صفحة جزء
[ ص: 283 ] 82 - باب

إيجاب التكبير وافتتاح الصلاة

فيه ثلاثة أحاديث :

699 732 - حدثنا أبو اليمان ، أنا شعيب ، عن الزهري ، قال : أخبرني أنس بن مالك ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ركب فرسا فجحش شقه الأيمن ، قال أنس : فصلى لنا يومئذ صلاة من الصلوات وهو قاعد ، فصلينا وراءه قعودا ، ثم قال لما سلم : ( إنما جعل الإمام ليؤتم به ، فإذا صلى قائما فصلوا قياما ، وإذا ركع فاركعوا ، وإذا رفع فارفعوا ، وإذا سجد فاسجدوا ، وإذا قال : سمع الله لمن حمده ، فقولوا : ربنا ولك الحمد ) .

700 733 - حدثنا قتيبة ، ثنا الليث ، عن ابن شهاب ، عن أنس بن مالك ، قال : خر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن فرس فجحش ، فصلى لنا قاعدا ، فصلينا معه قعودا ، ثم انصرف ، فقال : ( إنما الإمام - أو إنما جعل الإمام - ليؤتم به ، فإذا كبر فكبروا ، وإذا ركع فاركعوا ، وإذا رفع فارفعوا ، وإذا قال : سمع الله لمن حمده ، فقولوا : ربنا ولك الحمد ، وإذا سجد فاسجدوا ) .

701 734 - حدثنا أبو اليمان ، أنا شعيب ، حدثني أبو الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إنما الإمام ليؤتم به ، فإذا كبر فكبروا ، وإذا ركع فاركعوا ، وإذا قال : سمع الله لمن حمده ، فقولوا : ربنا ولك الحمد ، وإذا سجد فاسجدوا ، وإذا صلى جالسا فصلوا جلوسا أجمعون ) .


حديث أنس ، ساقه من طريقين :

[ ص: 284 ] من طريق شعيب ، عن الزهري ، وفيه التصريح بسماع الزهري له من أنس .

ومن طريق الليث ، عن الزهري ، وليس فيه ذلك .

وقد تقدم من حديث مالك ، عن الزهري كذلك .

وليس في حديث مالك ولا شعيب ذكر التكبير ، وهو في حديث الليث وحده .

وقد خرجه مسلم بهذه الزيادة من طريق ابن عيينة وغيره ، عن الزهري .

وخرجه البخاري بها - أيضا - فيما تقدم من طريق حميد ، عن أنس .

وخرجه هاهنا من حديث أبي هريرة ، أيضا .

وهذه اللفظة هي مقصوده من هذه الأحاديث في هذا الباب ؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمر من يصلي خلف الإمام أن يكبر إذا كبر الإمام ، فدل على أن التكبير واجب على المأموم ، فدخل في ذلك تكبيرة الإحرام وغيرها - أيضا - من التكبير .

ويأتي الكلام في التكبير غير تكبيرة الإحرام في غير هذا الموضع -إن شاء الله تعالى- ، وإنما المقصود هنا تكبيرة الإحرام .

وقوله : ( إنما جعل الإمام ليؤتم به ) قد فسره بمتابعة الإمام في أقواله وأفعاله .

وقد أدخل طائفة من العلماء متابعته في نيته ، وقد سبق القول في ذلك .

وأدخل بعضهم - أيضا - متابعته في ترك بعض أفعال الصلاة المسنونة ، كرفع [ ص: 285 ] اليدين ، فقال : لا يرفع المأموم يديه إلا إذا رفع الإمام ، وهو قول أبي بكر بن أبي شيبة .

والجمهور على خلاف ذلك ، وأن المأموم يتابع إمامه فيما يفعله ، ويفعل ما تركه من السنن عمدا أو سهوا ، كرفع اليدين والاستفتاح والتعوذ والتسمية وغير ذلك ، فيما لا يفعله بعض الأئمة معتقدا له ، فكل هذا يفعله المأموم ، ولا يقتدي بإمامه في تركه .

