صفحة جزء
[ ص: 505 ] 37 - باب

الساعة التي في يوم الجمعة

893 935 - حدثنا عبد الله بن مسلمة، عن مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- ذكر يوم الجمعة، فقال: " فيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم، وهو قائم يصلي يسأل الله شيئا، إلا أعطاه إياه " - وأشار بيده يقللها.


وخرجه في " كتاب الطلاق " في " باب: الإشارة في الطلاق وغيره " من طريق آخر، فقال:

نا مسدد ، نا بشر بن المفضل ، نا سلمة بن علقمة ، عن محمد بن سيرين ، عن أبي هريرة ، قال: قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم: " في الجمعة ساعة، لا يوافقها عبد مسلم، قائم يصلي، يسأل الله خيرا، إلا أعطاه " - وقال بيده، ووضع أنملته على بطن الوسطى والخنصر، قلنا: يزهدها.

وخرجه في " الدعوات " - أيضا - من رواية أيوب ، عن ابن سيرين ، عن أبي هريرة - بمعناه، وقال فيه: وقال بيده. قلنا: يقللها، يزهدها.

قوله: " في الجمعة " - وفي الرواية الأخرى: " في يوم الجمعة - ساعة " [ ص: 506 ] يقتضي أنها في كل يوم جمعة، وهذا قول جمهور العلماء.

وقد تنازع في ذلك أبو هريرة وكعب ، فقال أبو هريرة : في كل يوم جمعة. وقال كعب : في السنة مرة، ثم رجع كعب إلى قول أبي هريرة ، ثم ذكر أبو هريرة لعبد الله بن سلام ما قاله كعب أولا، فكذبه فقال له: إنه رجع عنه.

وقد زعم قوم أن ساعة الإجابة في الجمعة رفعت.

فروى عبد الرزاق في " كتابه " بإسناده، أن أبا هريرة قيل له: زعموا أن ليلة القدر رفعت. قال: كذب من قال ذلك. قيل له: فهي في كل رمضان نستقبله؟ قال: نعم. فقيل له: إنهم زعموا أن الساعة في يوم الجمعة التي لا يدعو فيها مسلم إلا استجيب له رفعت. قال: كذب من قال ذلك. قيل له: هي في كل جمعة نستقبلها؟ قال: نعم.

وقوله: " ساعة " يحتمل أنه أراد بها الساعة الزمانية من ساعات النهار.

وقال عبد الله بن سلام : النهار اثنا عشرة ساعة، والساعة التي تذكر من يوم الجمعة آخر ساعات النهار .

خرجه عبد الرزاق ، عن ابن جريج ، حدثني موسى بن عقبة ، أنه سمع أبا سلمة بن عبد الرحمن ، أنه سمع عبد الله بن سلام يقوله.

وهذا إسناد صحيح.

وقد رواه الجلاح أبو كثير ، عن أبي سلمة ، عن جابر ، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- بمعناه.

[ ص: 507 ] خرجه أبو داود والنسائي .

وعندي: أن رواية موسى بن عقبة الموقوفة أصح.

ويعضده: أن جماعة رووه، عن أبي سلمة ، عن عبد الله بن سلام ، ومنهم من قال: عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة ، عن عبد الله بن سلام ، كما سيأتي.

وظاهر هذا: أنها جزء من اثني عشر جزءا من النهار، فلا تختلف بطول النهار وقصره، ولكن الإشارة إلى تقليلها يدل على أنها ليست ساعة زمانية، بل هي عبارة عن زمن يسير.

وقوله - في الرواية الأخرى -: " يزهدها "، معناه: يقللها - أيضا - ومنه الزهد في الدنيا، وهو احتقارها وتقليلها وتحقيرها، هو من أعمال القلوب، لا من أعمال الجوارح.

