صفحة جزء
[ ص: 414 ] الحديث الثاني :

725 759 - ثنا أبو نعيم ، ثنا شيبان ، عن يحيى ، عن عبد الله بن أبي قتادة ، عن أبيه ، قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في الركعتين الأوليين من صلاة الظهر بفاتحة الكتاب وسورتين ، يطول في الأولى ويقصر في الثانية ، ويسمع الآية أحيانا ، وكان يقرأ في العصر بفاتحة الكتاب وسورتين ، وكان يطول في الأولى ، وكان يطول في الركعة الأولى من صلاة الصبح ، ويقصر في الثانية .


في هذا الحديث دليل على استحباب القراءة في الركعتين الأوليين من صلاة الظهر والعصر بسورة سورة مع الفاتحة ، وهذا متفق على استحبابه بين العلماء ، وفي وجوبه خلاف سبق ذكره .

وفيه أن عادة النبي صلى الله عليه وسلم كانت القراءة بسورة تامة ، وهذا هو الأفضل بالاتفاق ؛ فإن قرأ السورة في ركعتين لم يكره - أيضا - ، وقد فعله أبو بكر الصديق .

قال الزهري : أخبرني أنس ، أن أبا بكر صلى بهم صلاة الفجر ، فافتتح بهم سورة البقرة ، فقرأها في ركعتين ، فلما سلم قام إليه عمر ، فقال : ما كنت تفرغ حتى تطلع الشمس ، قال : لو طلعت لألفتنا غير غافلين .

ورخص فيه سعيد بن جبير وقتادة وأحمد ، ولا نعلم فيه خلافا إلا رواية عن مالك ، وسيأتي حديث قراءة النبي صلى الله عليه وسلم بالأعراف في ركعتين من المغرب .

وفي ( صحيح مسلم ) عن عبد الله بن السائب ، أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهم صلاة الفجر ، فافتتح بسورة المؤمنين ، حتى أتى عليه ذكر موسى وهارون ، [ ص: 415 ] فأخذته سعلة فركع .

وكذلك لو قرأ في ركعة بسورة وفي أخرى ببعض سورة ، وقد روي عن عمر وابن مسعود .

وإن قرأ في الركعتين ببعض سورة إما من أوائلها ، أو أواسطها ، أو أواخرها ، ففي كراهته خلاف عن أحمد ، وسنذكره فيما بعد - إن شاء الله سبحانه وتعالى - ؛ فإن البخاري أشار إلى هذه المسائل .

وليس في حديث أبي قتادة تعيين السورتين المقروء بهما في الظهر والعصر ، وقد ورد تعيين السور ، وتقدير قراءته في أحاديث أخر .

فخرج مسلم من حديث أبي سعيد الخدري ، قال : كنا نحزر قيام رسول الله ، في الظهر والعصر ، فحزرنا قيامه في الركعتين الأوليين من الظهر قدر قراءة الم تنزيل السجدة ، وحزرنا قيامه في الأخريين قدر النصف من ذلك ، وحزرنا قيامه في الركعتين الأوليين من العصر قدر قيامه من الأخريين في الظهر ، وفي الأخريين من العصر على النصف من ذلك .

وفي رواية له أيضا : كان يقرأ في صلاة الظهر في الركعتين الأوليين في كل ركعة قدر ثلاثين آية ، وفي الأخريين قدر خمس عشرة آية - أو قال : نصف ذلك - وفي العصر في الركعتين الأوليين في كل ركعة قدر قراءة خمس عشرة ، وفي الأخريين قدر نصف ذلك .

وخرجه الإمام أحمد وابن ماجه عن أبي سعيد ، قال : اجتمع ثلاثون من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالوا : تعالوا حتى نقيس قراءة النبي صلى الله عليه وسلم فيما لم [ ص: 416 ] يجهر به من الصلاة ، فما اختلف منهم رجلان ، فقاسوا قراءته في الركعة الأولى من الظهر بقدر ثلاثين آية ، وفي الركعة الأخرى بقدر النصف من ذلك ، وقاسوا ذلك في صلاة العصر على قدر النصف من الركعتين الأخريين من الظهر .

وفي إسناده : زيد العمي ، وفيه مقال .

