صفحة جزء
[ ص: 304 ] 13 - باب

غسل المذي ، والوضوء منه

266 269 - حدثنا أبو الوليد : ثنا زائدة ، عن أبي حصين ، عن أبي عبد الرحمن ، عن علي ، قال : كنت رجلا مذاء ، فأمرت رجلا أن يسأل النبي صلى الله عليه وسلم ; لمكان ابنته . فسأله ، فقال : ( توضأ ، واغسل ذكرك ) .


وقد خرجه البخاري فيما سبق في آخر ( العلم ) مختصرا من حديث محمد ابن الحنفية ، عن أبيه علي بن أبي طالب ( في باب : من استحيا فأمر غيره أن يسأل ) .

وقد استنبط البخاري منه هاهنا حكمين :

أحدهما :

غسل المذي ; لقوله : ( اغسل ذكرك ) .

وقد اختلف العلماء في معنى الأمر بغسل الذكر من المذي : هل المراد غسل ما أصاب الذكر منه كالبول ؟ أو غسل جميع الذكر ؟

وفيه قولان ، وهما روايتان عن مالك والإمام أحمد .

وحكي عنه رواية ثالثة بوجوب غسل الذكر كله مع الأنثيين .

وقد روي في حديث علي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( يغسل ذكره وأنثييه ، ويتوضأ ) ، من وجوه قد تكلم فيها .

واختار هذه الرواية أبو بكر عبد العزيز بن جعفر من أصحابنا ، وذكر أن الحديث صح بذلك .

[ ص: 305 ] ولو استجمر منه بحجر أجزأه كالبول ، ذكره أصحابنا .

وهذا على قولنا : يجب غسل ما أصاب الذكر منه - ظاهر .

فأما إن قلنا : يجب غسل الذكر جميعه ، أو الذكر مع الأنثيين - فلا ينبغي أن يجزئ منه الاستجمار .

وعند الشافعية أن المذي هل يجزئ فيه الاستجمار - فيه قولان :

بناء على أن الخارج النادر هل يجزئ فيه الاستجمار كالمعتاد - على قولين للشافعي ، أصحهما الجواز .

لكنهم لا يوجبون زيادة على غسل ما أصاب الذكر منه ، وهو قول أبي حنيفة وغيره .

وقال سعيد بن جبير في المذي : يغسل الحشفة منه ثلاثا .

فأما إن أصاب المذي غير الفرج من البدن أو الثوب فالجمهور على أنه نجس يجب غسله كالبول .

وعن أحمد رواية أنه يعفى عن يسيره كالدم .

وعنه رواية ثالثة أن نجاسته مخففة ، يجزئ نضحه بالماء كبول الغلام الذي لم يأكل الطعام ; لعموم البلوى به ، ومشقة الاحتراز منه .

وفيه حديث من رواية سهل بن حنيف ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أنه سئل عما أصاب الثوب من المذي ، قال : ( تأخذ كفا من ماء ، فتنضح به حيث ترى أنه أصابك ) .

خرجه الإمام أحمد وأبو داود وابن ماجه والترمذي .

[ ص: 306 ] وقال : حسن صحيح ، ولا نعرفه إلا من حديث ابن إسحاق .

وقال الإمام أحمد في رواية الأثرم : لا أعلم شيئا يخالفه .

ونقل عنه غيره أنه قال : لم يروه إلا ابن إسحاق ، وأنا أتهيبه .

وقال مرة : إن كان ثابتا أجزأه النضح .

وعن أحمد رواية أن المذي طاهر كالمني .

وهي اختيار أبي حفص البرمكي من أصحابنا ، أوجب مع ذلك نضحه تعبدا .

ومن الأصحاب من قال : إذا قلنا بطهارته لم يجب غسل ما أصاب الثوب منه .

وهل يجب الاستنجاء منه ؟ على وجهين كالمني .

وهذا بعيد ، وهو مخالف للأمر بغسله .

والحكم الثاني : وجوب الوضوء منه .

وقد أجمع العلماء على أن المذي يوجب الوضوء ، ما لم يكن سلسا دائما ; فإنه يصير حينئذ كسلس البول ودم الاستحاضة . ومالك لا يوجب الوضوء منه حينئذ . وخالفه جمهور العلماء .

وأما إذا خرج على الوجه المعتاد فإنه يوجب الوضوء باتفاقهم ، لا يوجب الغسل أيضا بالاتفاق .

وقد حكي عن ابن عمر فيه اختلاف .

[ ص: 307 ] والصحيح عنه كقول جمهور العلماء أنه يكفي منه الوضوء .

وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في المذي : ( توضأ ، وانضح فرجك ) . خرجه مسلم وغيره .

فمن العلماء من حمل نضح الفرج على غسله ، بما في اللفظ الآخر ( توضأ ، واغسل ذكرك ) .

ومنهم من حمله على نضح الفرج بعد الوضوء منه ; لتفتير الشهوة ، ودفع الوسواس .

وقد ورد في رواية التصريح بهذا المعنى ، لكن في إسنادها ضعف .

وعلى هذا فالأمر بالنضح محمول على الاستحباب .

التالي السابق


الخدمات العلمية