وقد روي حديث يدل على أنها بعض ساعة:

فروى الضحاك بن عثمان ، عن سالم أبي النضر ، عن أبي سلمة ، عن عبد الله بن سلام ، قال: قلت - ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- جالس -: إنا لنجد في كتاب الله: في يوم الجمعة ساعة، لا يوافقها عبد مؤمن يصلي، يسأل الله شيئا، إلا قضى له حاجته. قال عبد الله : فأشار إلي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: " أو بعض ساعة ". قلت: صدقت " أو بعض ساعة ". قلت: أي ساعة هي؟ قال: " آخر ساعة من ساعات النهار ". قلت: إنها ليست ساعة صلاة؟ قال: " بلى، إن العبد المؤمن إذا صلى ثم جلس، لا يجلسه إلا الصلاة، فهو في صلاة ".

خرجه الإمام أحمد وابن ماجه ، وهذا لفظه.

[ ص: 508 ] ورواته كلهم ثقات؛ لكن له علة مؤثرة، وهي أن الحفاظ المتقنين رووا هذا الحديث، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة ، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في ذكر ساعة الإجابة، وعن عبد الله بن سلام في تعيينها بعد العصر.

كذلك رواه محمد بن إبراهيم التيمي ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة .

خرجه من طريقه مالك في " الموطأ "، وأحمد وأبو داود والترمذي ، وصححه.

وذكر فيه: " خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة، فيه خلق آدم ، وفيه أدخل الجنة، وفيه أهبط منها، وفيه ساعة الإجابة " ورفع ذلك كله.

ثم ذكر أبو هريرة ، عن عبد الله بن سلام ، أنه قال له: هي بعد، وأنه ناظره في الصلاة فيها.

وكذا رواه محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة مختصرا.

ورواه سعيد بن الحارث ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة - مرفوعا.

وفي رواية عنه بالشك في رفعه في ساعة الإجابة، وجعل ذكر تعيينها من رواية أبي سلمة ، عن عبد الله بن سلام .

وكذا رواه معمر ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن أبي سلمة .

ورواه الأوزاعي ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة ، فجعل الحديث كله عن كعب في: " خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة ". لم يرفع منه شيئا، وقال: لم أسمعه من النبي -صلى الله عليه وسلم- حدثني به كعب .

ورواه حسين المعلم ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن أبي سلمة ، عن [ ص: 509 ] أبي هريرة ، عن كعب ، قال: خير يوم طلعت فيه الشمس يوم جمعة، فيه خلق الله آدم ، وفيه أدخل الجنة، وفيه أخرج منها، وفيه تقوم الساعة.

ورواه معاوية بن سلام ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة - موقوفا.

ورواه محمد بن كثير ، عن الأوزاعي ، فرفعه.

ورفعه خطأ.

ورجح هذه الرواية أبو زرعة الدمشقي .

ويعضده - أيضا -: رواية حماد بن سلمة ، عن قيس بن سعد ، عن محمد بن إبراهيم التيمي ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة ، فرفع منه ذكر ساعة الإجابة، وجعل باقي الحديث في فضل يوم الجمعة، وما فيه من الخصال، وتعيين ساعة الإجابة كله من قول كعب .

ولعل هذا هو الأشبه.

وقد سبق أن موسى بن عقبة روى عن أبي سلمة ، عن عبد الله بن سلام قوله في تعيين ساعة الإجابة - أيضا.

وخرج الإمام أحمد من رواية فليح بن سليمان ، عن سعيد بن الحارث ، عن أبي سلمة ، أنه سمع أبا هريرة يحدث، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في ساعة الإجابة. قال: فلما توفي أبو هريرة قلت: لو جئت أبا سعيد فسألته عن هذه الساعة، أن يكون عنده منها علم، فأتيته، فسألته، فقال: سألنا النبي -صلى الله عليه وسلم- عنها، فقال: " إني كنت أعلمتها، ثم أنسيتها كما أنسيت ليلة القدر ". قال: ثم خرجت من عنده، فدخلت على عبد الله بن سلام .

[ ص: 510 ] هكذا ساقه الإمام أحمد ، ولم يذكر ما قاله ابن سلام .

