صفحة جزء
[ ص: 388 ] 11 - باب

الجمعة في القرى والمدن

فيه حديثان:

أحدهما: قال:

852 892 - نا محمد بن المثنى، نا أبو عامر العقدي، نا إبراهيم بن طهمان، عن أبي جمرة الضبعي، عن ابن عباس، قال: إن أول جمعة جمعت في الإسلام - بعد جمعة في مسجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في مسجد عبد القيس بجواثى من البحرين.


قد ذكرنا هذا الحديث في أول " كتاب الجمعة "، وذكرنا بعض الاختلاف في إسناده ومتنه، وأن معناه: أنه لم يجمع في الإسلام بعد التجميع بالمدينة إلا في مسجد عبد القيس بالبحرين ، فكان أول بلد أقيمت الجمعة فيه المدينة ، ثم بعدها قرية جوثاء بالبحرين .

وهذا يدل على أن عبد القيس أسلموا قبل فتح مكة، وجمعوا في مسجدهم، ثم فتحت مكة بعد ذلك، وجمع فيها.

والمقصود: أنهم جمعوا في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- في قرية جواثاء ، وإنما وقع ذلك منهم بإذن النبي -صلى الله عليه وسلم- وأمره لهم؛ فإن وفد عبد القيس أسلموا طائعين، وقدموا راغبين في الإسلام، وسألوا النبي -صلى الله عليه وسلم- عن مهمات الدين، وبين لهم النبي -صلى الله عليه وسلم- قواعد الإيمان وأصوله، وقد سبق ذكر حديثهم في " كتاب الإيمان ".

فيدل ذلك على جواز إقامة الجمعة بالقرى ، وأنه لا يشترط لإقامة الجمعة المصر الجامع، كما قاله طائفة من العلماء.

[ ص: 389 ] وممن ذهب إلى جواز إقامة الجمعة في القرى: عمر بن عبد العزيز وعطاء ومكحول وعكرمة والأوزاعي ومالك والليث بن سعد والشافعي وأحمد وإسحاق .

وروى القناد ، عن سفيان نحوه.

وكان ابن عمر يمر بالمياه بين مكة والمدينة ، فيرى أهلها يجمعون، فلا يعيب عليهم.

ذكره عبد الرزاق ، عن العمري ، عن نافع ، عنه.

وروى ابن المبارك ، عن أسامة بن زيد ، عن نافع ، عن ابن عمر : لا جمعة في سفر، ولا جمعة إلا في مصر جامع.

وهذا - مع الذي قبله - يدل على أنه أراد بالمصر القرى.

وروى الأثرم بإسناده، عن أبي ذر ، أنه كان يجمع بالربذة مع الناس.

وقالت طائفة: لا جمعة إلا في مصر جامع، روي ذلك عن علي ، وبه قال النخعي والثوري - في المشهور عنه - وأبو حنيفة ومحمد بن الحسن .

وقال الحسن وابن سيرين : لا جمعة إلا في مصر.

وقد روي عن علي خلاف ذلك، روى وكيع ، عن قيس بن الربيع ، عن طالب بن السميدع ، عن أبيه، أن عليا جمع بالمدائن .

وعن سفيان ، عن عطاء بن السائب ، عن أبي عبد الرحمن السلمي ، أن حذيفة جمع بالمدائن .

وعن شعبة ، عن عطاء بن أبي ميمونة ، عن أبي رافع ، عن أبي هريرة ، قال: كتبت إلى عمر بن الخطاب أسأله عن الجمعة بالبحرين ، فكتب إلي: أن اجمعوا حيثما كنتم .

قال الإمام أحمد : هذا إسناد جيد.

[ ص: 390 ] وروى وكيع بإسناده، عن النخعي ، أنه جمع بحلوان .

وهذا كله يدل على أن من قال: لا جمعة إلا في مصر جامع، فإنه أراد بذلك القرى التي فيها وال من جهة الإمام، فيكون مراده: أنه لا جمعة إلا بإذن الإمام في مكان له فيه نائب يقيم الجمعة بإذنه.

وبذلك فسره أحمد في رواية عنه.

وكذلك روي عن محمد بن الحسن - صاحب أبي حنيفة - تفسير المصر: أن الإمام إذا بعث إلى قرية نائبا له لإقامة الحدود، فهو مصر، فلو عزله ألحق بالقرى.

وروي نحوه عن أبي يوسف ، وعن أبي حنيفة - أيضا.

قال أحمد : المصر إذا كان به الحاكم، ولا يقال للقرى: مصر.

وقال إسحاق : كل قرية فيها أربعون رجلا يقال لها: مصر.

وهذا بعيد جدا.

وعن سفيان روايتان في تفسير المصر:

إحداهما: أنه كل مصر فيه جماعة وإمام.

والثانية - نقلها عنه ابن المبارك -: أن المصر الجامع ما عرفه الناس أنه جامع.

وقال عمرو بن دينار : سمعنا أن لا جمعة إلا في قرية جامعة.

وعنه، قال: إذا كان المسجد تجمع فيه الصلوات فلتصل فيه الجمعة.

وقد تقدم حديث كعب بن مالك ، أن أول جمعة جمعت بالمدينة في نقيع الخضمات في هزم من حرة بني بياضة ، وأن النبي -صلى الله عليه وسلم- جمع أول ما قدم المدينة في مسجد بني سالم .

وهذه كلها في حكم القرى خارج المدينة .

التالي السابق


الخدمات العلمية