ومما يدخل في ائتمام المأموم بإمامه : أنه لا يتخلف عنه تخلفا كثيرا ، بل تكون أفعال المأموم عقب أفعال إمامه ، حتى السلام .

وقد نص أحمد على أن الإمام إذا سلم وقد بقي على المأموم شيء من الدعاء ، فإنه يسلم معه ، إلا أن يكون بقي عليه شيء يسير ، فيأتي به ويسلم ، واستدل بقوله : ( إنما الإمام ليؤتم به ) .

وقوله : ( فإذا كبر فكبروا ) يدل على أن المأموم لا يكبر إلا بعد تكبير الإمام عقيبه ، وقد سبق الكلام على هذه المسألة مستوفى .

وكان ذكر حديث أبي هريرة في تعليم النبي صلى الله عليه وسلم المسيء في صلاته ، وقوله : ( إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء ، ثم استقبل القبلة وكبر ) وذكر الحديث - وقد خرجه البخاري في موضع آخر - أولى من ذكر : ( إذا كبر فكبروا ) ؛ فإن هذا الحديث إنما فيه أمر المأموم بالتكبير ، وأما تكبير الإمام فليس فيه الأمر به ، بل فيه ما يشعر بأنه لا بد من فعله كركوعه وسجوده .

وحينئذ فيستدل بحديث أنس على أنه لا بد للإمام من التسميع ، وأن المأموم مأمور بالتحميد عقيب تسميعه .

وأما حديث تعليم المسيء ، ففيه تصريح بالأمر لكل قائم إلى الصلاة أن [ ص: 286 ] يكبر ، وسواء كان إماما أو مأموما أو منفردا .

وأما حديث : ( مفتاح الصلاة الطهور ، وتحريمها التكبير ، وتحليلها التسليم ) فليس هو من شرط البخاري ، مع تعدد طرقه .

وكذلك حديث عائشة : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفتتح الصلاة بالتكبير .

خرجه مسلم من طريق حسين المعلم ، عن بديل بن ميسرة ، عن أبي الجوزاء ، عن عائشة .

وخالفه حماد بن زيد ، فرواه عن بديل ، عن عبد الله بن شقيق ، عن عائشة .

ومقصود البخاري : أن الصلاة لا تفتتح إلا بالتكبير ، ولا تنعقد بدونه .

وقد روي عن ابن مسعود وابن عباس والشعبي ، قالوا : تحريم الصلاة التكبير .

وروي عن ابن المسيب وبكير بن الأشج والنخعي فيمن نسي تكبيرة الاستفتاح : يستأنف الصلاة .

وهو قول الثوري وابن المبارك ومالك والشافعي وأحمد وإسحاق وغيرهم .

وقال الحكم وأبو حنيفة وعامة أصحابه : تنعقد الصلاة بكل لفظ من ألفاظ الذكر ، كالتهليل والتسبيح .

وعن النخعي ، قال : يجزئه ، ويسجد للسهو .

وعن الشعبي ، قال : بأي أسماء الله تعالى افتتحت الصلاة أجزأك .

وفي الإسناد إليه مجهول .

[ ص: 287 ] خرجه ابن أبي شيبة في ( كتابه ) .

وهو رواية عن الثوري ، رواها عنه النعمان بن عبد السلام .

وحكى ابن المنذر ، عن الزهري ، أن الصلاة تنعقد بمجرد النية ، ولا تحتاج إلى لفظ بالكلية .

قلت : وروي نحوه - أيضا - عن عطاء :

قال عبد الرزاق : عن ابن جريج ، قلت لعطاء : أقيمت الصلاة وأنا مع الناس ، فكبر الإمام ورفع من الركعة ، ولم أكبر في ذلك ؟ قال : إن كنت قد اعتدلت في الصف فاعتد بها ، وإن كنت لم تزل تتحدث حتى ركع ورفع رأسه من الركعة فكبر ثم اركع واعتد بها ، وإن كنت لم تعتدل في الصف فلا .

