صفحة جزء
[ ص: 274 ] 8 - باب

مسح اليد بالتراب ليكون أنقى

257 260 - ثنا عبد الله بن الزبير الحميدي : ثنا سفيان : ثنا الأعمش ، عن سالم بن أبي الجعد ، عن كريب ، عن ابن عباس ، عن ميمونة ، أن النبي صلى الله عليه وسلم اغتسل من الجنابة ، فغسل فرجه بيده . ثم دلك بها على الحائط ، ثم غسلها . ثم توضأ وضوءه للصلاة ، فلما فرغ من غسله غسل رجليه .


هذا الحديث قد سبق بألفاظ أخر ، وقد خرجه في الباب الماضي ، ولفظه ( ثم غسل فرجه ، ثم قال بيده على الأرض ، فمسحها بالتراب ) .

وقد خرجه - فيما بعد - من حديث أبي عوانة ، عن الأعمش . وقال في حديثه : ( ثم دلك يده بالأرض ، أو بالحائط ) .

وخرجه - أيضا - من رواية الفضل بن موسى ، عن الأعمش . وفي حديثه ( ثم ضرب يده بالأرض - أو الحائط - مرتين أو ثلاثا ) .

وخرجه مسلم من حديث عيسى بن يونس ، عن الأعمش ، وعنده ( ثم ضرب بشماله الأرض ، فدلكها دلكا شديدا ) .

فقد تضمن هذا الحديث أن المستنجي يدلك يده بالتراب ، ثم يغسلها .

وقد روي مثل هذا في حديث عائشة أيضا .

[ ص: 275 ] خرجه أبو داود من حديث الأسود ، عنها .

وخرج أيضا من رواية الشعبي ، قال : قالت عائشة : لئن شئتم لأرينكم أثر يد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الحائط ، حيث كان يغتسل من الجنابة .

وفي رواية للنسائي ، من حديث عطاء بن السائب ، عن أبي سلمة ، عن عائشة - أن النبي صلى الله عليه وسلم غسل يده اليسرى بعد غسل فرجه . لكن شك راويها فيها .

وقد روي نحو ذلك في الاستنجاء قبل الوضوء في غير غسل الجنابة أيضا ، وأن النبي صلى الله عليه وسلم استنجى بالماء ، ثم دلك يده بالأرض .

وقد خرجه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه من حديث إبراهيم بن جرير البجلي ، عن أبي زرعة ، عن أبي هريرة .

وخرجه ابن ماجه أيضا ، والنسائي من حديث إبراهيم بن جرير ، عن أبيه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم . وقال النسائي : هو أشبه بالصواب .

وإبراهيم بن جرير لم يسمع من أبيه شيئا ، قاله ابن معين وغيره .

وهذا السياق الذي خرجه البخاري في هذا الباب مختصرا ، والسياق الذي خرجه في الباب الذي قبله أتم منه .

[ ص: 276 ] وفيه أنه صلى الله عليه وسلم غسل يديه ، ثم غسل فرجه ، ثم مسح يده بالتراب ، ثم غسلها .

فاقتضى ذلك استحباب غسل اليدين قبل الاستنجاء ، ثم غسل اليد اليسرى بعد .

وقال الثوري وإسحاق : إذا اغتسل من الجنابة غسل كفيه ثلاثا ، ثم غسل فرجه ، ثم دلك يده بالأرض . ثم يغسل يديه ثلاثا ، ثم يتوضأ .

وليس هذا في حديث ميمونة ، ولا في حديث عائشة ، إلا في رواية الأوزاعي ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن أبي سلمة ، عن عائشة . وعن عمرو بن سعد ، عن نافع ، عن عمر . وقد سبق لفظها ، وهي مروية بالمعنى كما تقدم .

وروي عن ابن عمر من قوله في صفة غسل الجنابة أنه يغسل يديه ثلاثا ، ثم يغسل فرجه . ثم يضرب بيده على الحائط ، ثم يغسلها ، ثم يتوضأ . خرجه إبراهيم بن مسلم في ( كتاب الطهور ) .

ونص الإمام أحمد على أن المستنجي يغسل يديه قبل الاستنجاء ، ثم إذا استنجى فإنه يغسل يديه ويتوضأ .