وخرج مسلم - أيضا - من حديث جابر بن سمرة ، قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يقرأ في الظهر بالليل إذا يغشى ، وفي العصر نحو ذلك ، وفي الصبح أطول من ذلك .

وفي رواية : كان يقرأ في الظهر سبح اسم ربك الأعلى

وخرجه أبو داود والترمذي والنسائي ، وعندهم : كان يقرأ في الظهر والعصر بالسماء ذات البروج ، والسماء والطارق ، وشبهها .

وقد سبق حديث عمران بن حصين ، أن النبي صلى الله عليه وسلم ، صلى بهم الظهر والعصر ، ثم قال : ( أيكم قرأ خلفي ب : سبح اسم ربك الأعلى ؟ ) قال رجل : أنا ، قال : ( قد علمت أن بعضكم خالجنيها ) .

خرجه مسلم أيضا .

وخرج النسائي وابن ماجه من حديث البراء بن عازب ، قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بنا الظهر ، فنسمع منه الآية بعد الآية من سورة لقمان والذاريات .

وخرج النسائي من حديث أنس ، أنه صلى بهم الظهر ، قال : إني [ ص: 417 ] صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الظهر ، فقرأ لنا بهاتين السورتين في الظهر : سبح اسم ربك الأعلى و : هل أتاك حديث الغاشية

وذكر الترمذي - تعليقا - أن عمر كتب إلى أبي موسى ، يأمره أن يقرأ بأوساط المفصل .

وهو قول طائفة من أصحابنا .

وقال إسحاق : الظهر تعدل في القراءة بالعشاء ، لكنه يقول : إن الظهر يقرأ فيها بنحو الثلاثين آية .

وحديث جابر بن سمرة الذي خرجه مسلم كما تقدم يدل على أن قراءة الظهر أقصر من قراءة الصبح .

وقال طائفة : يقرأ في الظهر بطوال المفصل كالصبح ، وهو قول الثوري والشافعي وطائفة من أصحابنا كالقاضي أبي يعلى في ( جامعه الكبير ) ، لكنه خصه بالركعة الأولى من الظهر .

وروى وكيع بإسناده ، عن عمر ، أنه قرأ في الظهر ب : ق والذاريات

وعن عبد الله بن عمرو ، أنه قرأ في الظهر ب : كهيعص

وروى حرب بإسناده ، عن ابن عمر ، أنه كان يقرأ في الظهر ب : ق والذاريات

وخرجه ابن جرير ، وعنده : ب : ق والنازعات

قال : وكان عمر يقرأ ب : ق

وروى عبد الرزاق ، عن معمر ، عن أيوب ، عن نافع ، عن ابن عمر ، أنه [ ص: 418 ] كان يقرأ في الظهر ب : الذين كفروا و : إنا فتحنا لك

وممن رأى استحباب القراءة في الظهر بقدر ثلاثين آية : إبراهيم النخعي والثوري وأحمد بن حنبل وإسحاق .

وقال الثوري وإسحاق : كانوا يستحبون أن يقرأوا في الظهر قدر ثلاثين في الركعة الأولى ، وفي الثانية بنصفها ، زاد إسحاق : أو أكثر .

وظاهر كلام أحمد وفعله يدل على أن المستحب أن يقرأ في الصبح والظهر في الركعة الأولى من طوال المفصل ، وفي الثانية من وسطه .

وروي عن خباب بن الأرت ، أنه قرأ في الظهر ب : إذا زلزلت

قال أبو بكر الأثرم : الوجه في اختلاف الأحاديث في القراءة في الظهر أنه كله جائز ، وأحسنه استعمال طول القراءة في الصيف ، وطول الأيام ، واستعمال التقصير في القراءة في الشتاء وقصر الأيام ، وفي الأسفار ، وذلك كله معمول به . انتهى .

ومن الناس من حمل اختلاف الأحاديث في قدر القراءة على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يراعي أحوال المأمومين ، فإذا علم أنهم يؤثرون التطويل طول ، أو التخفيف خفف ، وكذلك إذا عرض له في صلاته ما يقتضي التخفيف ، مثل أن يسمع بكاء صبي مع أمه ، ونحو ذلك .

وفي حديث أبي قتادة : يطول الركعة الأولى على الثانية .

