صفحة جزء
فيه حديثان :

الأول :

739 773 - حدثنا مسدد ، ثنا أبو عوانة ، عن أبي بشر - هو : جعفر بن أبي وحشية - ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : انطلق النبي صلى الله عليه وسلم في طائفة من أصحابه ، عامدين إلى سوق عكاظ ، وقد حيل بين الشياطين وبين خبر السماء ، وأرسلت عليهم الشهب ، فرجعت الشياطين إلى قومهم ، فقالوا : ما لكم ؟ فقالوا : حيل بيننا وبين خبر السماء ، وأرسلت علينا الشهب ، قالوا : ما حال بينكم وبين خبر السماء إلا شيء حدث ، فاضربوا مشارق الأرض ومغاربها ، فانظروا ما هذا الذي حال بينكم وبين خبر السماء ، فانصرف الذين توجهوا نحو تهامة إلى النبي صلى الله عليه وسلم - وهو بنخلة - عامدين إلى سوق عكاظ ، وهو يصلي بأصحابه صلاة الفجر ، فلما سمعوا القرآن استمعوا له ، فقالوا : هذا والله الذي حال بينكم وبين خبر السماء ، فهنالك حين رجعوا إلى قومهم ، فقالوا : يا قومنا إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدا فأنزل الله على نبيه : قل أوحي إلي وإنما أوحي إليه قول الجن .


[ ص: 461 ] هذه القصة كانت في أول البعثة .

وهذا الحديث مما أرسله ابن عباس ، ولم يسم من حدثه به من الصحابة ، ويحتمل أنه سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم يحكي عن نفسه ، والله أعلم .

وسوق عكاظ نحو نخلة ، كان يجتمع فيه العرب ، ولهم فيه سوق ، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يخرج إليهم ، فيدعوهم إلى الله عز وجل ، وقد كانت الشهب يرمى بها في الجاهلية ، وإنما كثرت عندما بعث النبي صلى الله عليه وسلم .

وقد قال السدي وغيره : إن السماء لم تحرس إلا حيث كان في الأرض نبي أو دين لله ظاهر .

والمقصود من هذا الحديث هاهنا : أن الشياطين لما مروا بالنبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي بأصحابه صلاة الصبح ، وقفوا واستمعوا القرآن ، وهذا يدل على أنه صلى الله عليه وسلم كان يجهر بالقراءة في صلاة الصبح ، فلما سمعوا عرفوا أنه هو الذي حال بينهم وبين خبر السماء .

وظاهر هذا السياق يقتضي أن الشياطين آمنوا بالقرآن ، وكذا قال السدي وغيره .

وقد اختلف في الجن والشياطين : هل هم جنس واحد ، أو لا ؟

فقالت طائفة : الجن كلهم ولد إبليس ، كما أن الإنس كلهم ولد آدم .

روي هذا عن ابن عباس من وجه فيه نظر ، وأنهم لا يدخلون الجنة .

وروي أيضا عن الحسن ، وأنه قال : مؤمنهم ولي لله له الثواب ، ومشركهم شيطان له العقاب .

وقالت طائفة : بل الشياطين ولد إبليس ، وهم كفار ، ولا يموتون إلا مع [ ص: 462 ] إبليس ، والجن ولد الجان ، وليسوا شياطين ، وهم يموتون ، وفيهم المؤمن والكافر .

روي هذا عن ابن عباس بإسناد فيه نظر أيضا .

وقوله : ( وإنما أوحي إليه قول الجن ) يشير ابن عباس إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ير الجن ، ولا قرأ عليهم ، وإنما أوحي إليه استماعهم القرآن منه وإيمانهم به .

وقد روي ذلك صريحا عنه ، أنه قال في أول هذا الحديث : ما قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم على الجن ولا رآهم ، ثم ذكر هذا الحديث .

التالي السابق


الخدمات العلمية