ولعل هذا لا يحتاج إليه قبل الاستنجاء إذا كان يريد أن يدخل يديه في الإناء ; ليصب على فرجه منه ، فإذا كان الماء في مثل الإداوة ونحوها يصب منه على فرجه فلا حاجة له إلى غسله يديه قبل الاستنجاء .

ونص أحمد في إعادة غسل اليدين ثلاثا بعد الاستنجاء إنما هو في الوضوء [ ص: 277 ] من غير الجنابة ; فإن الوضوء من الحدث الأصغر ينتقض بمس الفرج ; فلذلك لا [...] فيه على غسل اليدين قبله . وأما غسل الجنابة فإذا غسل كفيه ثلاثا ، ثم غسل فرجه - لم يحتج إلى إعادة غسل يديه بعده ; لأن مس الفرج لا يؤثر في غسل الجنابة ; فإنه من حين نوى وسمى وغسل كفيه ثلاثا [قد بدأ] غسل الجنابة ، ولذلك لا يحتاج إلى إعادة غسل فرجه عند غسل جسده ، بل يكتفى بغسله أولا .

وقد نقل جعفر بن محمد ، عن أحمد ، في الجنب يتوضأ قبل أن ينام ، ثم يقوم يغتسل ولا يتوضأ ، فرأى أن ذلك يجزئه .

ولعل مراده يجزئه غسل أعضاء الوضوء أولا ، عن غسلها في الجنابة ثانيا . ويحتمل أن مراده أن الغسل وحده يجزئ بلا وضوء ، ويرتفع به الحدثان .

وقد روي عن ابن سيرين في الجنب يحدث بين ظهراني غسله من الجنابة . قال : الغسل من الجنابة ، والوضوء من الحدث .

وعن الحسن في الجنب يغسل بعض جسده ، ثم يبول ؟ قال : يغسل ما بقي من جسده . خرجه الخلال في ( الجامع ) من طريق حنبل .

قال حنبل : سمعت أبا عبد الله يقول : يبدأ فيتوضأ وضوءه للصلاة ، ثم يغتسل ; لأن الغسل يأتي على طهارة الوضوء ، وهذا حدث يوجب الوضوء .

وظاهر كلام أحمد وابن سيرين أنه يعيد الوضوء والغسل ; ليأتي بسنة [ ص: 278 ] الغسل بكاملها ، وتقديم الوضوء على الغسل ، وليس ذلك على الوجوب .

وروي أيضا عن ابن عمر ، بإسناد فيه ضعف - أنه يعيد الغسل . خرجه ابن أبي شيبة .

وأما الحسن فمراده أن ما مضى من الغسل لم يبطل بالبول ، وأنه إذا أكمله فقد ارتفع حدث الجنابة ، ولكن لا يصلي حتى يتوضأ .

وكذا قال سفيان الثوري : يتم غسله ، ثم يعيد الوضوء .

وحكى ابن المنذر مثل هذا عن عطاء وعمرو بن دينار .

قال : وهو يشبه مذهب الشافعي .

وحكى عن الحسن أنه يستأنف الغسل .

وهذا خلاف ما رواه الخلال بإسناده عنه .

وما ذكره أنه يشبه مذهب الشافعي قد قيل : إن الشافعي نص عليه في ( الأم ) .

ولا ينبغي أن يكون في هذا خلاف ، وإنما أمر من أمر بإعادة الغسل استحبابا ; ليقع الوضوء قبل الغسل ، كما استحب أحمد للحائض إذا اغتسلت بالماء وحده ، ثم وجدت السدر - أن تعيد الغسل بماء وسدر ; لتأتي بالغسل على الوجه الكامل .

فإن قيل : هذا يلزم منه استحباب تجديد الغسل - قلنا : إنما أعيد لنقص وقع في الأول ، فاستحب إعادته على وجه الكمال .

قال أصحابنا : وإذا غسل بعض جسده ناويا به رفع الحدثين ارتفع حدثهما . فإذا انتقض وضوءه ، وأعاده - لزمه الترتيب والموالاة فيما ارتفع عنه [ ص: 279 ] حدث الجنابة خاصة ، وما لم يرتفع عنه حدث الجنابة من أعضاء الوضوء لا يلزم فيه ترتيب ولا موالاة ، بل يرتفع حدثه تبعا لحدث الجنابة .

التالي السابق


الخدمات العلمية