وعن ابن جريج ، عن عطاء ، في رجل دخل المسجد والإمام ساجد ، أو حين رفع رأسه من الركعة أو السجدة ، أو جالسا يتشهد : يكبر تكبيرة استفتاح الصلاة ؟ قال : إن شاء فليكبر ، وإن شاء فلا يكبر ، ولكن إذا قام وقد قام الإمام فليكبر ويستفتح .

وروى - أيضا - عن معمر ، عن قتادة ، في رجل انتهى إلى قوم وهم جلوس في آخر صلاتهم ؟ قال : يجلس معهم ، ولا يكبر .

ولعله أراد : أنه يكتفي بتكبيره إذا قام إلى القضاء ، فلا يكون قبل ذلك قد دخل في الصلاة .

وقريب من هذا : أنه قد روي عن طائفة من السلف ، أن من نسي تكبيرة الافتتاح في الصلاة ، فإنه تجزئه تكبيرة الركوع ، روي هذا عن سعيد بن المسيب والحسن والزهري وقتادة والحكم والأوزاعي ، وهو رواية عن حماد بن [ ص: 288 ] أبي سليمان ، حكاه ابن المنذر وغيره .

وروي عن الزهري ، أنه قال : يسجد للسهو إذا سها .

وهذا يحتاج إلى تحقيق ونظر في مأخذ ذلك .

وظاهر ما حكاه ابن المنذر عن هؤلاء : أنهم رأوا تكبيرة الركوع تقوم مقام تكبيرة الافتتاح في انعقاد الصلاة بها ، وهو ظاهر كلامهم - أيضا - ، حيث قالوا : تجزئه تكبيرة الركوع ، وتنعقد بها الصلاة ، وقال بكر المزني : يكبر إذا ذكر .

وظاهر كلامهم : أنه عام في حق الإمام والمأموم والمنفرد ، وقد روي عن الحكم صريحا في الإمام ، فأما في حق الإمام والمنفرد فيحتمل وجهين :

أحدهما : أن تكون الصلاة انعقدت بمجرد النية ، كما روي عن الزهري .

والثاني : أن تكون الصلاة إنما انعقدت بتكبيرة الركوع ، وتكون القراءة ساقطة عنهما في هذه الركعة ، بناء على أن القراءة لا تجب في جميع الركعات ، وهذا هو الذي يتبادر فهمه من كلامهم .

وهو قول سفيان الثوري ، ذكره أصحابه في كتبهم ، لكنه يشترط : أن ينوي بتكبيرته عند الركوع تكبيرة الإحرام ، كما سيأتي قوله في ذلك .

وأما قول بكر المزني : ( يكبر إذا ذكر ) ، فإن أراد ما لم يركع ، فهو يرجع إلى ما ذكرنا ، وإن كان مراده أعم من ذلك ، فلا يرجع إلا إلى أن الصلاة يدخل فيها بمجرد النية - أيضا - إلا أن يكون أراد أنه يكبر متى ما ذكر ، ويستأنف الصلاة من حينئذ .

وأما في حق المأموم ، فقد وافق من تقدم ذكره على قولهم يجزئه تكبيرة الركوع ، مالك وأحمد في رواية عنهما .

فذكر مالك في ( الموطأ ) في الإمام والمنفرد أنهما إذا نسيا تكبيرة الإحرام [ ص: 289 ] يبتدئان الصلاة ، وفي المأموم إذا نسي تكبيرة الإحرام وكبر للركوع : رأيت ذلك مجزئا عنه .

قال ابن عبد البر : قال الزهري والأوزاعي وطائفة : تكبيرة الإحرام ليست بواجبة .

وقد روي عن مالك في المأموم ما يدل على هذا القول ، ولم يختلف قوله في الإمام والمنفرد : أن تكبيرة الإحرام واجبة على كل واحد منهما ، والصحيح من مذهبه : إيجاب تكبيرة الإحرام ، وأنها فرض ركن من أركان الصلاة .

قلت : يمكن أن يحمل ما نقل عن السلف ، أو عن بعضهم في ذلك على المأموم خاصة ، وكذلك حكاه عنهم ابن عبد البر في المأموم خاصة ، وهذا أشبه وأظهر .

