صفحة جزء
[ ص: 479 ] 108 - باب

من خافت القراءة في الظهر والعصر

744 777 - حدثنا قتيبة ، ثنا جرير ، عن الأعمش ، عن عمارة بن عمير ، عن أبي معمر ، قال : قلنا لخباب : أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الظهر والعصر ؟ قال : نعم ، قلنا : من أين علمت ؟ قال : باضطراب لحيته .


قد تقدم هذا الحديث من طرق عن الأعمش .

ومقصوده بهذا الباب : أن قراءة الظهر والعصر تكون سرا ، وهذا مما لا اختلاف فيه بين المسلمين علما وعملا ، متداولا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وإلى الآن .

والمخافتة سنة كالجهر ، وأوجب ذلك ابن أبي ليلى وقليل من الناس ، وهو وجه للمالكية .

ولأصحابنا : أنه تبطل الصلاة بتركه عمدا .

وخرج الطبراني وابن عدي من طريق أبي الرحال البصري ، عن النضر بن أنس ، عن أبيه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بهم الظهر بالهاجرة ، فرفع صوته ، فقرأ والشمس وضحاها والليل إذا يغشى فقال أبي بن كعب : يا رسول الله ، أمرت في هذه الصلاة بشيء ؟ قال : ( لا ، ولكني أردت أن أوقت لكم صلاتكم ) .

أبو الرحال ، اسمه : خالد بن محمد ، قال البخاري : منكر الحديث ، وأخرجه العقيلي من طريقه .

[ ص: 480 ] وقال : لا يتابع عليه ، قال : والصحيح من الرواية عن النبي صلى الله عليه وسلم : أنه لم يكن يجهر في صلاة النهار بالقراءة إلا في الجمعة .

وخرجه النسائي من رواية عبد الله بن عبيد ، قال : سمعت أبا بكر بن النضر يقول : كنا عند أنس ، فصلى بهم الظهر ، فلما فرغ قال : إني صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم الظهر ، فقرأ لنا بهاتين السورتين في الركعتين ب : سبح اسم ربك الأعلى و : هل أتاك حديث الغاشية

وخرجه أبو بكر بن أبي داود في ( كتاب الصلاة ) ، وعنده : أن أنسا أسمعهم قراءته في الركعتين الأوليين ، فلما قضى صلاته أقبل عليهم ، وقال : عمدا أسمعتكم قراءة هاتين السورتين ، إني صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر فقرأ بهاتين السورتين .

وخرج الطبراني من حديث قتادة ، عن شهر بن حوشب ، عن عبد الرحمن بن غنم ، عن أبي مالك الأشعري ، أنه صلى بهم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ فصلى الظهر فقرأ بفاتحة الكتاب وسورة ، يسمع من يليه ، وذكر الحديث .

وشهر بن حوشب ، مختلف فيه .

وقد رواه عبد الحميد بن بهرام ، عن شهر بن حوشب ، وذكر في حديثه : أنه أسر القراءة .

[ ص: 481 ] خرجه الإمام أحمد من طريقه ، وهو أصح ، وعبد الحميد أحفظ لحديث شهر بن حوشب بخصوصه من غيره .

ولو صح شيء من ذلك لحمل على أنه جهر لإرادة تعليم القراءة وقدرها .

وروي هذا المعنى عن أنس وخباب بن الأرت .

ولهذا المعنى روي عن عمر الجهر بالاستفتاح ، وعن ابن عباس الجهر بقراءة الفاتحة في صلاة الجنازة .

وأما الجهر بالتطوع في النهار ؛ فإن كان في صلاة جماعة ويطول فيه القراءة كصلاة الكسوف ، فإنه يجهر فيه بالقراءة ، وستأتي المسألة في مواضع أخر -إن شاء الله تعالى- .

وكذا لو صلى الكسوف وحده جهر فيها ، نص عليه أحمد .

وأما غير ذلك من التطوع ، فالأكثرون على أنه لا يجهر فيها بالقراءة .

قال أبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود : قراءة النهار عجماء .

وقال الحسن : صلاة النهار عجماء .

أي : لا تسمع فيها قراءة .

وكثير من العلماء جعله حديثا مرفوعا ، منهم : ابن عبد البر وابن الجوزي ، ولا أصل لذلك .

وحكي عن أبي حامد الإسفراييني ، أنه سأل الدارقطني عنه ، فقال : لا [ ص: 482 ] أعرفه صحيحا ولا فاسدا .

وروى أبو عبيد في كتابه ( غريب الحديث ) : حدثنا إبراهيم بن سعد ، عن أبيه ، عن أبي سلمة ، قال : سمع النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله بن حذافة يقرأ في المسجد ، يجهر بالقراءة في صلاة النهار ، فقال : ( يا ابن حذافة سمع الله ولا تسمعنا ) .

وقد رواه بعضهم فجعله : عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة ، موصولا ، وإرساله أصح ، قاله الدارقطني وغيره .

وروى وكيع ، عن الأوزاعي ، عن يحيى بن أبي كثير ، قال : قالوا : يا رسول الله ، إن هاهنا قوما يجهرون بالقرآن بالنهار ؟ فقال : ( ارموهم بالبعر ) .

مراسيل يحيى بن أبي كثير ضعيفة .

وقد رواه يوسف بن يزيد الدمشقي ، عن الأوزاعي ، عن يحيى ، عن أبي سلمة ، عن بريدة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فوصله .

وهو خطأ لا أصل له ، قاله صالح بن محمد الحافظ وغيره .

ويوسف هذا ضعيف .

وروي موصولا من وجوه أخر ، لا تصح .

وروى ابن أبي شيبة بإسناده ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عمر ، أنه سمع رجلا يجهر بالقراءة نهارا ، فدعاه فقال : إن صلاة النهار لا يجهر فيها فأسر قراءتك .

ورخصت طائفة في الجهر في التطوع بالنهار إذا لم يؤذ أحدا ، وهو قول [ ص: 483 ] النخعي والثوري وإسحاق ، وروي أيضا عن خالد بن معدان وسعيد بن جبير .

وقال بشر بن حرب : رأيت ابن عمر يصلي بالنهار ، فكان يسمعنا قراءته .

وبشر بن حرب تكلموا فيه .

ولأصحابنا وجه : أنه لا بأس به .

التالي السابق


الخدمات العلمية