صفحة جزء
[ ص: 233 ] 1 - باب

الوضوء قبل الغسل

خرج فيه حديثين :

الحديث الأول :

245 248 - حديث مالك ، عن هشام ، عن أبيه ، عن عائشة ، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا اغتسل من الجنابة بدأ بغسل يديه ، ثم توضأ كما يتوضأ للصلاة ، ثم يدخل أصابعه في الماء ، فيخلل بها أصول شعره ، ثم يصب على رأسه ثلاث غرفات بيديه ، ثم يفيض الماء على جلده كله .


غسل اليدين [...] قبل الوضوء شبه غسلهما للمتوضئ قبل إدخالهما في الإناء .

وروى هذا الحديث وكيع ، عن هشام ، وقال في حديثه : ( يغسل يديه ثلاثا ) .

خرجه مسلم من طريقه كذلك .

واستحسن أحمد هذه الزيادة من وكيع .

وقال أبو الفضل ابن عمار : ليست عندنا بمحفوظة .

[ ص: 234 ] قلت : تابعه - أيضا - على ذكر الثلاث في غسل الكفين مبارك بن فضالة ، عن هشام .

خرج حديثه ابن جرير الطبري .

ومبارك ليس بالحافظ .

وكذلك رواها ابن لهيعة ، عن أبي الأسود ، عن عروة ، عن عائشة .

وقد رويت - أيضا - من حديث أبي سلمة ، عن عائشة ، وسيأتي حديثه .

وقد روي أنه غسلهما قبل الاستنجاء ، ثم استنجى ، ثم دلكهما بالأرض ، ثم غسلهما قبل الوضوء مرتين أو ثلاثا . وسيأتي ذلك فيما بعد إن شاء الله تعالى .

وقول عائشة : ( ثم توضأ كما يتوضأ للصلاة ) - يدل على أنه توضأ وضوءا كاملا ، قبل غسل رأسه وجسده .

وروى أبو معاوية الضرير هذا الحديث ، عن هشام ، وزاد في آخر الحديث : ( ثم غسل رجليه ) .

خرجه مسلم .

وتابعه عليها محمد بن [كناسة ] ، عن هشام .

خرج حديثه أبو بكر عبد العزيز بن جعفر في ( كتاب الشافعي ) [ ... ].

وذكر أبو الفضل ابن عمار أن هذه الزيادة ليست بمحفوظة .

[ ص: 235 ] قلت : ويدل على أنها غير محفوظة عن هشام أن أيوب روى هذا الحديث عن هشام ، وقال فيه : فقلت لهشام : يغسل رجليه بعد ذلك ؟ فقال : وضوءه للصلاة ، وضوءه للصلاة . أي : أن وضوءه في الأول كاف . ذكره ابن عبد البر .

وهذا يدل على أن هشاما فهم من الحديث أن وضوءه قبل الغسل كان كاملا بغسل الرجلين ; فلذلك لم يحتج إلى إعادة غسلهما .

وقد روى حماد بن سلمة ، عن عطاء بن السائب ، عن أبي سلمة ، عن عائشة ، قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يغتسل من الجنابة يغسل يديه ثلاثا ، ثم يأخذ بيمينه فيصب على شماله ، فيغسل فرجه حتى ينقيه . ثم يغسل يده غسلا حسنا ، ثم يمضمض ثلاثا ويستنشق ثلاثا . ويغسل وجهه ثلاثا ، وذراعيه ثلاثا ثلاثا ، ثم يصب على رأسه الماء ثلاثا . ثم يغتسل ، فإذا خرج غسل قدميه .

خرجه الإمام أحمد ، عن عفان ، عن حماد .

وخرجه ابن جرير الطبري ، من طريق حجاج بن منهال ، عن حماد - به . وفي روايته : ثم يغسل جسده غسلا ، فإذا خرج من مغتسله غسل رجليه .

وخرجه الطبراني في ( الأوسط ) من طريق مؤمل ، عن حماد ، عن عطاء بن السائب وعلي بن زيد ، عن أبي سلمة ، عن عائشة - أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا [ ص: 236 ] اغتسل من جنابة غسل كفيه ثلاثا قبل أن يغمسهما في الإناء ، ثم يأخذ الماء بيمينه فيصبه على شماله ، ثم يغسل فرجه . ثم يتمضمض ثلاثا ، ويستنشق ثلاثا ، ثم يغسل وجهه ثلاثا ، ويغسل ذراعيه ثلاثا ثلاثا . ثم يصب على رأسه الماء واحدا واحدا ، فإذا خرج من مغتسله غسل قدميه .