وقد خرجه البزار بتمامه، وذكر فيه: أن ابن سلام قال له: خلق الله آدم يوم الجمعة، وأسكنه الجنة يوم الجمعة، وأهبطه إلى الأرض يوم الجمعة، وتوفاه يوم الجمعة، وهو اليوم الذي تقوم فيه الساعة، وهي آخر ساعة من يوم الجمعة. قلت: ألست تعلم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: " في صلاة "؟ قال: أولست تعلم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: " من انتظر الصلاة فهو في صلاة "؟.

فهذه الرواية - أيضا - تدل على أن ذكر فضل يوم الجمعة وما فيه من الخصال إنما هو من رواية أبي سلمة ، عن عبد الله بن سلام . ورواية الأوزاعي وغيره تدل على أن هذا القدر كان أبو هريرة يرويه عن كعب .

وقد روي عن أبي هريرة ، عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: " خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة "، وذكر ما فيه من الخصال من طرق متعددة، وهي معللة بما ذكرناه؛ ولذلك لم يخرج البخاري منها شيئا.

وقد خرجه مسلم من طريق الأعرج ، عن أبي هريرة - مرفوعا.

وخرجه ابن حبان من رواية العلاء ، عن أبيه، عن أبي هريرة - مرفوعا.

وروي عن العلاء ، عن إسحاق أبي عبد الله ، عن أبي هريرة - مرفوعا.

فتحرر من هذا: أن المرفوع عن أبي هريرة من الحديث ذكر ساعة الجمعة.

وزعم ابن خزيمة : أن قوله: " خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة " مرفوع - أيضا - بغير خلاف، وأن الاختلاف عن أبي هريرة فيما بعد ذلك من ذكر الخصال التي في الجمعة.

وحديث أبي سعيد يدل على أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنسي معرفة وقتها، كما أنسي معرفة ليلة القدر.

[ ص: 511 ] وقد روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في تعيينها أحاديث متعددة:

ومن أغربها: أن ساعة الإجابة هي نهار الجمعة كله.

وهو من رواية هانئ بن خالد ، عن أبي جعفر الرازي ، عن ليث ، عن مجاهد ، عن أبي هريرة ، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: " الساعة التي في يوم الجمعة ما بين طلوع الفجر إلى غروب الشمس ".

خرجه العقيلي .

وقال: هانئ بن خالد حديثه غير محفوظ، وليس بمعروف بالنقل، ولا يتابع عليه، ولا يعرف إلا به.

ومنها: أنها آخر نهار الجمعة:

روى عبد السلام بن حفص ، عن العلاء ، عن أبيه، عن أبي هريرة ، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: " إن الساعة التي يتحرى فيها الدعاء يوم الجمعة هي آخر ساعة من الجمعة ".

خرجه ابن عبد البر .

وقال: عبد السلام هذا مدني ثقة.

قلت: رفعه منكر، وعبد السلام هذا وإن وثقه ابن معين ، فقد قال فيه أبو حاتم الرازي : ليس بالمعروف.

ولا يقبل تفرده برفع هذا.

وليته يصح موقوفا، فقد روى شعبة والثوري ، عن يونس بن خباب ، عن عطاء ، عن أبي هريرة ، قال: الساعة التي في الجمعة بعد العصر .

وخرجه عبد الرزاق ، عن الثوري ، به، ولفظه: الساعة التي تقوم في [ ص: 512 ] يوم الجمعة ما بين العصر إلى أن تغرب الشمس.

وخرجه وكيع عن يونس ، به.

ويونس بن خباب ، شيعي ضعيف.

قال الدارقطني في " العلل ": ومن رفعه عن الثوري ، فقد وهم.

وقال: وفيه نائل : " عن يونس بن عبيد "، ووهم فيه - أيضا.

وروى إسماعيل بن عياش ، عن سهيل بن أبي صالح ، عن مسلم بن مسافر ، عن أبي رزين ، عن أبي هريرة ، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: " إن في الجمعة ساعة " - يقللها بيده - " لا يوافقها عبد مؤمن وهو يصلي، فيسأل الله فيها إلا استجاب له ". قيل: أي الساعات هي يا رسول الله؟ قال: " ما بين صلاة العصر إلى غروب الشمس ".

