صفحة جزء
[ ص: 331 ] 87 - باب

وضع اليمنى على اليسرى في الصلاة

707 740 - حدثنا عبد الله بن مسلمة ، عن مالك ، عن أبي حازم ، عن سهل بن سعد ، قال : كان الناس يؤمرون أن يضع الرجل اليد اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة .

قال أبو حازم : لا أعلمه إلا ينمي ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم .


قال إسماعيل : ينمى ذلك ، ولم يقل : ينمي .


هذا الحديث في ( الموطأ ) ليس فيه ذكر النبي صلى الله عليه وسلم ، وإنما فيه : قال أبو حازم : لا أعلمه إلا ينمي ذلك ، ولم يذكر النبي صلى الله عليه وسلم .

وكذا رأيناه في ( موطأ القعنبي ) ، وهو الذي خرج عنه البخاري هذا الحديث .

ومراد البخاري : أن إسماعيل - وهو : ابن أبي أويس - رواه بالبناء للمفعول : ينمى .

ومعنى ( ينمى ) يرفع ويسند ، والمراد : إلى النبي صلى الله عليه وسلم .

ورواه عمار بن مطر ، عن مالك ، فقال فيه : أمرنا أن نضع .

وعمار ، ليس بحجة .

وليس في ( صحيح البخاري ) في هذا الباب غير هذا الحديث ، ولا في ( صحيح مسلم ) فيه غير حديث محمد بن جحادة ، حدثني عبد الجبار بن وائل ، عن علقمة بن وائل ومولى لهم ، حدثاه عن أبيه وائل بن حجر ، أنه رأى النبي [ ص: 332 ] صلى الله عليه وسلم رفع يديه حين دخل في الصلاة ، كبر ثم التحف بثوبه ، ثم وضع يده اليمنى على اليسرى ، فلما أراد أن يركع أخرج يديه من الثوب ، ثم رفعهما وكبر فركع ، فلما قال : ( سمع الله لمن حمده ) رفع يديه ، فلما سجد سجد بين كفيه .

وله طرق أخرى عن وائل .

وفي رواية للإمام أحمد : وضع يده اليمنى على ظهر كفه اليسرى والرسغ والساعد .

وفي الحديث : دليل على أن المصلي إذا التحف في صلاته بثوبه ، ثم أخرج يديه منه لمصلحة الصلاة لم يضره ذلك .

وفي الباب أحاديث كثيرة ، لا تخلو أسانيدها من مقال .

وقد خرج ابن حبان في ( صحيحه ) من طريق حرملة بن يحيى ، عن ابن وهب ، أخبرني عمرو بن الحارث ، أنه سمع عطاء بن أبي رباح يحدث ، عن ابن عباس ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إنا معاشر الأنبياء أمرنا أن نؤخر سحورنا ، ونعجل إفطارنا ، وأن نمسك بأيماننا على شمائلنا في الصلاة ) .

وهذا إسناد في الظاهر على شرط مسلم ، وزعم ابن حبان أن ابن وهب سمع هذا الحديث من عمرو بن الحارث وطلحة بن عمرو ، كلاهما عن عطاء ، وفي هذا إشارة إلى أن غير حرملة رواه عن ابن وهب ، عن طلحة بن عمرو ، عن عطاء ، وهذا هو الأشبه ، ولا يعرف هذا الحديث من رواية عمرو بن الحارث .

قال البيهقي : إنما يعرف هذا بطلحة بن عمرو ، عن عطاء ، عن ابن عباس ، - ومرة : عن أبي هريرة وطلحة ليس بالقوي .

قلت : وقد روي ، عن طلحة ، عن عطاء ، مرسلا .

[ ص: 333 ] خرجه وكيع عنه كذلك .

قال الترمذي في ( جامعه ) : العمل عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين ومن بعدهم على هذا ، يرون أن يضع الرجل يمينه على شماله في الصلاة . انتهى .

وقد روي ذلك عن أبي بكر الصديق وعلي بن أبي طالب .

وروي عن ابن الزبير ، أنه قال : هو من السنة .

خرجه أبو داود .

وعن عائشة ، قالت : هو من النبوة .

خرجه الدارقطني .

وروي عن أبي الدرداء ، أنه قال : هو من أخلاق النبيين .

وروي عن علي وابن عباس ، أنهما فسرا ( النحر ) المذكور في قوله تعالى : فصل لربك وانحر بهذا .

وهو قول عامة فقهاء الأمصار ، منهم : الثوري وأبو حنيفة والحسن بن صالح والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو عبيد وأبو ثور وغيرهم .

وحكى ابن المنذر إرسال اليدين في الصلاة عن ابن الزبير والحسن والنخعي ، وحكى عن مالك كقول الأولين .

وذكر ابن عبد البر : أنه روي عن مالك ، أنه قال : لا بأس بذلك في الفريضة والنافلة ، قال : وهو قول المدنيين من أصحابه .

[ ص: 334 ] ونقل ابن القاسم ، عنه ، قال : إنما يفعل في النوافل من طول القيام ، وتركه أحب إلي .

قال : وقال الليث : سدل اليدين في الصلاة أحب إلي ، إلا أن يطول القيام فلا بأس أن يضع اليمنى على اليسرى .

وقال الأوزاعي : من شاء فعل ، ومن شاء ترك .

وهو قول عطاء .

قلت : وحكي رواية عن أحمد ، وحكي عنه أنه يرسل يديه في النوافل خاصة .

وهذا عكس ما نقله ابن القاسم عن مالك .

وروى ابن المبارك في ( كتاب الزهد ) عن صفوان بن عمرو ، عن مهاجر النبال ، أنه ذكر عنده قبض الرجل يمينه على شماله ، فقال : ما أحسنه ، ذل بين يدي عز .

وحكي مثل ذلك عن الإمام أحمد .

قال بعضهم : ما سمعت في العلم أحسن من هذا .

وروينا عن بشر بن الحارث ، أنه قال : منذ أربعين سنة أشتهي أن أضع يدا على يد في الصلاة ، ما يمنعني من ذلك إلا أن أكون قد أظهرت من الخشوع ما ليس في قلبي مثله .

وروى محمد بن نصر المروزي في ( كتاب الصلاة ) بإسناده ، عن أبي هريرة ، قال : يحشر الناس يوم القيامة على قدر صنيعهم في الصلاة ، وقبض بعض رواة الحديث شماله بيمينه ، وانحنى هكذا .

[ ص: 335 ] وبإسناده عن الأعمش ، عن أبي صالح ، قال : يبعث الناس يوم القيامة هكذا ، ووضع إحدى يديه على الأخرى .

واختلف القائلون بالوضع : هل يضعهما على صدره ، أو تحت سرته ، أو يخير بين الأمرين ؟ على ثلاثة أقوال ، هي ثلاث روايات عن أحمد .

وممن روي عنه أنه يضعهما تحت سرته : علي ، وأبو هريرة ، والنخعي ، وأبو مجلز ، وهو قول الثوري وأبي حنيفة ومالك وإسحاق .

وروي عن علي - أيضا - وعن سعيد بن جبير ، أنه يضعهما على صدره ، وهو قول الشافعي .

وقال أبو إسحاق المروزي من أصحابه : يضعهما تحت سرته .

وحكى ابن المنذر التخيير بينهما .

قال الترمذي في ( جامعه ) : رأى بعضهم أن يضعهما فوق سرته ، ورأى بعضهم أن يضعهما تحت سرته ، كل ذلك واسع عندهم .

التالي السابق


الخدمات العلمية