ويدل عليه : ما خرجه حرب بإسناده ، عن خليد ، عن الحسن وقتادة قالا : إن نسيت تكبيرة الاستفتاح وكبرت للركوع وأنت مع الإمام فقد مضت صلاتك .

وبإسناده ، عن الوليد بن مسلم ، قال أبو عمرو - يعني : الأوزاعي - فيمن نسي تكبيرة الاستفتاح : إن كان وحده استأنف الصلاة ، وإن كان مع الإمام أجزأته تكبيرة الركوع ، وكان كمن أدرك ركعة الإمام فكبر تكبيرة ، وأمكن كفيه من ركبتيه ، ورفع الإمام رأسه فقد أجزأته تلك الركعة .

قال الوليد : فقلت لأبي عمرو : فإن نسي تكبيرة الافتتاح وتكبيرة الركوع ؟ فأخبرني أن ابن شهاب قال : يضيف إلى صلاته ركعة ، ولا يعتد بتلك الركعة التي لم يكبر لها .

وقال أبو عمرو : وإذا كان وحده ، فنسي الأولى والآخرة أعاد الصلاة ، وإذا كان مع الإمام أضاف إلى صلاته ركعة أخرى .

[ ص: 290 ] فقد فرق الأوزاعي بين المنفرد والمأموم ، وأما الزهري فلم يفرق .

والتفريق بينهما له مأخذان :

أحدهما : أن الإمام يتحمل عن المأموم التكبير ، كما يتحمل عنه القراءة ، وقد صرح بهذا المأخذ الإمام أحمد .

قال حنبل : سألت أبا عبد الله عن قول : إذا سها المأموم عن تكبيرة الافتتاح وكبر للركوع رأيت ذلك مجزئا عنه ؟ فقال أبو عبد الله : يجزئه إن كان ساهيا ؛ لأن صلاة الإمام له صلاة .

فصرح بالمأخذ ، وهو تحمل الإمام عنه تكبيرة الإحرام في حال السهو .

ذكر هذه الرواية أبو بكر عبد العزيز في ( كتاب الشافي ) ، وهذه رواية غريبة عن أحمد ، لم يذكرها الأصحاب .

والمذهب عندهم : أنه لا يجزئه ، كما لا يجزئ الإمام والمنفرد ، وقد نقله غير واحد عن أحمد .

ونقل إسماعيل بن سعيد ، عن أحمد فيمن ترك تكبيرة الافتتاح في الصلاة ؟ قال : إن تركها عمدا لم تجزئه صلاته .

ومفهومه : أنه إن تركها سهوا أجزأته صلاته .

وينبغي حمل ذلك على المأموم خاصة ، كما نقله حنبل .

وهذا المأخذ هو مأخذ من فرق بين الإمام والمأموم والمنفرد ، كالأوزاعي ؛ ولهذا طرد قوله في المأموم ينسى تكبيرة الافتتاح مع تكبيرة الركوع ، وقال : إن صلاته جائزة ، ويقضي ركعة .

ولو كان مأخذه : أن صلاته انعقدت بالتكبيرة في الركعة الثانية لم يكن بين الإمام والمأموم فرق .

[ ص: 291 ] وهو - أيضا - مأخذ مالك وأصحابه .

وفي ( تهذيب المدونة ) : وإن ذكر مأموم أنه نسي تكبيرة الإحرام ، فإن كان كبر للركوع ونوى بها تكبيرة الإحرام أجزأه ، فإن كبرها ولم ينو بها ذلك تمادى مع الإمام ، وأعاد صلاته احتياطا ؛ لأنه لا يجزئه عند ربيعة ، ويجزئه عند ابن المسيب ، وإن لم يكبر للركوع ولا للافتتاح حتى ركع الإمام ركعة ركعها معه ، وابتدأ التكبير ، وكان الآن داخلا في الصلاة ، ويقضي ركعة بعد سلام الإمام ، ولو كان وحده ابتدأ متى ذكر ، قبل ركعة أو بعد ركعة ، نوى بتكبيرة الركوع الإحرام أم لا ، وكذلك الإمام لا يجزئه إن نوى بتكبيرة الإحرام الركوع ، فإن فعل أعاد هو ومن خلفه . انتهى .