خرجه أبو أحمد الحاكم وأبو بكر عبد العزيز بن جعفر .

وإسناده لا يصح، وروايات إسماعيل بن عياش عن الحجازيين رديئة.

وروى عبد الرزاق في " كتابه "، عن ابن جريج ، حدثني العباس ، عن محمد بن مسلمة الأنصاري ، عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة ، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: " إن في الجمعة ساعة، لا يوافقها عبد مسلم، يسأل الله عز وجل فيها خيرا، إلا أعطاه إياه، وهي بعد العصر ".

وخرجه الإمام أحمد في " مسنده "، عن عبد الرزاق .

وخرجه العقيلي في " كتابه ".

وقال: العباس رجل مجهول، لا نعرفه، ومحمد بن مسلمة - أيضا - مجهول.

[ ص: 513 ] وذكر عن البخاري ، أنه قال: محمد بن مسلمة الأنصاري ، عن أبي سعيد وأبي هريرة - في ساعة الجمعة -: لا يتابع عليه.

قال العقيلي : الرواية في فضل الساعة التي في يوم الجمعة ثابتة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- من غير هذا الوجه، فأما التوقيت، فالرواية فيه لينة.

يعني بالتوقيت: تعيين ساعة الإجابة.

وروى فرج بن فضالة ، عن علي بن أبي طلحة ، عن أبي هريرة ، قال: قيل للنبي -صلى الله عليه وسلم-: لأي شيء سمي يوم الجمعة؟ قال: " لأن فيها طبعت طينة أبيك آدم ، وفيها الصعقة والبعثة، وفيها البطشة، وفي آخر ثلاث ساعات منها ساعة، من دعا الله فيها استجيب له ".

خرجه الإمام أحمد .

وفرج بن فضالة ، مختلف فيه، وقد ضعفه ابن معين وغيره.

وعلي بن أبي طلحة ، لم يسمع من أبي هريرة .

وروى محمد بن أبي حميد ، عن موسى بن وردان ، عن أنس ، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: " التمسوا الساعة التي ترجى في يوم الجمعة بعد العصر، إلى غيبوبة الشمس ".

خرجه الترمذي .

وقال: غريب.

ومحمد بن أبي حميد ، منكر الحديث.

وخرجه الطبراني من طريق ابن لهيعة ، عن موسى بن وردان - بنحوه، [ ص: 514 ] وزاد في آخر الحديث: " وهي قدر هذا " - يعني: قبضة.

ويروى من حديث فاطمة - عليها السلام - عن أبيها صلى الله عليه وسلم، أنه قال في هذه الساعة: " إذا تدلى نصف الشمس للغروب ".

وفي إسناده اضطراب وانقطاع وجهالة، ولا يثبت إسناده.

وروى عبد الرزاق ، عن عمر بن ذر ، عن يحيى بن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة ، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان في صلاة العصر يوم الجمعة، والناس خلفه، إذ سنح كلب ليمر بين أيديهم، فخر الكلب فمات قبل أن يمر، فلما أقبل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بوجهه على القوم قال: " أيكم دعا على هذا الكلب؟ " فقال رجل من القوم: أنا دعوت عليه. فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: " دعوت عليه في ساعة يستجاب فيها الدعاء ".

وهذا مرسل.

ويروى بإسناد منقطع، عن أبي الدرداء - نحوه، إلا أن فيه: أنه دعا الله باسمه الأعظم، ولم يذكر الساعة.

ومنها: أنها الساعة التي تصلى فيها الجمعة:

فخرج مسلم في " صحيحه " من حديث ابن وهب ، عن مخرمة بن بكير ، عن أبيه، عن أبي بردة بن أبي موسى ، قال: قال عبد الله بن عمر : أسمعت أباك يحدث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في شأن ساعة الجمعة؟ قلت: نعم، سمعته يقول: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: " هي ما بين أن يجلس الإمام إلى أن تقضى الصلاة ".

وروى البيهقي بإسناده، عن مسلم ، أنه قال: هذا أجود حديث وأصحه في ساعة الجمعة.

