صفحة جزء
696 [ ص: 275 ] 80 - باب

إذا كان بين الإمام وبين القوم حائط أو سترة

وقال الحسن : لا بأس أن تصلي وبينك وبينه نهر .

وقال أبو مجلز : يأتم بالإمام - وإن كان بينهما طريق أو جدار - إذا سمع تكبير الإمام .


مراد البخاري بهذا الباب : أنه يجوز اقتداء المأموم بالإمام ، وإن كان بينهما طريق أو نهر ، أو كان بينهما جدار يمنع المأموم من رؤية إمامه إذا سمع تكبيره .

فهاهنا مسألتان :

إحداهما :

إذا كان بين الإمام والمأموم طريق أو نهر ، وقد حكى جوازه في صورة النهر عن الحسن ، وفي صورة الطريق عن أبي مجلز .

وقال الأوزاعي في السفينتين : يأتم من في إحداهما بإمام الأخرى ، الصلاة جائزة ، وإن كان بينهما فرجة ، إذا كان أمام الأخرى ، وبه قال الثوري ، نقله ابن المنذر .

وروى الأثرم بإسناده ، عن هشام بن عروة ، قال : رأيت أبي وحميد بن عبد الرحمن يصليان الجمعة بصلاة الإمام في دار حميد ، وبينها وبين المسجد جدار .

وكره آخرون ذلك :

روى ليث بن أبي سليم ، عن نعيم بن أبي هند ، قال : قال عمر بن الخطاب : من صلى وبينه وبين الإمام نهر أو جدار أو طريق لم يصل مع الإمام .

[ ص: 276 ] خرجه أبو بكر عبد العزيز بن جعفر في كتاب ( الشافي ) .

وكره أبو حنيفة وأحمد أن يصلي المأموم وبينه وبين إمامه طريق لا تتصل فيه الصفوف ، فإن فعل ، فقال أبو حنيفة : لا تجزئه صلاته ، وفيه عن أحمد روايتان .

والنهر الذي تجري فيه السفن كالطريق عند أحمد ، وعن أحمد جوازه .

واحتج بصلاة أنس في غرفة يوم الجمعة .

فمن أصحابه من خصه بالجمعة عند الزحام ، والأكثرون لم يخصوه بالجمعة .

وكذلك مذهب إسحاق :

قال حرب : قلت لإسحاق : الرجل يصلي في دار ، وبينه وبين المسجد طريق يمر فيه الناس ؟ قال : لا يعجبني ، ولم يرخص فيه ، قلت : صلاته جائزة ؟ قال : لو كانت جائزة كنت لا أقول : لا يعجبني ، قال : إلا أن يكون طريق يقوم فيه الناس ، ويصفون فيه للصلاة ، قلت : فإنا حين صلينا لم يمر فيه أحد ، فذهب إلى أن الصلاة جائزة .

قلت لإسحاق : فرجل صلى وبين يديه نهر يجري فيه الماء ؟ قال : إن كان نهرا تجري فيه السفن فلا يصل ، وإن لم يكن تجري فيه السفن فهو أسهل .

وكره آخرون الصلاة خلف الإمام خارج المسجد :

روي عن أبي هريرة وقيس بن عبادة ، قالا : لا جمعة لمن لم يصل في المسجد .

ورخصت طائفة في الصلاة في الرحاب المتصلة بالمسجد ، منهم : النخعي والشافعي .

وكذلك قال مالك ، وزاد : أنه يصلي فيما اتصل بالمسجد من غيره .

ذكر في ( الموطأ ) عن الثقة عنده ، أن الناس كانوا يدخلون حجر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ، يصلون فيها الجمعة ، قال : وكان المسجد يضيق على أهله .

[ ص: 277 ] وحجر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ليست من المسجد ، ولكن أبوابها شارعة في المسجد .

قال مالك : فمن صلى في شيء من المسجد أو في رحابه التي تليه ، فإن ذلك مجزئ عنه ، ولم يزل ذلك من أمر الناس ، لم يعبه أحد من أهل الفقه .

قال مالك : فأما دار مغلقة لا تدخل إلا بإذن ، فإنه لا ينبغي لأحد أن يصلي فيها بصلاة الإمام يوم الجمعة ، وإن قربت ، فإنها ليست من المسجد .

وفي ( تهذيب المدونة ) : أن ضابط ذلك : أن ما يستطرق بغير إذن من الدور والحوانيت تجوز الصلاة فيه ، وما لا يدخل إليه إلا بإذن لا يجوز ، وأن سائر الصلوات في ذلك كالجمعة .

وروى الأثرم بإسناده ، عن محمد بن عمرو بن عطاء ، قال : صليت مع ابن عباس في حجرة ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم بصلاة الإمام يوم الجمعة .