وهذا التفريق ، إنما هو لتحمل الإمام القراءة .

وما ذكر من أن المسبوق إن لم ينو بتكبيرته عند الركوع الإحرام يتمادى مع الإمام ، ويعيد صلاته احتياطا ، مخالف لما نص عليه مالك في ( الموطأ ) : أنه تجزئه صلاته إذا سها عن تكبيرة الافتتاح .

ولكن في بعض روايات ( الموطأ ) عن مالك ، أنه اشترط في هذا الموضع نية الافتتاح ، أيضا .

وذكر ابن عبد البر : أن أصحاب مالك اضطربوا في هذه المسألة اضطرابا عظيما ، ونقضوا أصلهم في وجوب تكبيرة الإحرام في حق المأموم ؛ لأجل الاختلاف فيه .

وقد قال مالك في ( الموطأ ) : إن المأموم إذا نسي تكبيرة الإحرام وتكبيرة الركوع وكبر في الثانية ، أنه يبتدئ صلاته أحب إلي .

فظاهر هذا : أنه لم يوجب عليه الإعادة للاختلاف في تحمل الإمام عنه [ ص: 292 ] التكبير ، وهذا يدل على أنه رأى الاختلاف في حق المأموم خاصة ؛ فإنه قال في المنفرد : يعيد صلاته جزما .

والمأخذ الثاني : وقد بنى ما روي عن السلف عليه طائفة من العلماء ، منهم : عباس العنبري ، وهو : أن المأموم إذا أدرك الإمام في الركوع فكبر تكبيرة واحدة ، فإنه تجزئه وتنعقد صلاته عند جمهور العلماء ، وفيه خلاف عن ابن سيرين وحماد بن أبي سليمان .

وحكاه بعض أصحابنا رواية عن أحمد أنه لا يصح حتى يكبر تكبيرتين ، ولا يصح هذا عن أحمد .

فعلى قول الجمهور : إذا كبر تكبيرة واحدة ، فله أربعة أحوال :

إحداها : أن ينوي بها تكبيرة الافتتاح ، فتجزئه صلاته بغير توقف .

الحالة الثانية : أن ينوي تكبيرة الركوع خاصة ، فلا تجزئه عند الأكثرين ، قاله الثوري ومالك .

ونص عليه أحمد في رواية أبي الحارث ، واحتج بأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( تحريمها التكبير ) ، وهذا لم يحرم بالصلاة .

فإن كان ساهيا عن تكبيرة الإحرام ، فقال مالك في ( الموطأ ) : تجزئه .

وهو رواية حنبل عن أحمد .

ولا تجزئه عند الثوري ، وهو المشهور عن أحمد ومذهب الأكثرين .

الحالة الثالثة : أن ينويهما معا ، ففيه قولان :

أحدهما : تجزئه ، حكي عن أبي حنيفة ومالك وأبي ثور ، وحكي رواية عن أحمد ، اختارها ابن شاقلا .

والثاني : لا تجزئه ، وهو المشهور عند أصحابنا ، وقول الشافعي وإسحاق .

[ ص: 293 ] الحالة الرابعة : أن لا ينوي شيئا ، بل يطلق النية ، فهل تجزئه ، أم لا ؟ فيه قولان :

أحدهما : لا تجزئه حتى ينوي بها الافتتاح ؛ فإنه قد اجتمع في هذا المحل تكبيرتان ؛ إحداهما فرض ، فاحتاج الفرض إلى تمييزه بالنية ، بخلاف تكبير الإمام أو المنفرد أو المأموم إذا أدرك الإمام قبل الركوع ، فإنه لم يجتمع في حقه تكبيرتان في وقت واحد .

وهذا القول حكي عن أبي حنيفة ، وهو قول الثوري ومالك وإسحاق ، ونقله ابن منصور وغير واحد عن أحمد .

