صفحة جزء
[ ص: 254 ] 73 - باب

الصف الأول

720 - حدثنا أبو عاصم ، عن مالك ، عن سمي ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( الشهداء : الغرق ، والمطعون ، والمبطون ، والهدم ) .

688 721 - وقال : ( لو يعلمون ما في التهجير لاستبقوا إليه ، ولو يعلمون ما في العتمة والصبح لأتوهما ولو حبوا ، ولو يعلمون ما في الصف المقدم لاستهموا ) .


قد سبق هذا الحديث في ( باب : الاستهام في الأذان ) وفي ( باب : فضل التهجير إلى الظهر ) ، وذكرنا معنى الاستهام على الصف .

وقد روي للصف الأول فضائل عديدة :

فمنها : أنه على مثل صف الملائكة .

خرج الإمام أحمد وأبو داود والنسائي من حديث أبي بن كعب ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال - في حديث ذكره - : ( والصف الأول على مثل صف الملائكة ، ولو علمتم ما فضيلته لابتدرتموه ) .

ومنها : أنه خير صفوف الرجال .

ففي ( صحيح مسلم ) عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : ( خير صفوف الرجال أولها ، وشرها آخرها ، وخير صفوف النساء آخرها ، وشرها أولها ) .

[ ص: 255 ] ومنها : أن الله وملائكته يصلون عليه .

فخرج الإمام أحمد وأبو داود والنسائي من حديث البراء بن عازب ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إن الله وملائكته يصلون على الصفوف الأول ) .

وخرجه ابن ماجه ، وعنده : ( على الصف الأول ) .

وخرجه - أيضا - بهذا اللفظ من حديث عبد الرحمن بن عوف ، عن النبي صلى الله عليه وسلم .

والصواب : إرسال إسناده ، قاله أبو حاتم والدارقطني .

وخرجه الإمام أحمد بهذا اللفظ من حديث النعمان بن بشير ، عن النبي صلى الله عليه وسلم .

ومن حديث أبي أمامة ، وفي حديثه : أن النبي صلى الله عليه وسلم قالها ثلاثا ، فقيل له : يا رسول الله ، والثاني ؟ فقال - في الثالثة - : ( وعلى الثاني ) .

ومنها : أن النبي صلى الله عليه وسلم استغفر له ثلاثا دون ما بعده .

فخرج ابن ماجه من حديث العرباض بن سارية ، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستغفر للصف المقدم ثلاثا ، وللثاني مرة .

وخرجه النسائي ، وعنده : ( يصلي ) مكان : ( يستغفر ) .

[ ص: 256 ] ومنها : أنه أحصن الصفوف من الشيطان .

فروى قتادة ، عن أبي قلابة ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه : ( أي شجرة أبعد من الخارف والخاذف ؟ ) قالوا : فرعها ، قال : ( فكذلك الصف المقدم ، هو أحصنها من الشيطان ) .

ورواه جماعة ، فقالوا : عن قتادة ، عن أنس .

والصواب : عن أبي قلابة ، قاله الدارقطني وغيره ، وأنكر أبو زرعة وصله .

وروي نحوه من حديث أبي هريرة مرفوعا بإسناد ضعيف .

ومنها : أن الصلاة فيه تقتضي التقدم إلى الله ، فإن التأخر عنه يقتضي التأخر .

ففي ( صحيح مسلم ) عن أبي سعيد ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أنه رأى في أصحابه تأخرا ، فقال : ( تقدموا ، فائتموا بي ، وليأتم بكم من بعدكم ، لا يزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم الله عز وجل ) .

وخرج أبو داود وابن خزيمة في ( صحيحه ) من حديث عائشة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : ( لا يزال أقوام يتأخرون عن الصف الأول حتى يؤخرهم الله في النار ) .

واختلف الناس في الصف الأول : هل هو الذي يلي الإمام بكل حال ، أم الذي لا يقطعه شيء ؟ وفيه قولان للعلماء .

[ ص: 257 ] والمنصوص عن أحمد : أن الصف الأول هو الذي يلي المقصورة ، وأن ما تقطعه المقصورة فليس هو الأول ، نقله عنه المروذي وأبو طالب وأحمد بن القاسم وغيرهم .

وقال أبو طالب : سئل أحمد عن الصلاة في المقصورة ، قال : لا يصلي فيها ، هو الذي يلي المقصورة ، فيخرج من المقصورة فيصلي في الصف الأول .

وروى وكيع عن عيسى الحناط ، عن نافع ، عن ابن عمر ، أنه كان إذا حضرت الصلاة وهو في المقصورة خرج إلى المسجد .

وعن شعبة ، عن الحكم ، عن يحيى بن الجزار ، قال : كان أصحاب عبد الله - يعني : ابن مسعود - يقولون : الصف الأول الذي يلي المقصورة .

وروي ذلك عن أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود .

وقال الشعبي : المقصورة ليست من المسجد .

ذكر ذلك كله وكيع في ( كتابه ) .

فأما الصف الذي يقطعه المنبر ، فهل هو الصف الأول ، أم لا ؟

قال أحمد - في رواية أبي طالب والمروذي وغيرهما - : إن المنبر لا يقطع الصف ، فيكون الصف الأول الذي يلي الإمام وإن قطعه المنبر ، بخلاف المقصورة .

وتوقف في ذلك في رواية الأثرم وغيره .

وقالت طائفة : الصف الأول هو الذي يلي الإمام بكل حال ، ورجحه كثير من أصحابنا ، ولم أقف على نص لأحمد به .

وقال آخرون : الصف الأول المراد به أول من يدخل المسجد للصلاة فيه .

قال ابن عبد البر : لا أعلم خلافا بين العلماء أن من بكر وانتظر الصلاة ، [ ص: 258 ] وإن لم يصل في الصف الأول ، أفضل ممن تأخر ثم تخطى الصفوف إلى الصف الأول .

قال : وفي هذا ما يوضح أن معنى فضل الصف الأول : أنه ورد من أجل البكور إليه ، والتقدم . والله سبحانه وتعالى أعلم . انتهى .

وحمل أحاديث فضل الصف الأول على البكور إلى المسجد خاصة لا يصح ، ومن تأمل الأحاديث علم أن المراد بالصف الأول الصف المقدم في المسجد ، لا تحتمل غير ذلك .

وخرج الإمام أحمد وأبو داود والنسائي وابن خزيمة في ( صحيحه ) من حديث أنس ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( أتموا الصف المقدم ، ثم الذي يليه ، فما كان من نقص فليكن في الصف المؤخر ) .

التالي السابق


الخدمات العلمية