صفحة جزء
[ ص: 321 ] 17 - باب

إذا ذكر في المسجد أنه جنب يخرج كما هو ، ولا يتيمم

271 275 - حدثنا عبد الله بن محمد : ثنا عثمان بن عمر : ثنا يونس ، عن الزهري ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة ، قال : أقيمت الصلاة ، وعدلت الصفوف قياما ، فخرج إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم . فلما قام في مصلاه ذكر أنه جنب ، فقال لنا : ( مكانكم ) ! ثم رجع فاغتسل ، ثم خرج إلينا ، ورأسه يقطر . فكبر ، فصلينا معه .

تابعه عبد الأعلى ، عن معمر ، عن الزهري .

ورواه الأوزاعي ، عن الزهري .


قد خرجه البخاري في ( كتاب الصلاة ) من حديث الأوزاعي ، وفيه أيضا أنه كان جنبا .

وخرجه أيضا من رواية صالح بن كيسان عن الزهري ، ولم يذكر أنه كان جنبا ، لكن رجوعه إليهم ورأسه يقطر ماء يدل على ذلك .

وقد استدل البخاري بهذا الحديث على أن من ذكر في المسجد أنه جنب فإنه يخرج منه ليغتسل ، ولا يلزمه التيمم لمشيه للخروج .

ومثله من كان نائما ، فاحتلم في المسجد ، فإنه يخرج منه ليغتسل ، ولا يلزمه أن يتيمم للخروج .

وقد نص على هذه الصور أحمد في رواية حرب .

واستدل طائفة بأن الصحابة كانوا ينامون في المسجد ، يعني أنه لم يكن [ ص: 322 ] يخلو من احتلام بعضهم فيه ، ولم ينقل عن أحد منهم أنه تيمم ، ولا أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أحدا منهم بذلك ، مع علمه بنومهم ، وأنه لا يكاد يخلو من محتلم منهم فيه .

وقد كان ابن عمر شابا عزبا ، ينام في المسجد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم .

وأصل هذه المسألة أن الجنب هل يباح له المرور في المسجد من غير تيمم ؟ أم لا ؟ وفي المسألة قولان :

أحدهما وهو قول الأكثرين : إنه يباح له ذلك ، وهو قول أكثر السلف ومالك والشافعي وأحمد والأوزاعي وغيرهم .

وقد تأول طائفة من الصحابة قول الله عز وجل : لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا - بأن المراد النهي عن قربان موضع الصلاة وهو المسجد في حال الجنابة ، إلا أن يكون عابر سبيل ، وهو المجتاز به من غير لبث فيه .

وقد روي ذلك عن ابن مسعود وابن عباس وأنس رضي الله عنهم .

وفي ( المسند ) ، عن ابن عباس ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سد أبواب المسجد غير باب علي . قال : فيدخل المسجد جنبا ، وهو طريقه ليس له طريق غيره .

[ ص: 323 ] وروى ابن أبي شيبة بإسناده عن العوام أن عليا كان يمر في المسجد ، وهو جنب .

وبإسناده عن جابر قال : كان أحدنا يمشي في المسجد وهو جنب مجتازا .

وخرجه أيضا سعيد بن منصور ، وابن خزيمة في ( صحيحه ) .

وعن زيد بن أسلم قال : كان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يمشون في المسجد ، وهم جنب . خرجه ابن المنذر وغيره .

ولا يجوز العبور إلا لحاجة في أصح الوجهين لأصحابنا ، وهو قول أكثر السلف ، منهم عكرمة ومسروق والنخعي .

وقرب الطريق حاجة في أحد الوجهين لأصحابنا ، وهو قول الحسن . وفي الآخر : ليس بحاجة . وهو وجه للشافعية ، والصحيح عندهم أنه يجوز المرور لحاجة وغيرها .

والقول الثاني : لا يجوز للجنب المرور في المسجد ، فإن اضطر إليه تيمم ، وهو قول الثوري وأبي حنيفة وإسحاق ورواية عن مالك .

وقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : ( لا أحل المسجد لحائض ولا جنب ) .

[ ص: 324 ] خرجه أبو داود من حديث عائشة ، وابن ماجه من حديث أم سلمة . وفي إسنادهما ضعف .

وعلى تقدير صحة ذلك فهو محمول على اللبث في المسجد ; جمعا بين الدليلين .

وأهل هذه المقالة منهم من قال : إذا ذكر في المسجد أنه جنب ، أو احتلم في المسجد - فإنه يتيمم لخروجه ، كما قاله بعض الحنفية .

وحديث أبي هريرة الذي خرجه البخاري هنا حجة عليه .

التالي السابق


الخدمات العلمية