صفحة جزء
فيه حديثان :

أحدهما :

قال :

737 771 - حدثنا آدم ، ثنا شعبة ، ثنا سيار بن سلامة - هو : أبو المنهال - ، قال : دخلت أنا وأبي على أبي برزة الأسلمي ، فسألناه عن وقت الصلاة ، فقال : كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي الظهر حين تزول الشمس ، والعصر ويرجع الرجل إلى أقصى [ ص: 453 ] المدينة ، والشمس حية ، ونسيت ما قال في المغرب ، ولا يبالي بتأخير العشاء إلى ثلث الليل ، ولا يحب النوم قبلها ، ولا الحديث بعدها ، ويصلي الصبح فينصرف ، فيعرف الرجل جليسه ، وكان يقرأ في الركعتين - أو إحداهما : ما بين الستين إلى المائة .


قد سبق هذا الحديث في ( أبواب : المواقيت ) في مواضع متعددة ، وفيها : أنه كان يقرأ فيها - يعني : صلاة الصبح - ما بين الستين إلى المائة .

وكذا خرجه مسلم .

وأما هذه الرواية التي فيها التردد بين القراءة في الركعتين أو إحداهما ما بين الستين إلى المائة ، فتفرد بها البخاري ، وهذا الشك من سيار .

وخرجه الإمام أحمد ، عن حجاج ، عن شعبة ، وفي حديثه : وكان يقرأ فيها ما بين الستين إلى المائة ، قال سيار : لا أدري أفي إحدى الركعتين أو كلتيهما .

والظاهر -والله أعلم- : أنه كان يقرأ بالستين إلى المائة في الركعتين كلتيهما ؛ فإنه كان ينصرف حين يعرف الرجل جليسه ، ولو كان يقرأ في كل ركعة بمائة آية لم ينصرف حتى يقارب طلوع الشمس .

يدل على ذلك ما رواه الزهري وقتادة ، عن أنس ، أن أبا بكر صلى بالناس الصبح ، فقرأ سورة البقرة ، فقال له عمر : كادت الشمس أن تطلع ، فقال : لو طلعت لم تجدنا غافلين .

وروي عن قتادة في هذا الحديث : أنه قرأ بآل عمران .

ورواه مالك ، عن هشام ، عن أبيه ، أن أبا بكر صلى الصبح ، فقرأ فيها [ ص: 454 ] سورة البقرة في الركعتين كلتيهما .

وروى مالك أيضا عن هشام ، عن أبيه ، أنه سمع عبد الله بن عامر قال : صلينا وراء عمر بن الخطاب الصبح ، فقرأ فيها سورة يوسف وسورة الحج قراءة بطيئة ، قال هشام : فقلت له : إذا لقد كان يقوم حين يطلع الفجر ، قال : أجل .

وقد رواه وكيع وأبو أسامة ، عن هشام ، أنه سمع عبد الله بن عامر .

وزعم مسلم : أن قولهم أصح ، وأن مالكا وهم في زيادته في إسناده : ( عن أبيه ) .

قال ابن عبد البر : والقول عندي قول مالك ؛ لأنه أقعد بهشام .

وقد كان عمر هو الذي مد في صلاة الفجر ، كما روى ثابت ، عن أنس ، قال : ما صليت خلف أحد أوجز من صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في تمام ، كانت صلاته متقاربة ، وكانت صلاة أبي بكر متقاربة ، فلما كان عمر بن الخطاب مد في صلاة الفجر .

خرجه مسلم .

ورواه حميد عن أنس ، قال : كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم متقاربة ، وصلاة أبي بكر وعمر ، حتى مد عمر في صلاة الفجر .

خرجه الإمام أحمد .

فهذا يدل على أن زيادة النبي صلى الله عليه وسلم في قراءة صلاة الفجر على سائر الصلوات لم يكن كثيرا جدا ، وأن صلواته كلها لم يكن بينها تفاوت كثير في القراءة ، وأن [ ص: 455 ] هذا هو الغالب على صلاته ، وقد يطيل أحيانا ويقصر أحيانا ؛ لعارض يعرض له ، فيحمل حديث أبي برزة على أنه كان يقرأ في الفجر ما بين الستين إلى المائة ، أحيانا ، لا غالبا .

