صفحة جزء
[ ص: 232 ] 67 - باب

من أسمع الناس تكبير الإمام

680 712 - حدثنا مسدد ، ثنا عبد الله بن داود ، ثنا الأعمش ، عن إبراهيم ، عن الأسود ، عن عائشة ، قالت : لما مرض النبي صلى الله عليه وسلم مرضه الذي مات فيه أتاه بلال يؤذنه بالصلاة ، قال : ( مروا أبا بكر فليصل بالناس ) ، قلت : إن أبا بكر رجل أسيف ، إن يقم مقامك يبك ، فلا يقدر على القراءة ، فقال : ( مروا أبا بكر فليصل ) ، فقلت مثله ، فقال في الثالثة - أو الرابعة - : ( إنكن صواحب يوسف ، مروا أبا بكر فليصل ) ، فصلى ، وخرج النبي صلى الله عليه وسلم يهادى بين رجلين ، كأني أنظر إليه يخط برجليه الأرض ، فلما رآه أبو بكر ذهب يتأخر ، فأشار إليه أن صل ، فتأخر أبو بكر وقعد النبي صلى الله عليه وسلم إلى جنبه ، وأبو بكر يسمع الناس التكبير .

تابعه : محاضر ، عن الأعمش .


قد سبق ذكر حديث عائشة بألفاظه وطرقه .

وما ذكر فيه في هذه الرواية من تأخر أبي بكر فمنكر مخالف لسائر الروايات .

وإنما المقصود منه : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي بالناس جالسا وأبو بكر قائم يسمع الناس تكبير النبي صلى الله عليه وسلم .

وهذا يدل على شيئين :

أحدهما : أن النبي صلى الله عليه وسلم في صحته لم يكن من عادته أن يبلغ أحد وراءه التكبير ، بل كان هو يسمع أهل المسجد تكبيره ، فلا يحتاج إلى من يبلغ عنه .

وقد خرج البخاري - فيما بعد - حديث سعيد بن الحارث ، قال : صلى لنا [ ص: 233 ] أبو سعيد فجهر بالتكبير حين رفع قامته من السجود ، وحين سجد ، وحين قام من الركعتين ، وقال : هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم .

وخرجه الإمام أحمد ، ولفظه : فجهر بالتكبير حين افتتح الصلاة ، وحين ركع ، وحين قال : سمع الله لمن حمده ، وحين رفع رأسه من السجود ، وحين سجد ، وحين قام من الركعتين حتى قضى صلاته على ذلك ، وقال : هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي .

وخرجه البيهقي ، وعنده : وبعد أن قال : سمع الله لمن حمده .

وهذا إشارة إلى تكبير السجود ، بدليل أنه قال بعده : وحين رفع رأسه من السجود ، وحين سجد .

وزاد البيهقي في روايته : وحين رفع .

والثاني : أن النبي صلى الله عليه وسلم لما مرض ضعف صوته عن إسماع أهل المسجد ، وكان أبو بكر حينئذ يسمع الناس تكبيره ، ويبلغ عنه .

وقد روي عنه ، أنه فعل ذلك - أيضا - في مرض آخر عرض له في حياته .

ففي ( صحيح مسلم ) من حديث أبي الزبير ، عن جابر ، قال : اشتكى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فصلينا وراءه وهو قاعد ، وأبو بكر يسمع الناس تكبيره ، وذكر في الحديث : أنه أشار إليهم أن اجلسوا . وقد سبق بتمامه .

وفي رواية لمسلم - أيضا - : صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر وأبو بكر خلفه ، فإذا كبر كبر أبو بكر يسمعنا .

فمتى كان الإمام صوته ضعيفا لمرض أو غيره ، ولم يبلغ المأمومين صوته ، [ ص: 234 ] وكان المسجد كبيرا لا يبلغه صوت الإمام ، شرع لبعض المأمومين أن يبلغ الباقين التكبير جهرا ، ويكون الجهر على قدر الحاجة إليه ، من غير زيادة على ذلك .

وروى وكيع : ثنا المغيرة بن زياد ، قال : رأيت عطاء بن أبي رباح صلى في السقيفة التي في المسجد الحرام في نفر ، وهم متفرقون عن الصفوف ، فقلت له ، فقال : إني شيخ كبير ومكة دونه ، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر ، فأصابهم مطر ، فصلى بالناس في رحالهم ، وبلال يسمع الناس التكبير .

وروى بكر بن محمد ، عن الحكم ، عن أبيه ، أنه سأل أحمد عن الرجل يكبر يوم الجمعة يسمع الناس ؟ قال : صلاته تامة ، هذا منفعة للناس ؛ قد كان عمر يسمع صوته بالبلاط ، قيل له : فيأخذ على هذا أجرا في تكبيره يسمع الناس ؟ قال : لا أدري .

قال أبو بكر عبد العزيز بن جعفر ، قوله : ( لا أدري ) كأنه -والله أعلم- يكرهه .

قال : وإن أخذ من بيت المال جاز ؛ لأن حقه فيه - يعني : أن حق المؤذنين في بيت المال - وإن أخذ من غيره فهو مكروه . انتهى .

والأخذ من الوقف كالأخذ من بيت المال في هذا .

ومتى بلغ المأموم زيادة على قدر الحاجة ، أو بلغ من غير حاجة إليه كان مكروها .

وظاهر الحديث : يدل على أن المأموم إذا اقتدى بالإمام بسماع التكبير من غيره صح اقتداؤه به ، وعلى هذا أكثر الفقهاء .

واختلف فيه أصحاب مالك ، فمنهم من أجازه ، ومنهم من منعه ، وعلل بأنه اقتدى بغير الإمام ، ومنهم من قال : إن كان الإمام أذن للمبلغ في التبليغ صح الاقتداء به .

[ ص: 235 ] واختلفوا - أيضا - فيمن سمع التكبير ، ولم ير الإمام ، ولا من خلفه ، هل يصح اقتداؤه بالإمام في هذه الحالة ، أم لا يصح ؟

يفرق بين أن يكون في المسجد فيصح ، وبين أن يكون خارج المسجد فلا يصح .

وقد حكي في ذلك روايات متعددة عن الإمام أحمد ، وربما نذكر المسألة في موضع آخر إن شاء الله تعالى .

وقال أحمد - في رواية مهنا - فيمن صلى الجمعة ، فلم يسمع تكبير الإمام ، ولا غير الإمام : ليس عليه إعادة ، وقال : كل الناس يسمعون التكبير ؟ إنما ينظر بعضهم إلى بعض .

وقال سفيان الثوري في القوم لا يرون الإمام عند الركوع والسجود : أجزأهم أن يتبعوا من قدامهم من الصفوف ؛ الناس أئمة بعضهم لبعض .

التالي السابق


الخدمات العلمية