وبإسناده ، عن عطاء بن أبي ميمونة ، قال : كنت مع أنس بن مالك يوم جمعة ، فلم يستطع أن يزاحم على أبواب المسجد ، فقال : اذهب إلى عبد ربه بن مخارق ، فقل له : إن أبا حمزة يقول لك : أتأذن لنا أن نصلي في دارك ؟ فقال : نعم ، فدخل فصلى بصلاة الإمام ، والدار عن يمين الإمام .

فهذا أنس قد صلى في دار لا تدخل بغير إذن ، وحجر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم قبل هدمها وإدخالها في المسجد لم تكن تدخل بغير إذن ، أيضا .

وقد استدل أحمد بالمروي عن أنس في هذا في رواية حرب ، ورخص في الصلاة في الدار خارج المسجد ، وإن كان بينها وبين المسجد طريق ، ولم يشترط الإمام أحمد لذلك رؤية الإمام ، ولا من خلفه ، والظاهر : أنه اكتفى بسماع التكبير .

واشترط طائفة من أصحابه الرؤية ، واشترط كثير من متقدميهم اتصال [ ص: 278 ] الصفوف في الطريق .

وشرطه الشافعي - أيضا - ، قال في رواية الربيع فيمن كان في دار قرب المسجد ، أو بعيدا منه : لم يجز له أن يصلي فيها ، إلا أن تتصل الصفوف به ، وهو في أسفل الدار ، لا حائل بينه وبين الصفوف .

واستدل بقول عائشة - من غير إسناد - وتوقف في صحته عنها .

وذكره بإسناده في رواية الزعفراني ، فقال : حدثنا إبراهيم بن محمد ، عن ليث ، عن عطاء ، عن عائشة ، أن نسوة صلين في حجرتها ، فقالت : لا تصلين بصلاة الإمام ؛ فإنكن في حجاب .

وهذا إسناد ضعيف ، ولذلك توقف الشافعي في صحته .

المسألة الثانية :

إذا كان بين المأموم والإمام حائل يمنع الرؤية ، فقد حكى البخاري عن أبي مجلز أنه يجوز الاقتداء به إذا سمع تكبير الإمام .

وأجازه أبو حنيفة وإسحاق ، قال إسحاق : إذا سمع قراءته واقتدى به .

وقد تقدم كلام الشافعي في منعه ، واستدلاله بحديث عائشة ، قال الشافعي : هذا مخالف للمقصورة ، المقصورة شيء من المسجد ، فهو وإن كان حائلا بينه وبين ما وراءها ، فإنما هو كحول الأصطوان أو أقل ، وكحول صندوق المصاحف وما أشبهه .

وحاصله : إن صلى في المسجد وراء الإمام لم يشترط أن يرى فيه الإمام بخلاف من صلى خارج المسجد .

وحكى أصحابنا روايتين عن أحمد فيمن صلى في المسجد بسماع التكبير ، ولم ير الإمام ولا من خلفه ، هل يصح اقتداؤه به ، أو لا ؟

[ ص: 279 ] وحكوا رواية ثالثة : أنه يصح اقتداؤه به ، سواء صلى معه في المسجد ، أو صلى خارجا من المسجد .

قال أحمد في رواية حنبل : إذا صلى الرجل وهو يسمع قراءة الإمام في دار أو في سطح بيته كان ذلك مجزئا عنه ، وفي الرحبة .

قال أبو بكر عبد العزيز بن جعفر في كتاب ( الشافي ) : ذلك جائز إذا اتصلت الصفوف ، وعلم التكبير والركوع والسجود ، وأن لا يكون الدار والسطح مقدم القبلة ، ولا فوق الإمام ؛ فإنهم لا يمكنهم الاقتداء به ولا اتباعه ، ولا يعرفون ركوعه ولا سجوده ، وكذلك في الرحاب والطرق تجوز الصلاة في ذلك إذا اتصلت الصفوف ، ورأى بعضهم بعضا ، ولو أغلقت دونهم الأبواب ، وارتفعت الشبابيك بينهم ، أو كان عليها أبواب تغلق ، فلا يلحظون الصفوف ، ولا يرى بعضهم بعضا - يعني : أنه لا يصح اقتداؤهم بالإمام - قال : وهو مذهب أبي عبد الله . انتهى ما ذكره .

وهو مبني على اشتراط الرؤية خارج المسجد ، وفيه خلاف سبق ذكره .

وحكي عن أحمد رواية : أن الحائل المانع للرؤية ، والطريق الذي لا تتصل فيه الصفوف يمنع الاقتداء في الفرض دون النفل .

وحكي عنه : أنه لا يمنع في الجمعة في حال الحاجة إليه خاصة .

وحكي عنه : إن كان الحائل حائط المسجد لم يمنع ، وإلا منع .

وإن كان الحائل يمنع الاستطراق دون الرؤية لم يمنع .

وفيه وجه : يمنع ، وحكاه بعضهم رواية .

التالي السابق


الخدمات العلمية