صفحة جزء
[ ص: 239 ] 69 - باب

هل يأخذ الإمام - إذا شك - بقول الناس ؟

682 714 - حدثنا عبد الله بن مسلمة ، عن مالك ، عن أيوب بن أبي تميمة السختياني ، عن محمد بن سيرين ، عن أبي هريرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم انصرف من اثنتين ، فقال له ذو اليدين : أقصرت الصلاة أم نسيت يا رسول الله ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أصدق ذو اليدين ؟ فقال الناس : نعم ، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى اثنتين أخريين ، ثم سلم ، ثم كبر ، فسجد مثل سجوده أو أطول .

683 715 - حدثنا أبو الوليد ، قال : ثنا شعبة ، عن سعد بن إبراهيم ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ، عن أبي هريرة ، قال : صلى النبي صلى الله عليه وسلم الظهر ركعتين ، فقيل له : صليت ركعتين ، فصلى ركعتين ، ثم سلم ، ثم سجد سجدتين .


إنما سلم النبي صلى الله عليه وسلم من اثنتين في هذه الصلاة ؛ لأنه كان يعتقد أن صلاته قد تمت ، وكان جازما بذلك ، لم يدخله فيه شك ، ومثل هذا الاعتقاد يسمى يقينا ، ووقع ذلك في كلام مالك وأحمد وغيرهما من الأئمة ، فلما قال له ذو اليدين ما قال حصل له شك حينئذ ، ولما لم يوافق أحد من المصلين ذا اليدين على مقالته مع كثرتهم حصل في قوله ريبة بانفراده بما أخبر به ، فلما وافقه الباقون على قوله رجع حينئذ إلى قولهم ، وعمل به ، وصلى ما تركه ، وسجد للسهو .

ويؤخذ من ذلك : أن المنفرد في مجلس بخبر تتوافر الهمم على نقله يوجب التوقف فيه حتى يوافق عليه .

وليس هذا كالمنفرد بشهادة الهلال ؛ لأن الأبصار تختلف في الحدة ، بخلاف الخبر الذي يستوي أهل المجلس في علمه .

[ ص: 240 ] ويؤخذ منه - أيضا - : أن المنفرد بزيادة على الثقات يتوقف في قبول زيادته حتى يتابع عليها، لا سيما إن كان مجلس سماعهم واحدا .

وقد اختلف العلماء فيما إذا أخبر المأمومون الإمام ، فهل يرجع إلى قولهم أم لا ؟

وهذا على قسمين :

أحدهما : أن يتيقن صواب نفسه ، فلا يرجع إلى قول من خالفه ولو كثروا .

وحكي لأصحابنا وجه آخر بالرجوع ، وقيل : إنه لا يصح .

والثاني : أن يشك ، ثم يخبره المأمومون بسهوه بقول أو إشارة أو تسبيح أو غير ذلك ، ففيه أقوال :

أحدها : أنه يلزمه الرجوع إلى قول واحد فما زاد ؛ لأنه خبر ديني فيقبل فيه خبر واحد ثقة ، كوقت الصلاة وطهارة الماء ونجاسته ، وهو قول أبي حنيفة .

ولأصحابنا وجه مثله في الزيادة .

والثاني : إن أخبره اثنان فصاعدا لزمه الرجوع إلى قولهما ، وإن أخبره واحد لم يرجع إليه ، وهذا رواية عن مالك ، والمشهور عن أحمد .

واحتج : بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكتف بخبر ذي اليدين حتى وافقه غيره .

والثالث : أنه يستحب له الرجوع إلى قول الاثنين ، ولا يجب ، بل له أن يبني على يقين نفسه ، أو يتحرى ، وله أن يرجع إلى قولهما ، وهو أفضل ، وهو رواية عن أحمد .

والرابع : أنا إن قلنا : أن الشاك يبني على اليقين ، فلا يرجع إلى قول واحد ، وإن قلنا : يتحرى ويعمل بما يغلب على ظنه رجع إلى قول المأمومين ، هذا قول ابن عقيل من أصحابنا .

[ ص: 241 ] وجمهورهم قالوا : يرجع على كلا القولين ؛ لأن الرجوع إلى خبر الاثنين رجوع إلى شهادة شرعية ، فيعمل بها على كل حال ، بخلاف التحري والرجوع إلى الأمارات المحضة .

ويشهد له : أن أحمد نص على أنه يرجع إلى تسبيح الاثنين ، وإن غلب على ظنه خطؤهما .

والخامس : أنه لا يرجع إلى قول أحد ، بل يبني على يقين نفسه ، كالمنفرد ، وهو قول الثوري والشافعي ومالك في رواية .

وقال أهل هذا القول : إنما رجع النبي صلى الله عليه وسلم إلى ذكره ، لا إلى قول المأمومين ، كما قال : ( إنما أنا بشر ، أنسى كما تنسون ، فإذا نسيت فذكروني ) ، فدل على أنه إنما يرجع إلى ذكره ، لا إلى قولهم ، فإنه لم يقل : فإذا نسيت فردوني .

والسادس : أنه لا يرجع إلى قول الواحد والاثنين ، ويرجع إليهم إذا كثروا ؛ لأنه يبعد اتفاقهم على الخطأ مع كثرتهم ، وهو قول طائفة من المالكية والشافعية .

وإن كان المخبر للمصلي ، ليس معه في صلاته ، فهل يرجع إليه كما يرجع إلى قول المأمومين ؟ فيه وجهان لأصحابنا .

أصحهما : أنه يرجع إليهم ، وهو قول أشهب المالكي ، وظاهر كلام أحمد ؛ فإنه نص على أن الطائفين بالبيت يرجع بعضهم إلى قول بعض إذا أخبره اثنان عن عدد طوافه ، مع أن كل واحد منهم غير مشارك للآخر في طوافه ، فكذلك هاهنا .

وأما المأموم إذا شك في عدد الركعات ، ففيه ثلاثة أقوال :

أحدها : أنه يرجع إلى فعل الإمام والمأمومين ، ويصنع ما صنعوا ، وهو [ ص: 242 ] مذهب أصحابنا .

والثاني : أنه يبني على اليقين كالمنفرد ، وهو قول طائفة من المالكية والشافعية .

والثالث : إن كثروا رجع إلى متابعتهم ، وإلا فلا ، هو وجه لأصحاب مالك والشافعي .

ولو كان مع الإمام مأموم واحد ، فشك المأموم ، فهل يرجع إلى قول إمامه ؟

قال بعض أصحابنا : قياس المذهب : لا يرجع إليه ، كما لا يرجع الإمام إلى قول مأموم واحد .

وفيه نظر ؛ فإن الإمام ضامن ، وقد ورد الأمر بأن يصنع المأموم ما صنع إمامه .

خرجه الدارقطني من حديث جابر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : ( الإمام ضامن ، فما صنع فاصنعوا ) ، وفي إسناده مقال .

وبقية فوائد حديث أبي هريرة تذكر في مواضعه من ( أبواب : سجود السهو ) إن شاء الله تعالى .

التالي السابق


الخدمات العلمية