صفحة جزء
[ ص: 247 ] 3 - باب

الغسل بالصاع ونحوه

خرج فيه ثلاثة أحاديث :

الحديث الأول :

248 251 - من رواية : عبد الصمد ، عن شعبة ، حدثني أبو بكر بن حفص ، قال : سمعت أبا سلمة يقول : دخلت أنا وأخو عائشة على عائشة رضي الله عنها ، فسألها أخوها عن غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم . فدعت بإناء نحو من صاع ، فاغتسلت وأفاضت على رأسها ، وبيننا وبينها حجاب .

قال أبو عبد الله : وقال يزيد بن هارون وبهز والجدي ، عن شعبة : قدر صاع .


هذا الحديث خرجه الإمام أحمد عن يزيد بن هارون ، عن شعبة - مختصرا . وفي حديثه ( قدر الصاع ) كما أشار إليه البخاري .

وخرجه مسلم من طريق معاذ العنبري ، عن شعبة ، وفي حديثه ( قدر صاع ) أيضا .

ولفظه : عن أبي سلمة ، قال : دخلت على عائشة أنا وأخوها من الرضاعة ، فسألها عن غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم من الجنابة ، فدعت بإناء قدر الصاع ، فاغتسلت ، وبيننا وبينها ستر ، وأفرغت على رأسها ثلاثا . قال : وكان أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يأخذن من رءوسهن حتى يكون كالوفرة .

والمقصود من إيراد هذا الحديث في هذا الباب أن عائشة لما سئلت عن غسل النبي صلى الله عليه وسلم دعت بإناء قدر الصاع ، فاغتسلت به . وفي رواية : ( نحو [ ص: 248 ] الصاع ) . وهذا مما يدل على أن تقدير ماء الغسل ليس هو على وجه التحديد ، بل على التقريب ، وقد سبق التنبيه عليه .

قال القرطبي : ظاهر هذا الحديث أنهما - يعني : أبا سلمة وأخا عائشة - أدركا عملها في رأسها وأعلى جسدها مما يحل لذي المحرم أن يطلع عليه من ذوات محارمه ، وأبو سلمة ابن أخيها نسبا ، والآخر أخوها من الرضاعة . وتحققا بالسماع كيفية غسل ما لم يشاهداه من سائر الجسد ، ولولا ذلك لاكتفت بتعليمهما بالقول ، ولم تحتج إلى ذلك الفعل .

قال : وإخباره عن كيفية شعور أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يدل على رؤيته شعرها ، وهذا لم يختلف في جوازه لذي المحرم ، إلا ما يحكى عن ابن عباس من كراهة ذلك . انتهى .

وقوله : ( إن أبا سلمة كان ابن أخيها نسبا ) - غلط ظاهر ; لأن أبا سلمة هو ابن عبد الرحمن بن عوف ، ولعل القرطبي ظنه ابن عبد الرحمن بن أبي بكر ، وإنما ابن عبد الرحمن بن أبي بكر هو القاسم .

والظاهر أن أبا سلمة كان إذ ذاك صغيرا دون البلوغ ، والآخر كان أخاها من الرضاعة .

وقد اختلف العلماء فيما يباح للمحرم أن ينظره من محارمه من النساء : هل هو ما يظهر غالبا في البيوت كالرأس واليدين والذراعين والساقين والوجه والرقبة والشعر ؟ أو ما ليس بعورة ، وهو الوجه والكفان ؟ أو الوجه فقط ؟ أو له النظر إلى ما عدا ما بين السرة والركبة ؟

وفي ذلك خلاف مشهور في مذهب الإمام أحمد وغيره .

وكذلك اختلفوا في الصبي المميز ، إذا كان ذا شهوة هل هو كالمحرم ؟ أو كالأجنبي البالغ ؟

[ ص: 249 ] وفيه روايتان عن أحمد .

وقد روى هذا الحديث ابن وهب ، عن أسامة بن زيد ، أن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي حدثه ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ، قال : دخلت على عائشة ، فقلت لها : كيف غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم من الجنابة ؟ فقالت : أدخل معك يا بن أخي رجلا من بني أبي القعيس من بني أخيها من الرضاعة ، فأخبر أبا سلمة بما تصنع . فأخذت إناء ، فأكفأته ثلاث مرات على يدها قبل أن تدخل يدها فيه ، فقال : صبت على يدها من الإناء يا أبا سلمة ثلاث مرات قبل أن تدخل يدها ، فقالت : صدق .

ثم مضمضت واستنثرت ، فقال : هي تمضمض وتستنثر ، فقالت : صدق . ثم غسلت وجهها ثلاث مرات ، ثم حفنت على رأسها ثلاث حفنات ، ثم قالت بيدها في الإناء جميعا ، ثم نضحت على كتفيها ومنكبيها . كل ذلك تقول إذا أخبر ابن أبي القعيس ما تصنع : صدق
.

خرجه بقي بن مخلد وابن جرير الطبري .

وهذا سياق غريب جدا .

وأسامة بن زيد الليثي ليس بالقوي .

وهذه الرواية تدل على أن ابن أخيها من الرضاعة اطلع على غسلها ، وهذا يتوجه على قول من أباح للمحرم أن ينظر إلى ما عدا ما بين السرة والركبة ، وهو قول ضعيف شاذ .

ورواية ( الصحيحين ) تخالف ذلك ، وتدل على أن أبا سلمة وأخا عائشة كانا جميعا من وراء حجاب .

وروى الإمام أحمد : ثنا إسماعيل هو ابن علية : نا يونس ، عن [ ص: 250 ] الحسن قال : قال رجل : قلت لعائشة : ما كان يقضي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم غسله من الجنابة ؟ قال : فدعت بإناء ، حزره صاعا بصاعكم هذا .

وهذا الإسناد فيه انقطاع .

وقوله : ( بصاعكم هذا ) - ربما أشعر بأنه الصاع الذي زيد فيه في زمن بني أمية كما سبق ذكر ذلك في ( باب الوضوء بالمد ) .

وهذا يشهد لحديث مجاهد ، عن عائشة ، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يغتسل بنحو ثمانية أرطال ، وفي رواية : أو تسعة ، أو عشرة . وقد سبق ذكره أيضا .

التالي السابق


الخدمات العلمية