صفحة جزء
[ ص: 303 ] 84 - باب

رفع اليدين إذا كبر ، وإذا ركع ، وإذا رفع

فيه حديثان :

أحدهما :

قال :

703 736 - حدثنا محمد بن مقاتل ، ثنا عبد الله ، أنا يونس ، عن الزهري ، أخبرني سالم بن عبد الله ، عن عبد الله بن عمر ، قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام في الصلاة رفع يديه حتى يكونا حذو منكبيه ، وكان يفعل ذلك حين يكبر للركوع ، ويفعل ذلك إذا رفع رأسه من الركوع ، ويقول : ( سمع الله لمن حمده ) ، ولا يفعل ذلك في السجود .

الثاني :

قال :

704 737 - حدثنا إسحاق الواسطي ، ثنا خالد بن عبد الله ، عن خالد ، عن أبي قلابة ، أنه رأى مالك بن الحويرث إذا صلى كبر ورفع يديه ، وإذا أراد أن يركع رفع يديه ، وإذا رفع رأسه من الركوع رفع يديه ، وحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صنع هكذا .


لم يخرج البخاري في ( صحيحه ) في رفع اليدين غير حديث ابن عمر وحديث مالك بن الحويرث ، وقد أفرد للرفع كتابا ، خرج فيه الأحاديث المرفوعة والآثار الموقوفة ، وكذلك صنف في الرفع غير واحد من أئمة أهل [ ص: 304 ] الحديث ، منهم : النسائي ومحمد بن نصر المروزي وغيرهما .

وسبب اعتنائهم بذلك : أن جميع أمصار المسلمين ، كالحجاز واليمن ومصر والعراق كان عامة أهلها يرون رفع الأيدي في الصلاة عند الركوع والرفع منه ، سوى أهل الكوفة ، فكانوا لا يرفعون أيديهم في الصلاة ، إلا في افتتاح الصلاة خاصة ، فاعتنى علماء الأمصار بهذه المسألة ، والاحتجاج لها ، والرد على من خالفها .

قال الأوزاعي : ما اجتمع عليه علماء أهل الحجاز والشام والبصرة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه حذو منكبيه حين يكبر لافتتاح الصلاة ، وحين يكبر للركوع ، وإذا رفع رأسه من الركوع ، إلا أهل الكوفة ، فإنهم خالفوا في ذلك أئمتهم .

خرجه ابن جرير وغيره .

وقال البخاري في ( كتابه في رفع اليدين ) بعد أن روى الآثار في المسألة : فهؤلاء أهل مكة والمدينة واليمن والعراق قد اتفقوا على رفع الأيدي .

وقال محمد بن نصر المروزي : لا نعلم مصرا من الأمصار تركوا الرفع بأجمعهم في الخفض والرفع منه ، إلا أهل الكوفة .

وروى البيهقي بإسناده عن الأوزاعي ، أنه تناظر هو والثوري في هذه المسألة بمكة ، وغضب واشتد غضبه ، وقال للثوري : قم بنا إلى المقام نلتعن أينا على الحق ، فتبسم الثوري لما رأى الأوزاعي قد احتد ، رضي الله عنهما .

وحديث الزهري ، عن سالم ، عن ابن عمر مما اتفق العلماء كلهم على [ ص: 305 ] صحته وتلقيه بالقبول ، وعليه اعتمد أئمة الإسلام في هذه المسألة ، منهم : الأوزاعي وابن المبارك ، وقال : ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم .

كذلك قال الشافعي وأحمد وإسحاق وغيرهم .

وأما مالك ، فإنه خرجه في ( كتاب الموطأ ) في ( باب : افتتاح الصلاة ) ، وذكر عن نافع ، عن ابن عمر ، أنه كان يعمل به .

وقد روى عامة أصحاب مالك ، أنه كان يعمل به ، منهم : ابن وهب وأبو مصعب وأشهب والوليد بن مسلم وسعيد بن أبي مريم .

وإنما روى عنه الرفع عند افتتاح الصلاة خاصة ابن القاسم ، قال : وكان مالك يرى رفع اليدين في الصلاة ضعيفا ، وقال : إن كان ففي الإحرام .

قال محمد بن الحكم : لم يرو أحد عن مالك مثل رواية ابن القاسم .

وذكر ابن عبد البر ، عن أحمد بن خالد - وهو : ابن الجباب ، وكان أعلم أهل الأندلس بالفقه والحديث في وقته - ، قال : كان جماعة من أصحابنا يرفعون أيديهم في الصلاة على حديث ابن عمر ، ورواية من روى ذلك عن مالك وجماعة لا يرفعون ، على رواية ابن القاسم ، ولا يعيب هؤلاء على هؤلاء ، ولا هؤلاء على هؤلاء .

قلت : افترق الناس في هذه المسألة فرقا ثلاثة .

ففرقة منهم : تنكر على من يرفع أو تبدعه ، وهؤلاء عامة فقهاء أهل الكوفة ، حتى غالى بعضهم فجعله مبطلا للصلاة ، وادعى بعضهم أن الرفع نسخ .

[ ص: 306 ] وقد وافقهم بعض المتقدمين من أهل الشام ، حتى ضرب من رفع يديه في صلاته في زمن عمر بن عبد العزيز وغضب عمر من ذلك وأنكره على من فعله وحجبه عنه .