وخرجه النسائي بمعناه ، ولم يذكر غسل رجليه في الآخر ، وعنده أنه صب على رأسه ثلاثا .

وفي رواية له : ( ملء كفيه ) .

وروى الإمام أحمد : ثنا هشيم : أنا خالد ، عن رجل من أهل الكوفة ، عن الأسود ، عن عائشة ، قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج من مغتسله حيث يغتسل من الجنابة يغسل قدميه .

وروى الأوزاعي ، قال : حدثني يحيى بن أبي كثير ، عن أبي سلمة ، عن عائشة . وحدثني عمرو بن سعد ، عن نافع مولى ابن عمر - أن عمر سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الغسل من الجنابة .

قال الأوزاعي : واتفقت الأحاديث على هذا ، يبدأ فيفرغ على يده اليمنى مرتين أو ثلاثا ، ثم يدخل يده اليمنى في الإناء ، فيصب بها على فرجه ، ويده اليسرى على فرجه ، فيغسل ما هنالك حتى ينقيه . ثم يضع اليسرى على التراب إن شاء ، ثم يصب على يده اليسرى حتى ينقيها . ثم يغسل يديه ثلاثا ، ويستنشق [ ص: 237 ] ويمضمض ، ويغسل وجهه وذراعيه ثلاثا ثلاثا ، حتى إذا بلغ رأسه لم يمسحه ، وأفرغ عليه الماء . وهكذا كان [غسل] رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما ذكر لنا .

خرجه النسائي .

وهذا مما رواه الأوزاعي بالمعنى الذي فهمه من حديث عائشة وحديث عمر ، وليس هو لفظ حديثهما ، ولكنه إلى لفظ حديث عمر أقرب ; فإن حديث عمر روي بمعنى مقارب لما قاله الأوزاعي من غير طريقه .

خرجه الإمام أحمد من طريق شعبة ، عن عاصم بن عمرو البجلي ، عن رجل حدثه ، أنهم سألوا عمر عن غسل الجنابة ، وعن صلاة التطوع في البيت ، وعما يصلح للرجل من امرأته وهي حائض - فقال : لقد سألتموني عن شيء ما سألني عنه أحد منذ سألت عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ! قال : صلاة الرجل في بيته تطوعا نور ، فمن شاء نور بيته ! وقال في الغسل من الجنابة : ( يغسل فرجه ، ثم يتوضأ ، ثم يفيض على رأسه ثلاثا ) ، وقال في الحائض : ( ما فوق الإزار ) .

وخرجه الإسماعيلي في ( مسند عمر ) ، من طريق أخرى ، عن عاصم .

وفي بعض رواياته : ( توضأ وضوءك للصلاة ، ثم أفض الماء على رأسك ، ثم على جسدك ، ثم تنح من مغتسلك فاغسل رجليك )

وفي رواية له : عن عاصم ، عن عمير مولى عمر ، أن نفرا سألوا عمر - فذكر الحديث ، وقال في حديثه : ( وأما الغسل ، فتفرغ بشمالك على يمينك ، [ ص: 238 ] ثم تدخل يدك في الإناء ، ثم تغسل فرجك وما أصابك ، ثم تفرغ على رأسك ثلاث مرات ، تدلك رأسك كل مرة ، ثم تغسل سائر جسدك ) .

ورواه ابن أبي ليلى ، عن عاصم بن عمرو البجلي ، عن عمرو بن شرحبيل وهو أبو ميسرة ، عن عمر وقد ذكر الحديث ، وقال فيه : ( وأما الغسل من الجنابة فصب بيمينك على شمالك واغسلها واغسل فرجك ، وتوضأ وضوءك للصلاة ، ثم أفض على رأسك وجسدك ، ثم تحول فاغسل قدميك ) .

خرجه الإسماعيلي .