[ ص: 515 ] وقال الدارقطني : تفرد به ابن وهب ، وهو صحيح عنه. ورواه أبو إسحاق ، عن أبي بردة ، واختلف عليه، فرواه إسماعيل بن عمرو ، عن الثوري ، عن أبي إسحاق ، عن أبي بردة ، عن أبيه، عن النبي -صلى الله عليه وسلم-.

ثم خرجه بإسناده من هذه الطريق، ولفظه: " الساعة التي يرجى فيها يوم الجمعة عند نزول الإمام ".

وخالفه النعمان بن عبد السلام ، فرواه عن الثوري بهذا الإسناد - موقوفا.

يعني: على أبي موسى .

ثم أسنده من طريقه كذلك، ولفظه: " الساعة التي تذكر في الجمعة ما بين نزول الإمام عن منبره إلى دخوله في الصلاة ".

قال: وخالفهما يحيى القطان ، فرواه عن الثوري ، عن أبي إسحاق ، عن أبي بردة - قوله.

وكذلك رواه عمار بن رزيق ، عن أبي إسحاق ، عن أبي بردة - قوله.

وكذلك رواه معاوية بن قرة ومجالد ، عن أبي بردة - من قوله.

وحديث مخرمة بن بكر أخرجه مسلم في " الصحيح ".

والمحفوظ: من رواية الآخرين، عن أبي بردة - قوله، غير مرفوع. انتهى.

وكذلك رواه واصل بن حيان ، عن أبي بردة ، قال: ذكر عند ابن عمر الساعة التي في الجمعة، فقلت: إني أعلم أي الساعة هي. قال: وما يدريك؟ قلت: [ ص: 516 ] هي الساعة التي يخرج فيها الإمام، وهي أفضل الساعات. قال: بارك الله عليك .

وروى كثير بن عب الله بن عمرو بن عوف المزني ، عن أبيه، عن جده، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: " إن في الجمعة ساعة لا يسأل الله العبد فيها شيئا إلا آتاه إياه ". قالوا: يا رسول الله، أية ساعة هي؟ قال: " حين تقام الصلاة إلى الانصراف منها ".

خرجه ابن ماجه والترمذي .

وقال: حسن غريب.

وكثير هذا، يحسن البخاري والترمذي وغيرهما أمره. وقال بعضهم: أحاديثه عن أبيه عن جده أحب إلينا من مراسيل ابن المسيب . وضعف الأكثرون حديثه. وضرب الإمام أحمد عليه، ولم يخرجه في " المسند ".

قال أبو بكر الأثرم : أما وجه اختلاف هذه الأحاديث، فلن يخلو من وجهين: إما أن يكون بعضها أصح من بعض، وإما أن تكون هذه الساعة تنتقل في الأوقات، كانتقال ليلة القدر في ليالي العشر.

قال: وأحسن ما يعمل به في ذلك: أن تلتمس في جميع هذه الأوقات، احتياطا واستظهارا. انتهى.

فأما القول بانتقالها فهو غريب.

وقد روي عن كعب ، قال: لو قسم إنسان جمعة في جمع أتى على تلك الساعة.

يعني: أنه يدعو كل جمعة في ساعة ساعة حتى يأتي على جميع ساعات اليوم.

قال الزهري : ما سمعنا فيها بشيء عن أحد أحدثه إلا هذا.

[ ص: 517 ] وهذا يدل على أنها لا تنتقل، وهو ظاهر أكثر الأحاديث والآثار.

وأما التماسها في جميع مظانها، فقد روي نحوه عن أبي هريرة .

فحكى ابن المنذر ، عنه، أنه قال: هي بعد طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، وبعد صلاة العصر إلى غروب الشمس .

وهذا رواه ليث بن أبي سليم ، عن مجاهد وطاوس ، عن أبي هريرة ، وفي ليث مقال، لا سيما إذا جمع في الإسناد بين الرجال.

ولم يرد أبو هريرة -والله أعلم- أنها ساعتان: في أول النهار وآخره، إنما أراد أنها تلتمس في هذين الوقتين.