وفرقة : لا ينكرون على واحد من الفريقين ، ويعدون ذلك من مسائل الخلاف السائغ ، ثم منهم من يميل إلى الرفع ، ومنهم من يميل إلى تركه ، ومنهم : سفيان الثوري .

وقد روى ابن أبي شيبة في ( كتابه ) عن طائفة كثيرة من الصحابة والتابعين ، أنهم لم يرفعوا أيديهم إلا عند الافتتاح ، منهم عمر وابن عمر .

وهي رواية مجاهد عنه ، وقد ضعفها الإمام أحمد والبخاري والدارقطني وغيرهم .

ومنهم : علي وابن مسعود وأصحابهما .

وقد روي ذلك عن علي وابن مسعود مرفوعا ، وضعف المرفوع عامة أئمة الحديث قديما وحديثا .

وأكثر الصحابة والتابعين على الرفع عند الركوع ، والرفع منه - أيضا - حتى قال قتادة ، عن الحسن : كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاتهم كأن أيديهم المراوح ، إذا ركعوا وإذا رفعوا رءوسهم .

وقال عبد الملك بن أبي سليمان ، عن سعيد بن جبير أنه سئل عن رفع [ ص: 307 ] اليدين في الصلاة ، فقال : هو شيء يزين به الرجل صلاته ؛ كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفعون أيديهم في الافتتاح ، وعند الركوع ، وإذا رفعوا رؤوسهم .

وهو قول عامة التابعين .

وقال عمر بن عبد العزيز : إن كنا لنؤدب عليها بالمدينة إذا لم نرفع أيدينا .

وقول عامة فقهاء الأمصار .

وكان الإمام أحمد لا يبالغ في الإنكار على المخالف في هذه المسألة :

روى عنه المروذي وغيره ، أنه سئل عمن ترك الرفع يقال : إنه تارك للسنة ؟ قال : لا تقل هكذا ، ولكن قل : راغب عن فعل النبي صلى الله عليه وسلم .

ونقل عنه الميموني ، قال : الرفع عندنا أكثر وأثبت ، فإن تأول رجل ، فما أصنع ؟

وسئل الإمام أحمد ، فقيل له : إن عندنا قوما يأمروننا برفع اليدين في الصلاة ، وقوما ينهوننا عنه ؟ فقال : لا ينهاك إلا مبتدع ، فعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان ابن عمر يحصب من لا يرفع .

فلم يبدع إلا من نهى عن الرفع وجعله مكروها ، فأما المتأول في تركه من غير نهي عنه فلم يبدعه .

وقد حمل القاضي أبو يعلى قول أحمد : إنه مبتدع ، على من ترك الرفع عند تكبيرة الإحرام ، وهو بعيد .

ونقل جماعة عن أحمد في تارك الرفع ، أنه يقال : إنه تارك السنة .

قال القاضي أبو يعلى : إنما توقف في ذلك في رواية المروذي متابعة للفظ المروي عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أنه قال : ( من رغب عن سنتي فليس مني ) ، وإلا ففي [ ص: 308 ] الحقيقة : الراغب عن الرفع هو التارك له .

ونقل حرب ، عن أحمد ، قال : أنا أصلي خلف من لا يرفع يديه ، والرفع أحب إلي وأصح .

وكلام البخاري في ( كتاب رفع اليدين ) له إنما يدل على الإنكار على من أنكر الرفع ، وقال : هو بدعة ، أيضا .

وخرج مسلم في ( صحيحه ) في الرفع عند الركوع والرفع منه حديث ابن عمر ومالك بن الحويرث ، أيضا .

وخرجه - أيضا - من حديث وائل بن حجر .

وخرجه أبو داود والترمذي من حديث علي بن أبي طالب ، ومن حديث أبي حميد في عشرة من الصحابة ، منهم : أبو قتادة .

وخرجه ابن ماجه - أيضا .

وخرجه أبو داود - أيضا - من حديث أبي هريرة .

وخرجه ابن ماجه من حديث أنس وجابر وابن عباس .

وقد روي من وجوه أخر ، حتى قال بعضهم : رواه قريب من ثلاثين نفسا من الصحابة .

[ ص: 309 ] وقال غيره : رواه نيف وثلاثون من الصحابة .

وقال الحاكم : رواه العشرة المشهود لهم بالجنة .

وفي هذه العبارات تسامح شديد ، وقد ذكرت هذه الأحاديث وطرقها وعللها في ( كتاب شرح الترمذي ) بحمد الله ومنه .

وأحسن من ذلك قول الشافعي : رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم اثنا عشر غير ابن عمر .

وهذه عبارة صحيحة حسنة مليحة .

وكذا قال ابن عبد البر وغيره من الحفاظ .

وذكر الترمذي في ( جامعه ) له أربعة عشر راويا عن النبي صلى الله عليه وسلم .

ولم يوجب الرفع عند الركوع والرفع منه ، ويبطل الصلاة بتركه ، إلا شذوذ من الناس من أصحاب داود ونحوهم .

وسئل حماد بن زيد ، عن معنى رفع اليدين في الصلاة ؟ فقال : هو من إجلال الله .

خرجه أبو موسى المديني .

وقال الشافعي : فعلته إعظاما لجلال الله ، واتباعا لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ورجاء لثواب الله .

خرجه البيهقي في ( مناقبه ) .

التالي السابق


الخدمات العلمية