صفحة جزء
[ ص: 296 ] 83 - باب

رفع اليدين في التكبيرة الأولى مع الافتتاح سواء

702 735 - حدثنا عبد الله بن مسلمة ، عن مالك ، عن ابن شهاب ، عن سالم بن عبد الله ، عن أبيه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه حذو منكبيه إذا افتتح الصلاة ، وإذا كبر للركوع ، وإذا رفع رأسه من الركوع رفعهما كذلك أيضا ، وقال : ( سمع الله لمن حمده ، ربنا ولك الحمد ) ، وكان لا يفعل ذلك في السجود .


مقصوده بهذا الحديث في هذا الباب مسألتان :

إحداهما :

أن رفع اليدين عند افتتاح الصلاة مشروع ، وهذا كالمجمع عليه .

قال ابن المنذر : لم يختلف أهل العلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه إذا افتتح الصلاة .

وحكى بعضهم رواية عن مالك ، أنه لا يرفع يديه في الصلاة بحال ، ذكره ابن عبد البر وغيره .

ولعل ذلك لا يصح عن مالك ، وحديثه هذا مجمع على صحته لا مطعن لأحد فيه .

والرفع في افتتاح الصلاة سنة مسنونة ، وليس بركن ولا فرض عند جمهور العلماء ، ولا تبطل الصلاة بتركه عند أحد منهم .

وحكي عن الحميدي وداود وأحمد بن يسار من الشافعية : أنه تبطل الصلاة بتركه .

وروي عن علي بن المديني ما يشبهه ، وأن الرفع واجب ، لا يحل تركه .

[ ص: 297 ] ونقل حرب عن إسحاق ما يدل على بطلان الصلاة بترك الرفع عند تكبيرة الإحرام ، وأنه واجب .

وهو قول أبي بكر بن أبي شيبة والجوزجاني .

وقال ابن خزيمة : هو ركن من أركان الصلاة ، حكاه الحاكم في ( تاريخ نيسابور ) عن خاله أبي علي المؤذن - وأثنى عليه - أنه سمع ابن خزيمة يقوله .

وحكاه ابن عبد البر رواية عن الأوزاعي ؛ لقوله فيمن ترك الرفع : نقصت صلاته .

وهذا لا يدل ؛ فإن مراده : لم يتم سننها ، كما قال ابن سيرين : الرفع من تمام الصلاة .

ونص أحمد على أن من ترك الرفع نقصت صلاته .

وفي تسميته : ( من تمام الصلاة ) ، عنه روايتان .

ولا خلاف أنه لا يبطل تركه عمدا ولا سهوا .

وتوقف إسحاق بن راهويه في تسميته : ( ناقص الصلاة ) ، وقال : لا أقول سفيان الثوري ناقص الصلاة .

واستدل الأكثرون على أنه غير واجب ، بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعلمه المسيء في صلاته ، كما علمه التكبير لافتتاح الصلاة ، ولو كان حكم الرفع حكم التكبير لعلمه إياه معه .

وقد روى الوليد بن مسلم ، عن الأوزاعي ، حدثني إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة ، قال : بصر رسول الله صلى الله عليه وسلم برجل يسيء في صلاته ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أحسن صلاتك ) ، وأمره برفع يديه عند تكبيرة الاستفتاح [ ص: 298 ] للصلاة ، وبالقراءة ، وبرفع يديه إذا كبر للركوع ، وبرفع يديه عند تكبيرة السجدة التي بعد الركوع .

خرجه ابن جوصا في ( مسند الأوزاعي ) .

وهو مرسل .

ورواه جماعة عن الوليد ، عن الأوزاعي ، عن إسحاق ، عن أنس ، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك في صلاته .

وهو أصح .

وفي رواية : أن الوليد لم يسمعه من الأوزاعي .

والوليد مدلس عن غير الثقات ، وقد استنكر الإمام أحمد حديثه هذا .

المسألة الثانية :

أن الرفع يكون مع التكبير سواء ؛ ولهذا بوب عليه : ( رفع اليدين في التكبيرة الأولى مع الافتتاح سواء ) .

ومراده بالافتتاح : التكبيرة نفسها ؛ فإن هذه التكبيرة هي افتتاح الصلاة ، كما في حديث عائشة : كان النبي صلى الله عليه وسلم يفتتح الصلاة بالتكبير .

فالصلاة لها مفتاح ، وهو الطهور ، كما في حديث علي وأبي سعيد مرفوعا : ( مفتاح الصلاة الطهور ) ولها افتتاح ، وهو التكبير ، ولها استفتاح ، وهو ما يقوله بين التكبير والقراءة من الذكر والدعاء .

وممن ذهب إلى أن رفع اليدين مع تكبيرة الإحرام سواء ، فيبدأ به مع ابتدائها ، وينتهي مع انتهائها : الإمام أحمد وعلي بن المديني ، ونص عليه [ ص: 299 ] الشافعي في ( الأم ) ، قال : يرفع يديه مع افتتاح التكبيرة ، ويرد يديه عن الرفع مع انقضائه ، ويثبت يديه مرفوعتين حتى يفرغ من التكبير كله ، وقال : إن أثبت يديه بعد انقضاء التكبير قليلا لم يضره ، ولا آمره به .