ونقل ابن منصور ، عن إسحاق ، قال: بعد العصر، لا أكاد أشك فيه، وترجى بعد زوال الشمس.

كذا نقله ابن منصور في " مسائله " عنه، ونقله الترمذي في " جامعه "، عن أحمد .

وإنما نقله ابن منصور ، عن أحمد ، والترمذي إنما ينقل كلام أحمد وإسحاق من " مسائل ابن منصور ، عنهما " كما ذكر ذلك في آخر " كتابه ".

ولا أعلم في التماسها في أول النهار عن أحد من السلف غير هذا.

والمشهور عنهم قولان:

أحدهما: أنها تلتمس بعد العصر إلى غروب الشمس، وقد سبق عن أبي هريرة وعبد الله بن سلام .

وروى سعيد بن منصور بإسناده، عن أبي سلمة ، قال: اجتمع ناس من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فتذاكروا الساعة التي في يوم الجمعة، فتفرقوا ولم يختلفوا أنها آخر ساعة من يوم الجمعة.

[ ص: 518 ] وروى سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، أنه سئل عن تلك الساعة التي في الجمعة، فقال: خلق الله آدم بعد العصر يوم الجمعة، وخلقه من أديم الأرض كلها، فأسجد له ملائكته، وأسكنه جنته، فلله ما أمسى ذلك اليوم حتى عصاه، فأخرجه منها.

خرجه عبد الرزاق وغيره.

وهذا يدل على ترجيح ابن عباس لما بعد العصر في وقت هذه الساعة؛ لخلق آدم فيها، وإدخاله الجنة، وإخراجه منها، وهو يشبه استنباطه في ليلة القدر، أنها ليلة سابعه.

وكذلك كان طاوس يتحرى الساعة التي في يوم الجمعة بعد العصر.

وعنه، أنه قال: الساعة من يوم الجمعة التي تقوم فيها الساعة، والتي أنزل فيها آدم ، والتي لا يدعو الله فيها المسلم بدعوة صالحة إلا استجيب له: من حين تصفر الشمس إلى أن تغرب.

وهذا يشبه قول عبد الله بن سلام ، أنها آخر ساعة من نهار الجمعة.

وروي مثله عن كعب - أيضا.

فأهل هذا القول، منهم من جعل وقت التماسها ما بين العصر وغروب الشمس، ومنهم من خصه بآخر ساعة من الساعات.

وقال أحمد - في رواية ابن منصور -: أكثر الأحاديث بعد العصر.

وقال - في رواية الميموني - كذلك، وزاد: قيل له: قبل أن تطفل [ ص: 519 ] الشمس للغروب؟ قال: لا أدري، إلا أنها بعد العصر.

وظاهر هذا: أن ما بعد العصر إلى غروب الشمس كله في التماسها سواء.

والقول الثاني: أنها بعد زوال الشمس.

وقد تقدم عن ابن عمر وأبي بردة ، أنها ساعة صلاة الجمعة.

وروى عبد الله بن حجيرة ، عن أبي ذر ، أنها من حين تزيغ الشمس بشبر إلى ذراع.

وعن عائشة ، أنها إذا أذن المؤذن بصلاة الجمعة.

وقال عوف بن مالك : اطلبوا ساعة الجمعة في إحدى ثلاث ساعات: عند تأذين الجمعة، أو ما دام الإمام على المنبر، أو عند الإقامة.

خرجه محمد بن يحيى الهمداني في " صحيحه ".

وعن الحسن وأبي العالية ، قالا: عند زوال الشمس.

وعن الحسن ، قال: هي إذا قعد الإمام على المنبر حتى يفرغ.

وعن أبي السوار العدوي ، قال: كانوا يرون أن الدعاء مستجاب ما بين أن تزول الشمس إلى أن تدركك كل الصلاة.

وعن ابن سيرين ، قال: هي الساعة التي كان يصلي فيها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

وعن الشعبي ، قال: هي ما بين أن يحرم البيع إلى أن يحل.

وعنه، قال: ما بين خروج الإمام إلى انقضاء الصلاة.

