صفحة جزء
الحديث الأول:

847 887 - ثنا عبد الله بن يوسف، أنا مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: " لولا أن أشق على أمتي - أو على الناس - لأمرتهم بالسواك مع كل صلاة ".


فيه: دليل على أن الحرج والمشقة مرفوعان عن هذه الأمة، كما قال تعالى: وما جعل عليكم في الدين من حرج

وقد سبق ذكر ذلك في تأخير عشاء الآخرة، فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يحب تأخيرها، ولولا المشقة على أمته لجعل وقتها ثلث الليل أو نصفه.

وفيه: دليل على أن السواك ليس بفرض كالوضوء للصلاة، وبذلك قال جمهور العلماء، خلافا لمن شذ منهم من الظاهرية.

وقد حكي عن إسحاق ، أنه لو تركه عمدا أعاد الصلاة. وقيل: إنه لا يصح عنه.

وهذا الحديث: نص على أنه غير واجب على الأمة؛ فإن المراد: لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك أمر فرض وإيجاب، لا أمر ندب واستحباب؛ فإنه قد ندب إليه واستحبه، ولكن لم يفرضه، ولم يوجبه.

[ ص: 376 ] وقد صرح بذلك في حديث آخر:

خرجه الإمام أحمد من حديث تمام بن العباس ، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: " لولا أن أشق على أمتي لفرضت عليهم السواك، كما فرضت عليهم الوضوء ".

وخرج ابن أبي شيبة نحوه من رواية عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن رجل من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- عن النبي -صلى الله عليه وسلم-.

ويروى نحوه من حديث أبي هريرة ، وأبي سعيد ، عن النبي -صلى الله عليه وسلم-.

وفي الحديث: دليل على استحباب السواك مع كل صلاة ، فدخل في ذلك صلاة الجمعة وغيرها.

والسواك مع الصلاة نوعان:

أحدهما: السواك مع الوضوء للصلاة، وقد سبق ذكره في " الطهارة ".

والثاني: السواك للصلاة عند القيام إليها.

وقد خرج الإمام أحمد وأبو داود والنسائي والترمذي من حديث زيد بن خالد الجهني ، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: " لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة " فكان زيد بن خالد يشهد الصلوات في المسجد وسواكه على أذنه موضع القلم من أذن الكاتب، لا يقوم إلى صلاة إلا استن، ثم رده إلى موضعه .

وقال الترمذي : حسن صحيح.

وهذا مذهب الشافعي وأصحابنا.

وروى أبو يحيى الحماني ، عن أبي سعد ، عن مكحول ، عن واثلة بن [ ص: 377 ] الأسقع ، قال: كان أناس من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- يربطون مساويكهم بذوائب سيوفهم، فإذا حضرت الصلاة استاكوا، ثم صلوا .

خرجه البيهقي في " صلاة الخوف " من " سننه ".

وقال: أبو سعد البقال ، غير قوي.

وقد أنكر طائفة من العلماء السواك عند إرادة الصلاة المفروضة في المسجد، وقالوا: ليس فيه نص عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وإنما كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا قام من الليل للتهجد في بيته.

وحكي عن مالك ، أنه يكره السواك في المساجد، والذي رأيناه في " تهذيب المدونة ": أنه يكره أن يأخذ المعتكف من شعره أو أظفاره في المسجد، وإن جمعه وألقاه؛ لحرمة المساجد.

وقد روي عن عثمان بن عفان ، أنه كان يخطب يوم الجمعة، فذكر أنه لم يستك، فنزل فاستاك.

وهذا يدل على أنه إنما نزل ليستاك خارج المسجد، وأنه رأى السواك في الجمعة عند الوضوء لا عند الصلاة.

وخرج الحاكم في " أماليه " من رواية أبي أيوب الأفريقي ، عن صالح بن أبي صالح ، أظنه عن أبيه، عن زيد بن خالد الجهني ، قال: ما كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يخرج من بيته لشيء من الصلوات حتى يستاك .

وهذا غريب.

ويستدل به: على أنه إنما كان يستاك في بيته قبل خروجه إلى المسجد.

التالي السابق


الخدمات العلمية