصلاة عنده صحيحة .

وكذا لو جاء آخر إلى خلف الإمام ، فتأخر القائم عن يساره إلى القائم خلفه ، فاصطفا جميعا قبل الركوع .

وحكى القاضي في ( شرح المذهب ) عن ابن حامد ، أنه حكى رواية عن أحمد ، أنه يصح الوقوف عن يسار الإمام في النافلة خاصة ، كما كبر ابن عباس عن يسار النبي صلى الله عليه وسلم في النافلة .

والصحيح عن أحمد : الأول .

فإن قيل : فقد صلى النبي صلى الله عليه وسلم بجابر عن يمينه ، ثم جاء آخر فقام عن يساره ، فأخرهما النبي صلى الله عليه وسلم .

خرجه مسلم في ( صحيحه ) .

ولم يدل ذلك على أن صلاة الاثنين عن جانبي الإمام لا تصح .

قيل : إنما صح قيام الاثنين عن جانبي الإمام ؛ لأن ابن مسعود فعله ، ورواه عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وليس في القيام عن يسار الإمام نص يدل على صحة صلاة من أتم صلاته عن يساره . والله أعلم .

وأيضا ؛ فالوقوف عن جانبي الإمام مشروع في حق العراة وحق النساء ، وأما القيام عن يساره خاصة ، فليس بمشروع بحال .

التالي السابق


الخدمات العلمية