وقد فهم الأوزاعي من حديث عمر وعائشة أن الوضوء يكون ثلاثا ثلاثا إلى مسح الرأس ، ولا يمسح الرأس ، بل يصب عليه الماء ثلاث مرات ، فيكتفي بغسله للجنابة عن مسحه ، ثم يصب الماء على سائر جسده ، ويغسل رجليه .

فأما القول باستحباب تثليث الوضوء قبل غسل الجنابة فقد نص عليه سفيان الثوري وإسحاق بن راهويه وأصحابنا ، ولم ينص أحمد إلا على تثليث غسل كفيه ثلاثا ، وعلى تثليث صب الماء على الرأس .

وأما القول بأنه لا يمسح رأسه ، بل يصب عليه الماء صبا ، ويكتفي بذلك عن مسحه وغسله للجنابة - فهذا قد روي صريحا عن ابن عمر .

ونص عليه إسحاق بن راهويه ، نقله عنه حرب .

ونقله أبو داود ، عن أحمد .

ونقل عنه ، قال : لا يغسل رجليه قبل الغسل .

وروي عن ابن عمر أنه قال : توضأ وضوءك للصلاة ، إلا رجليك .

وظاهر هذا أنه يمسح رأسه ولا يغسل رجليه ، وهو قول الثوري وغيره من العلماء .

[ ص: 239 ] والاكتفاء بغسل الرأس عن مسحه يدل على أن غسل الرأس في الوضوء يجزئ عن مسحه ، لكنه في الوضوء المفرد مكروه ، وفي الوضوء المقرون بالغسل غير مكروه .

وذهبت طائفة من العلماء إلى أنه يكمل وضوءه كله ، بمسح رأسه ، وغسل قدميه قبل الغسل . وهو المشهور عند أصحابنا ، وهو قول الخلال وصاحبه أبي بكر ، وهو قول مالك والشافعي في أشهر قوليه ; لظاهر حديث عائشة الذي خرجه البخاري هاهنا .

وقالوا : حديث عائشة حكاية عن فعل النبي صلى الله عليه وسلم الدائم في غسله للجنابة ، وأما ميمونة التي روت تأخير غسل رجليه فإنها حكت غسله في واقعة عين ، ولكن قد تبين أنه روي عن عائشة ما يوافق حديث ميمونة في تأخير غسل القدمين . ولم يأت عنها ولا عن غيرها التصريح بمسح الرأس في الوضوء .

ونص أحمد - في رواية جماعة - على أنه مخير بين تكميل الوضوء أولا ، وبين تأخير غسل الرجلين إلى أن يكمل الغسل .

وحكي للشافعي في تكميل الوضوء أولا قبل الغسل قولان :

نقل عنه البويطي تأخير غسل الرجلين .

والأصح عند أصحابه التكميل .

وقال سفيان الثوري : يتوضأ ثلاثا ثلاثا إلى أن ينتهي إلى رأسه ، فيمسحه مرة ، ثم يفيض عليه ثلاثا ، ويبالغ بالماء أصول الشعر . ويغسل لحيته وأذنيه ظاهرهما وباطنهما ، ثم يفرغ على سائر جسده من الماء ، ثم يتنحى عن مكانه ، فيغسل قدميه .

هكذا حكى أصحابه عنه في كتبهم .

والذين قالوا : يكمل وضوءه قبل الغسل - قالوا : لا يعيد غسل قدميه بعده .

[ ص: 240 ] قاله إبراهيم النخعي ومسلم بن يسار وهشام بن عروة وأبو الأسود يتيم عروة ، ونص عليه أحمد .

ومن أصحابنا من قال : يستحب إعادة غسل قدميه إذا انتقل من مكانه ; تطهيرا لهما وتنظيفا .

وحكى الترمذي في ( كتابه ) ذلك عن أهل العلم .

وفيه نظر .

وقد كان الشعبي إذا خرج من الحمام يخوض ماء الحمام ، ولا يغسل قدميه .

وروى ابن أبي شيبة ، عن الأسود بن عامر ، عن حماد بن سلمة ، عن عطاء بن السائب ، عن أبي سلمة ، عن عائشة ، قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدما يغتسل يخرج من الكنيف ، يغسل قدميه .

وخرجه عنه بقي بن مخلد في ( مسنده ) .

وهو مختصر من حديث صفة الغسل الذي سبق ذكره .

وذكر الكنيف فيه غريب .

التالي السابق


الخدمات العلمية