صفحة جزء
[ ص: 248 ] 71 - باب

تسوية الصفوف عند الإقامة وبعدها

685 717 - حدثنا أبو الوليد هشام بن عبد الملك ، ثنا شعبة ، قال : أخبرني عمرو بن مرة ، قال : سمعت سالم بن أبي الجعد ، قال : سمعت النعمان بن بشير ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لتسون صفوفكم ، أو ليخالفن الله بين وجوهكم ) .

686 718 - حدثنا أبو معمر ، ثنا عبد الوارث ، عن عبد العزيز ، عن أنس بن مالك ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( أتموا الصفوف ؛ فإني أراكم خلف ظهري ) .


حديث النعمان ، خرجه مسلم من رواية سماك بن حرب ، عنه ، بزيادة ، وهي في أوله ، وهي : ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسوي صفوفنا حتى كأنما يسوي القداح ، حتى رأى أنا قد عقلنا عنه ، ثم خرج يوما فقام حتى كاد يكبر ، فرأى رجلا باديا صدره من الصف ، فقال : عباد الله لتسون صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم ) .

ومعناه : أنه كان يقوم الصفوف ويعدلها قبل الصلاة كما يقوم السهم .

وقد توعد على ترك تسوية الصفوف بالمخالفة بين الوجوه ، وظاهره : يقتضي مسخ الوجوه وتحويلها إلى صور الحيوانات أو غيرها ، كما قال : ( أما يخشى الذي يرفع رأسه قبل الإمام أن يحول الله رأسه رأس حمار - أو صورته صورة حمار - ) .

وظاهر هذا الوعيد يدل على تحريم ما توعد عليه .

[ ص: 249 ] وفي ( مسند الإمام أحمد ) بإسناد فيه ضعف ، عن أبي أمامة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم : ( لتسون الصفوف ، أو لتطمسن وجوهكم ، ولتغضن أبصاركم ، أو لتخطفن أبصاركم ) .

وقد خرج البيهقي حديث سماك ، عن النعمان ، الذي خرجه مسلم بزيادة في آخره ، وهي : ( أو ليخالفن الله بين وجوهكم يوم القيامة ) .

وهذه الزيادة تدل على الوعيد على ذلك في الآخرة ، لا في الدنيا .

وقد روي الوعيد على ذلك باختلاف القلوب ، والمراد : تنافرها وتباينها .

فخرج مسلم من حديث أبي مسعود الأنصاري ، قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح مناكبنا في الصلاة ، ويقول : ( استووا ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم ) .

وسيأتي من حديث النعمان بن بشير - أيضا - نحوه .

وخرج أبو داود والنسائي نحوه من حديث البراء بن عازب .

وأما أمره في حديث أنس بإقامة الصفوف ، فالمراد به : تقويمها .

وقوله : ( فإني أراكم من وراء ظهري ) إعلام لهم بأنه صلى الله عليه وسلم لا يخفى عليه حالهم في الصلاة ؛ فإنه يرى من وراء ظهره كما يرى من بين يديه ، ففي هذا حث لهم على إقامة الصفوف إذا صلوا خلفه .

وقد سبق القول في رؤيته وراء ظهره ، وأنه صلى الله عليه وسلم وإن كان الله قد توفاه ونقله من هذه الدار ، فإن المصلي يناجي ربه وهو قائم بين يدي من لا يخفى عليه سره [ ص: 250 ] وعلانيته ، فليحسن وقوفه وصلاته ؛ فإنه بمرأى من الله ومسمع .

وقد روي أن تسوية الصفوف وإقامتها توجب تآلف القلوب :

فروى الطبراني من طريق سريج بن يونس ، عن أبي خالد الأحمر ، عن مجالد ، عن الشعبي ، عن الحارث ، عن علي ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( استووا تستوي قلوبكم ، وتماسوا تراحموا ) .

قال سريج : ( تماسوا ) يعني : ازدحموا في الصلاة .

وقال غيره : ( تماسوا ) : تواصلوا .

واعلم أن الصفوف في الصلاة مما خص الله به هذه الأمة وشرفها به ؛ فإنهم أشبهوا بذلك صفوف الملائكة في السماء ، كما أخبر الله عنهم أنهم قالوا : وإنا لنحن الصافون وأقسم بالصافات صفا ، وهم الملائكة .

وفي ( صحيح مسلم ) عن حذيفة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : ( فضلنا على الناس بثلاث : جعلت صفوفنا كصفوف الملائكة ) ... الحديث .

وفيه - أيضا - عن جابر بن سمرة ، قال : خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ( ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربها ؟ ) فقلنا : يا رسول الله ، وكيف تصف الملائكة عند ربها ؟ قال : ( يتمون الصفوف الأولى ، ويتراصون في الصف ) .

وروى ابن أبي حاتم من رواية أبي نضرة ، قال : كان ابن عمر إذا أقيمت الصلاة استقبل الناس بوجهه ، ثم قال : أقيموا صفوفكم ، استووا قياما ، يريد الله بكم هدي الملائكة ، ثم يقول : وإنا لنحن الصافون تأخر فلان ، تقدم [ ص: 251 ] فلان ، ثم يتقدم فيكبر .

وروى ابن جريج ، عن الوليد بن عبد الله بن أبي مغيث ، قال : كانوا لا يصفون في الصلاة ، حتى نزلت : وإنا لنحن الصافون

وقد روي أن من صفة هذه الأمة في الكتب السالفة : صفهم في الصلاة ، كصفهم في القتال .

التالي السابق


الخدمات العلمية