ومن أصحابه من قال : يرفع يديه مع ابتداء التكبير ، ولا استحباب في انتهائه .

ومنهم من قال : يرفعهما قبل التكبير ، ثم يرسلهما بعد فراغه من التكبير .

وقال إسحاق : إن رفع يديه مع التكبير أجزأه ، وأحب إلينا أن يرفع يديه ، ثم يكبر .

وحكاه بعض أصحابنا رواية عن أحمد .

ومن أصحابنا من قال : يخير بين الرفع مع التكبير وقبله ، وهما سواء في الفضيلة .

وقد استدل البخاري لقوله بحديث ابن عمر ، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه إذا افتتح الصلاة .

يعني : إذا كبر للافتتاح .

وقد خرجه فيما بعد ، ولفظه : رأيت النبي صلى الله عليه وسلم افتتح التكبير في الصلاة ، فرفع يديه حين يكبر ، وذكر الحديث .

وفي رواية لمسلم من طريق ابن جريج ويونس وعقيل ، كلهم عن الزهري بهذا الإسناد ، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قام للصلاة رفع يديه حتى يكونا حذو منكبيه ، ثم كبر .

[ ص: 300 ] وروى الإمام أحمد ، عن سفيان ، عن الزهري ، عن سالم ، عن ابن عمر ، قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفع يديه مع التكبير معا .

قال الدارقطني في ( العلل ) : رواه يونس وعقيل وابن أخي الزهري والنعمان بن راشد والزبيدي ، عن الزهري ، عن سالم ، عن أبيه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه ، ثم يكبر .

رواه شعيب بن أبي حمزة وإبراهيم بن أبي عبلة وابن جريج وفليح وهشيم وإسماعيل بن علية وابن عيينة ، عن الزهري ، وقالوا : يرفع يديه حين يكبر .

وخرج أبو داود من حديث وائل بن حجر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أنه رفع يديه ثم كبر .

وخرج - أيضا - من حديث وائل بن حجر ، أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يرفع يديه مع التكبيرة .

وروى حرب الكرماني ، ثنا محمد بن الوزير ، ثنا الوليد بن مسلم ، قال : قال أبو عمرو : أخبرني إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة ، عن أنس بن مالك ، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفعهما مع التكبير .

وقد تقدم ذكر علة هذا الحديث ، وأنه روي مرسلا ، وأن الوليد لم يسمعه من الأوزاعي ، بل دلسه عنه .

وروى - أيضا - من طريق ابن إسحاق ، عن محمد بن عمرو بن عطاء ، عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان ، عن أبي هريرة ، قال : ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قام إلى الصلاة قط إلا شهر بيديه إلى السماء قبل أن يكبر ، ثم يكبر .

[ ص: 301 ] وقد حمل بعضهم هذا على أن هذا الرفع كان للدعاء قبل الصلاة .

وخرجه البيهقي ، ولفظه : ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قام في صلاة فريضة ولا تطوع إلا شهر يديه إلى السماء يدعو ، ثم يكبر .

وقد روي عن ابن عمر وغيره استحباب رفع رأسه ووجهه إلى السماء - أيضا - مع التكبير .

خرجه حرب بإسناد صحيح ، عن ابن جريج ، قال : سألت نافعا ، فقلت : أكان ابن عمر إذا كبر بالصلاة يرفع رأسه ووجهه إلى السماء ؟ فقال : نعم قليلا .

ومن طريق ابن جريج - أيضا - قال : أخبرني ابن سابط ، أن وجه التكبير : أن يكبر الرجل بيديه ووجهه وفيه ، ويرفع رأسه وفاه شيئا حين يبتدئ وحين يرفع رأسه .

واعلم أن حديث مالك الذي خرجه البخاري في هذا الباب ، عن القعنبي ، عنه ، ليس فيه ذكر الرفع إذا ركع ، إنما فيه الرفع إذا افتتح الصلاة ، وإذا رفع رأسه من الركوع ، وكذا هو في ( موطأ القعنبي ) عن مالك ، وكذا رواه عامة رواة ( الموطأ ) عن مالك .

ورواه جماعة عن مالك ، فذكروا فيه الرفع إذا كبر للركوع - أيضا - ، منهم : الشافعي ، وابن وهب ، ويحيى القطان ، وابن مهدي ، وجويرية بن أسماء ، وإبراهيم بن طهمان ، ومعن ، وخالد بن مخلد ، وبشر بن عمر ، وغيرهم .

وكذلك رواه عامة أصحاب الزهري ، عنه ، منهم : يونس وشعيب وعقيل وابن جريج وغيرهم .

وكذلك رواه سليمان الشيباني والعلاء بن عبد الرحمن وغيرهما ، عن سالم بن عبد الله .

[ ص: 302 ] ذكره البيهقي وغيره .

وممن رواه عن مالك بذكر الرفع عند الركوع : عبد الله بن يوسف التنيسي ، وابن المبارك ، وعبد الرحمن بن القاسم ، وعبد الله بن نافع ، وإسماعيل بن أبي أويس ، ويحيى بن يحيى النيسابوري .

التالي السابق


الخدمات العلمية