وقد سبق حديث عائشة : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يطيل القراءة في الفجر .

والمراد : أنه يقرأ في الفجر أطول مما يقرأ في غيرها من الصلوات ، وإنما كانت قراءة أبي بكر بالبقرة مرة واحدة ، وكان عمر يقرأ في الفجر ببني إسرائيل والكهف ويونس وهود ونحو ذلك من السور .

وكان عثمان يكرر قراءة سورة يوسف في صلاة الفجر كثيرا ، وكذلك كان ابن مسعود يقرأ فيها ببني إسرائيل في ركعة و : طسم في ركعة .

وكان ابن الزبير يقرأ في الصبح بيوسف وذواتها .

وكان علي يخفف ، فكان يقرأ إذا الشمس كورت و : إذا السماء انفطرت ونحو ذلك من السور .

والظاهر أنه كان يسفر بالفجر ، وكان من قبله يغلس بها .

وقد روي أن عمر لما قتل أسفر بها عثمان .

خرجه ابن ماجه .

وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم التخفيف في الفجر أيضا ، وقد تقدم أنه قرأ بالطور .

وفي ( صحيح مسلم ) عن قطبة بن مالك ، أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في الفجر والنخل باسقات لها طلع نضيد

[ ص: 456 ] وفي رواية له : أنه قرأ في أول ركعة ق .

وفيه أيضا : عن عمرو بن حريث ، أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في الفجر والليل إذا عسعس

وفيه أيضا : عن جابر بن سمرة ، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الفجر ب : ق والقرآن المجيد ونحوها .

وفي رواية : وكانت صلاته بعد تخفيفا .

والظاهر : أنه أراد أن صلاته بعد الفجر كانت أخف من صلاة الفجر .

وروي أنه صلى الله عليه وسلم قرأ في الفجر بسورة الروم ، وبسورة يس و : حم و : الم السجدة ، و : هل أتى .

وفي ( سنن أبي داود ) أنه صلى الله عليه وسلم قرأ في الصبح إذا زلزلت الأرض زلزالها في الركعتين كلتيهما .

يعني أنه أعادها في الركعة الثانية ، ولعل ذلك كان سفرا .

وروى عقبة بن عامر ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ في الفجر في السفر بالمعوذتين ، وقد سبق ذكره .

وأكثر العلماء على أن المستحب أن يقرأ في الفجر بطوال المفصل ، كما كتب [ ص: 457 ] به عمر إلى أبي موسى الأشعري ، ودل عليه حديث أبي هريرة وأنس ، وقد سبق .

وهو قول مالك والثوري والشافعي وأحمد وإسحاق .

وروي عن أحمد ما يدل على أن الركعة الأولى يقرأ فيها بطوال المفصل ، والثانية يقرأ فيها من متوسطه .

وروي عن الزهري ، أنه كان يقرأ في الأولى من طوال المفصل ، وفي الثانية من قصاره .

وهذا مبني على القول باستحباب تطويل الأولى على الثانية كما سبق .

وروى مالك ، عن نافع ، عن ابن عمر ، أنه كان يقرأ في الصبح في السفر بالعشر السور الأول من المفصل ، في كل ركعة بسورة .

وظاهر هذا يدل على أنه كان يرى القراءة في الصبح بطوال المفصل مختصا بالسفر .

وقد نص أحمد على أنه يكره قراءة السورة القصيرة في صلاة الفجر ؛ مثل قل يا أيها الكافرون و : أرأيت إلا في السفر ، وأنه لا تكره القراءة فيها بمريم ، و : طه وأشباهها من السور .

وقال : قد قرأ أبو بكر بالبقرة ، وكأنه استحب موافقة من خلفه .

يعني : مراعاة أحوالهم من ضعفهم وقوتهم وما يؤثرونه من التخفيف والإطالة .

التالي السابق


الخدمات العلمية