صفحة جزء
[ ص: 437 ] 99 - باب

الجهر في المغرب

731 765 - حدثنا عبد الله بن يوسف ، أنا مالك ، عن ابن شهاب ، عن محمد بن جبير بن مطعم ، عن أبيه ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب بالطور .


وخرجه في ( المغازي ) من طريق معمر ، عن الزهري ، وزاد فيه : وذلك أول ما دخل الإيمان في قلبي .

وهذا كان قبل أن يسلم جبير بن مطعم ، وكان قدم المدينة لفداء أسارى بدر .

وخرج الإمام أحمد من طريق سعد بن إبراهيم ، سمعت بعض إخوتي يحدث ، عن أبي ، عن جبير بن مطعم ، أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم في فداء المشركين - وفي رواية : في فداء أهل بدر - ، وما أسلم يومئذ ، قال : فانتهيت إليه وهو يصلي المغرب ، وهو يقرأ فيها بالطور ، قال : فكأنما صدع قلبي حين سمعت القرآن .

وفي هذا دليل على قبول رواية المسلم لما تحمله من العلم قبل إسلامه .

وقد روي أنه سمع صوت النبي صلى الله عليه وسلم وهو خارج من المسجد .

وفيه دليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع صوته بالقراءة في صلاة الليل .

والأحاديث المذكورة في الباب الماضي تدل على الجهر بالقراءة في المغرب ؛ فإن عامة من روى عن النبي صلى الله عليه وسلم القراءة في المغرب بسورة ذكر أنه سمعه [ ص: 438 ] يقرأ بها ، وفي ذلك دليل على الجهر .

والجهر بالقراءة في المغرب إجماع المسلمين رأيا وعملا به ، لم يزل المسلمون يتداولونه بينهم ، من عهد نبيهم صلى الله عليه وسلم حتى الآن .

وأدنى الجهر أن يسمع من يليه ، هذا قول أصحابنا والشافعية وغيرهم .

وقد سبق عن ابن مسعود ، قال : من أسمع أذنيه فلم يخافت ، وهو يدل على أدنى الجهر أن يسمع نفسه .

روى وكيع ، عن سفيان ، عن أشعث بن أبي الشعثاء ، عن الأسود بن هلال ، عن ابن مسعود ، قال : لم يخافت من أسمع أذنيه .

ومنتهى الجهر أن يسمع من خلفه إن أمكن ذلك من غير مشقة ، وقد كان عمر بن الخطاب يسمع قراءته في المسجد من خارجه .

وقال سعيد بن جبير ، عن ابن عباس في قوله : ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها قال : نزلت ورسول الله صلى الله عليه وسلم متوار بمكة ، فكان إذا صلى بأصحابه رفع صوته بالقرآن ، فإذا سمع ذلك المشركون سبوا القرآن ومن أنزله ، ومن جاء به ، فقال الله لنبيه : ولا تجهر بصلاتك فيسمع المشركون قراءتك ولا تخافت بها عن أصحابك ، أسمعهم القرآن ، ولا تجهر ذلك الجهر وابتغ بين ذلك سبيلا يقول : بين الجهر والمخافتة .

خرجاه في ( الصحيحين ) ولفظه لمسلم .

والجهر فيما يجهر فيه سنة ، لا تبطل الصلاة بتركه عند جمهور العلماء .

[ ص: 439 ] وحكي عن ابن أبي ليلى أنه تبطل الصلاة بتركه ، وهو وجه ضعيف لأصحابنا إذا تعمد ذلك .

وإنما يجهر الإمام إذا صلى من يأتم به ، فأما المنفرد ، فاختلفوا : هل يسن له الجهر ، أم لا ؟

فقال الشافعي وأصحابه : يسن له الجهر ، وحكاه بعضهم عن الجمهور .

ومذهب أبي حنيفة وأحمد : إنما يسن الجهر لإسماع من خلفه ؛ ولهذا أمر من خلفه بالإنصات له ، كما قال تعالى : وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون وقد سبق أنها نزلت في الصلاة ، وأما المنفرد فيجوز له الجهر ولا يسن .

قال أحمد : إن شاء جهر ، وإن شاء لم يجهر ؛ إنما الجهر للجماعة . 1

وكذا قال طاوس : إن شاء جهر ، وإن شاء لم يجهر .

ومن أصحابنا من كرهه للمنفرد .

ونص أحمد على أن المنفرد إذا صلى صلاة الكسوف جهر فيها بالقراءة ، فخرج القاضي أبو يعلى من ذلك رواية باستحباب الجهر للمنفرد في الفرائض .

وبينهما فرق ؛ فإن صلاة الكسوف تطول فيها القراءة ، فيحتاج المنفرد إلى الجهر فيها ؛ كقيام الليل ، بخلاف الفرائض .

التالي السابق


الخدمات العلمية