وقاله أبو بكر عبد العزيز بن جعفر من أصحابنا في ( كتاب الشافي ) والقاضي أبو يعلى في ( جامعه الكبير ) ، وجعله المذهب رواية واحدة ، وتأول ما خالف ذلك عن أحمد .

والثاني : تجزئه وإن أطلق النية ، نقله ابن منصور - أيضا - عن أحمد ، ونقله - أيضا - صالح ومهنا وأبو طالب عن أحمد .

وقال : ما علمنا أحدا قال : ينوي بها الافتتاح .

يشير إلى الصحابة والتابعين .

وعلل : بأنه خرج من بيته وهو يريد الصلاة .

يشير إلى أن نية الصلاة موجودة معه ؛ بخروجه إلى الصلاة ، فلا يكبر للصلاة إلا بتلك النية ، ولا يكبر للركوع إلا من دخل في الصلاة ، فأما من لم يكن دخل فيها فإنما يكبر لدخوله في الصلاة أولا ، ولا يضره عدم استحضاره لهذه النية عند التكبيرة ؛ لأن تقديم النية على التكبير بالزمن اليسير جائز عنده .

وللشافعي قولان في هذه المسألة .

وقد يجاب عن قول من قال : إنه قد اجتمع في حقه تكبيرتان بأنهما لم [ ص: 294 ] تجتمعا عليه ؛ فإن تكبيرة الافتتاح محلها القيام ، وتكبيرة الركوع محلها الانحناء للركوع ، فلم تجتمعا في محل واحد .

وهذا بناء على أنه لا تنعقد صلاة مدرك الركوع ، إلا بالتكبير قائما ، وهو قول الشافعي وإسحاق وأصحابنا .

وحكى صاحب ( شرح المهذب ) أنه رواية عن مالك ، قال : والمشهور عنه : أنه تنعقد صلاته إذا كبر وهو مسبوق في حال الركوع ، قال : وهو نصه في ( المدونة ) و : ( الموطأ ) .

قلت : هذا مقتضى الرواية عن مالك في المأموم إذا نسي تكبيرة الافتتاح وكبر للركوع : أنه تجزئه ، كذا رواه القعنبي وغيره عن مالك .

ورواه يحيى بن يحيى ، عن مالك ، بشرط أن ينوي بها الافتتاح .

فينبغي على هذا : أن لا يأتي بها إلا قائما .

أو مقتضى قول من قال : تجزئه تكبيرة الركوع عن تكبيرة الإحرام : أنه تنعقد الصلاة بالتكبير في حال الركوع ؛ لأن تكبيرة الركوع إنما تكون في حال الانحناء للركوع .

وقد روى عبد الرزاق في ( كتابه ) عن ابن جريج ، قال : أخبرت عن ابن مسعود ، أنه كان يقول : إذا وجدت الإمام والناس جلوسا في آخر الصلاة فكبر قائما ، ثم اجلس وكبر حين تجلس ، فتلك تكبيرتان : الأولى وأنت قائم لاستفتاح الصلاة ، والأخرى حين تجلس ؛ كأنها للسجدة .

وهذا منقطع .

وهذا التفسير كأنه من قول ابن جريج .

[ ص: 295 ] وروى وكيع ، عن إبراهيم بن إسماعيل بن مجمع ، عن الزهري ، عن عروة وزيد بن ثابت ، أنهما كانا يجيئان والإمام راكع ، فيكبران تكبيرة الافتتاح ، لافتتاح الصلاة وللركعة .

إبراهيم هذا ، فيه مقال .

وقد رواه معمر وإبراهيم بن سعد وابن أبي ذئب ، عن الزهري ، عن ابن عمر وزيد بن ثابت ، قالا : تجزئه تكبيرة واحدة .

وروي عن معمر ، عن الزهري ، عن سالم ، عن ابن عمر وزيد .

فيصير إسناده متصلا .

وليس في رواية أحد منهم أنه يكبر للافتتاح ، وهذا أصح إن شاء الله تعالى .

التالي السابق


الخدمات العلمية