وقد ذهب إلى القول بظاهره في استحباب تطويل الركعة الأولى على ما بعدها من جميع الصلوات طائفة من العلماء ، منهم : الثوري وأحمد وإسحاق ومحمد بن الحسن ، وطائفة من أصحاب الشافعي ، وروي عن عمر رضي الله عنه .

وقد خرج الإمام أحمد وأبو داود حديث أبي قتادة ، وزاد فيه : فظننا أنه [ ص: 419 ] يريد بذلك أن يدرك الناس الركعة الأولى .

وخرج مسلم من حديث أبي سعيد الخدري ، قال : لقد كانت صلاة الظهر تقام ، فيذهب الذاهب إلى البقيع فيقضي حاجته ، ثم يتوضأ ، ثم يأتي ورسول الله صلى الله عليه وسلم في الركعة الأولى ؛ مما يطولها .

وقد سبق حديث أبي سعيد الذي خرجه مسلم ، أن قراءته في الثانية كانت على النصف من قراءته في الأولى .

وخرج الإمام أحمد من حديث شهر بن حوشب ، عن أبي مالك الأشعري ، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسوي بين الأربع ركعات في القراءة والقيام ، ويجعل الركعة الأولى هي أطولهن ، لكي يثوب الناس .

وقال أبو حنيفة وأبو يوسف : لا يطيل سوى الركعة من الفجر ؛ لأنه وقت غفلة ونوم ، ويسوي بين الركعات في سائر الصلوات .

وقال مالك والشافعي : يسوي بين الركعتين الأولتين في جميع الصلوات .

واستدل لذلك بقول سعد : ( أركد في الأوليين ) ، وليس بصريح ولا ظاهر في التسوية بينهما .

واستدل أيضا بحديث أبي سعيد ، أنهم حزروا قيام النبي صلى الله عليه وسلم في الظهر في الركعتين الأوليين قدر قراءة ثلاثين آية ، وقد سبق .

ولكن في رواية أحمد وابن ماجه : أن قيامه في الثانية كان على النصف من ذلك ، وهذه الرواية توافق أكثر الأحاديث الصحيحة ، فهي أولى .

واستدل لهم بقراءة النبي صلى الله عليه وسلم : ( سبح ) و : ( الغاشية ) و : ( الجمعة ) [ ص: 420 ] و : ( المنافقين ) و : ( تنزيل السجدة ) و : ( هل أتى ) و : ( ق ) و : ( اقتربت ) ، وهي سور متقاربة .

وأما تطويل الركعة الثالثة على الرابعة ، فالأكثرون على أنه لا يستحب ، ومن الشافعية من نقل الاتفاق عليه ، ومنهم من حكى لأصحابهم فيه وجهين .

وهذا إنما يتفرع على أحد قولي الشافعي باستحباب القراءة في الأخريين بسور مع الفاتحة .

وقد خرج البزار والبيهقي من حديث عبد الله بن أبي أوفى ، قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يطيل الركعة الأولى من الظهر ، فلا يزال يقرأ قائما ما دام يسمع خفق نعال القوم ، ويجعل الركعة الثانية أقصر من الأولى ، والثالثة أقصر من الثانية ، والرابعة أقصر من الثالثة ، وذكر مثل ذلك في صلاة العصر والمغرب ، وفي إسناده : أبو إسحاق الحميسي ، ضعفوه .

وقد خرجه بقي بن مخلد في ( مسنده ) بإسناد أجود من هذا ، لكن ذكر أبو حاتم الرازي أن فيه انقطاعا ، ولفظه في الظهر : ويجعل الثانية أقصر من الأولى ، والثالثة أقصر من الثانية ، والرابعة كذلك ، وقال في العصر : يطيل في الأولى ، ويقصر الثانية والثالثة والرابعة كذلك ، وقال في المغرب : يطيل في الأولى ، ويقصر في الثانية والثالثة .

وهذا اللفظ لا يدل على تقصير الرابعة عن الثالثة .

وقوله : ( ويسمعنا الآية أحيانا ) مما يحقق أنه صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الظهر والعصر ، ويأتي بقية الكلام على ذلك فيما بعد إن شاء الله تعالى .

التالي السابق


الخدمات العلمية