وعن الشعبي ، عن عوف بن حصيرة ، قال: هي من حين تقام الصلاة إلى انصراف الإمام.

[ ص: 520 ] وروي، أن عمر سأل ابن عباس عنها؟ فقال: أرجو أنها الساعة التي يخرج لها الإمام .

خرجه الإسماعيلي في " مسند عمر " بإسناد ضعيف.

وذكر عن أبي القاسم البغوي ، أنه قال: هذا واه، وقد روي عن ابن عباس خلافه.

يشير إلى أن المعروف عنه أنها بعد العصر، كما رواه عنه سعيد بن جبير ، وقد تقدم.

فهذه الأقوال متفقة على أنها بعد زوال الشمس، ومختلفة في الظاهر في قدر امتدادها.

فمنهم من يقول: وقت الأذان.

ومنهم من يقول: ما دام الإمام على المنبر.

ومنهم من يقول: عند الإقامة.

ومنهم من يقول: من حين تقام الصلاة إلى انصراف الإمام فيها.

ومنهم من يقول: ما بين أن يحرم البيع بالنداء أو تزول الشمس - على اختلاف لهم فيما يحرم به البيع - إلى أن يحل بانقضاء الصلاة.

وهذا القول - أعني: أنها بعد زوال الشمس إلى انقضاء الصلاة، أو أنها ما بين أن تقام الصلاة إلى أن يفرغ منها - أشبه بظاهر قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: " لا يوافقها عبد مسلم قائم يصلي يسأل الله فيها شيئا إلا أعطاه إياه "، فإنه إن أريد به صلاة الجمعة كانت من حين إقامتها إلى الفراغ منها، وإن أريد به صلاة التطوع كانت من زوال الشمس إلى خروج الإمام؛ فإن هذا وقت صلاة تطوع، وإن أريد بها أعم من ذلك - وهو الأظهر - دخل فيه صلاة التطوع بعد زوال الشمس، [ ص: 521 ] وصلاة الجمعة إلى انقضائها.

وليس في سائر الأوقات التي قالها أهل القول الأول وقت صلاة؛ فإن بعد العصر إلى غروب الشمس، وبعد الفجر إلى طلوع الشمس وقت نهي عن الصلاة فيه، اللهم إلا أن يراد بقولهم: بعد العصر: دخول وقت العصر والتطوع قبلها.

ومرسل يحيى بن إسحاق بن أبي طلحة يشهد له.

وقول من قال: إن منتظر الصلاة في صلاة صحيح، لكن لا يقال فيه: قائم يصلي؛ فإن ظاهر هذا اللفظ حمله على القيام الحقيقي في الصلاة الحقيقية.

وقد روى عبد الرزاق في " كتابه " نا يحيى بن زمعة ، سمعت عطاء يقول: سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: " في يوم الجمعة ساعة، لا يوافقها عبد وهو يصلي، أو ينتظر الصلاة، يدعو الله فيها بشيء إلا استجاب له ".

وهذا غريب.

ويحيى بن زمعة هذا، غير مشهور، ولم يعرفه ابن أبي حاتم بأكثر من روايته عن عطاء ، ورواية عبد الرزاق عنه.

وهذه الرواية تدل على أن المراد بالصلاة حقيقة الصلاة؛ لأنه فرق بين المصلي ومنتظر الصلاة، وجعلهما قسمين.

وتدل على أن ساعة الجمعة يمكن فيها وقوع الصلاة وانتظارها، وهذا بما [ ص: 522 ] بعد الزوال أشبه؛ لأن أول تلك الساعة ينتظر فيها الصلاة، ويتنفل فيها بالصلاة، وآخرها يصلى فيه الجمعة.

وخرج ابن أبي شيبة بإسناده، عن هلال بن يساف ، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: " إن في الجمعة لساعة، لا يوافقها رجل مسلم، يسأل الله فيها خيرا، إلا أعطاه " فقال رجل: يا رسول الله، فماذا أسأل؟ فقال: " سل الله العافية في الدنيا والآخرة ".

وهذا مرسل.

التالي السابق


الخدمات العلمية