صفحة جزء
[ ص: 146 ] 19 - باب موعظة الإمام النساء يوم العيد

935 978 - حدثنا إسحاق: ثنا عبد الرزاق: ثنا ابن جريج: أخبرني عطاء، عن جابر بن عبد الله، قال: سمعته يقول: قام النبي - صلى الله عليه وسلم- يوم الفطر فصلى، فبدأ بالصلاة، ثم خطب، فلما فرغ نزل فأتى النساء فذكرهن، وهو يتوكأ على بلال، وبلال باسط ثوبه، يلقي فيه النساء الصدقة .

قلت لعطاء: زكاة يوم الفطر؟ قال: لا. ولكن صدقة يتصدقن حينئذ، تلقي فتخها ويلقين.

قلت: أترى حقا على الإمام ذلك، يأتيهن ويذكرهن؟ قال: إنه لحق عليهم، وما لهم لا يفعلونه؟

936 979 - قال ابن جريج: وأخبرني حسن بن مسلم، عن طاوس، عن ابن عباس، قال: شهدت الفطر مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وأبي بكر وعمر وعثمان، يصلونها قبل الخطبة، ثم يخطب بعد، خرج النبي - صلى الله عليه وسلم- كأني أنظر إليه حين يجلس بيده، ثم أقبل يشقهم حتى جاء النساء، معه بلال، فقال: يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك الآية، ثم قال - حين فرغ منها-: " أأنتن على ذلك؟ "، قالت امرأة واحدة منهن، لم يجبه غيرها: نعم - لا يدري حسن من هي- قال: فتصدقن، فبسط بلال ثوبه، ثم قال، هلم لكن فداء أبي وأمي، فيلقين الفتخ [ ص: 147 ] والخواتيم في ثوب بلال .

قال عبد الرزاق: الفتخ: الخواتيم العظام، كانت في الجاهلية.


قد تقدم الكلام على قوله: " فلما فرغ نزل " وأنه يشعر بأنه كان على موضع عال.

وموعظته للنساء وهو يتوكأ على بلال : دليل على أن الإمام إذا وعظ قائما على قدميه فله أن يتوكأ على إنسان معه، كما يتوكأ على قوس أو عصا.

وفيه: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما انتقل من مكان خطبته للرجال، أشار إليهم بيده أن لا يذهبوا.

وفيه: دليل على أن الأولى للرجال استماع خطبة النساء - أيضا- لينتفعوا بسماعها وفعلها، كما تنتفع النساء.

وقد تقدم: أن الإمام يفرد النساء بموعظة إذا لم يسمعوا موعظة الرجال، وهو قول عطاء ومالك والشافعي وأصحابنا.

وقال النخعي : يخطب قدر ما ترجع النساء إلى بيوتهن.

وهذا يخالف السنة، ولعله لم يبلغه ذلك.

وقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم- أنه خير الناس بين استماع الخطبة والذهاب.

فروى عطاء ، عن عبد الله بن السائب ، قال: شهدت مع النبي - صلى الله عليه وسلم- العيد، فلما قضى الصلاة قال: " إنا نخطب، فمن أحب أن يجلس للخطبة فليجلس، ومن أحب أن يذهب فليذهب ".

خرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه وابن خزيمة في " صحيحه"، من رواية الفضل بن موسى السيناني ، عن ابن جريج ، عن عطاء .

[ ص: 148 ] وقال أبو داود : ويروى - مرسلا- عن عطاء ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم.

وروى عباس الدوري ، عن ابن معين ، قال: وصله خطأ من الفضل ، وإنما هو عن عطاء مرسلا.

وكذا قال أبو زرعة : المرسل هو الصحيح.

وكذا ذكر الإمام أحمد أنه مرسل.

وكان عطاء يقول به،ويقول: إن شاء فليذهب.

قال أحمد : لا نقول بقول عطاء ، أرأيت لو ذهب الناس كلهم على من كان يخطب؟

ولم يرخص في الانصراف قبل فراغ الخطبة، ولعله أراد انصراف الناس كلهم، فيصير الإمام وحده فتتعطل الخطبة. والله أعلم.

واختلف قول الإمام أحمد في جواز الكلام والإمام يخطب في العيد، على روايتين عنه.

وروى وكيع بإسناده، عن ابن عباس ، أنه كره الكلام في أربعة مواطن: في الجمعة، والفطر، والأضحى، والاستسقاء، والإمام يخطب.

وكرهه الحسن وعطاء .

وقال مالك : من صلى مع الإمام فلا ينصرف حتى ينصرف الإمام.

وكذلك مذهبه فيمن حضر من النساء العيدين، فلا ينصرف إلا بانصراف الإمام.

[ ص: 149 ] ذكره في " تهذيب المدونة".

ومذهب الشافعي ، من أصحابنا كقول عطاء : إن استماع الخطبة مستحب غير لازم.

وظاهره: أنه يجوز للرجال كلهم الانصراف وتعطيل الخطبة; لأنها مستحبة غير واجبة.

وقد رأيت كلام أحمد مصرحا بخلاف ذلك.

وفي حديث ابن عباس ، أنه يجوز للإمام أن يشق الناس ويتخطاهم إذا كان له في ذلك مصلحة.

وفي اكتفائه - صلى الله عليه وسلم- بإجابة امرأة واحدة بعد قوله للنساء: " أأنتن على ذلك؟ " دليل على أن إقرار واحد من الجماعة في الأمور الدينية كاف، إذا سمع الباقون، وسكتوا عن الإنكار.

وقوله: " لا يدري حسن من هي " حسن، هو: ابن مسلم - صاحب طاوس .

وفي رواية مسلم في " صحيحه" لهذا الحديث: " لا يدرى حينئذ من هي".

وقد قال بعض الحفاظ المتأخرين: إن رواية البخاري هي الصحيحة.

وقد فسر عبد الرزاق في رواية البخاري " الفتخ" بالخواتيم العظام.

وقيل: " الفتخة" حلقة من ذهب أو فضة لا فص لها، وربما اتخذ لها فص.

وقيل: إنها تكون في أصابع اليدين والرجلين من النساء.

[ ص: 150 ] وهي بفتح الفاء والتاء والخاء المعجمة.

ويفرق بين مفردها وجمعها تاء التأنيث، كأسماء الجنس الجمعي، وهو في المخلوقات كثير كتمرة وتمر، وفي المصنوعات قليل كعمامة وعمام. ومنه: فتخة وفتخ.

وتجمع " فتخة" على فتخات وفتوخ - أيضا.

وفي الحديث: التفدية بالأب والأم، ولبسط القول فيه موضع آخر، يأتي - إن شاء الله سبحانه وتعالى.

وفيه جواز صدقة المرأة بدون إذن زوجها تطوعا .

ولعل ابن جريج استشكل ذلك فظن أن هذه الصدقة كانت صدقة الفطر; لأن الصدقة الواجبة لا إشكال في إخراج المرأة لها بدون إذن زوجها، فسأل عطاء عن ذلك، فأخبره عطاء أنها لم تكن صدقة الفطر، وإنما هي صدقة تطوع.

ولم يستدل عطاء بأن صدقة الفطر لا تؤخذ فيها القيمة، فلعله كان يرى جواز إخراج القيمة فيها.

وإنما أخذ النبي - صلى الله عليه وسلم - معه بلالا ليتوكأ عليه، وليحمل الصدقة التي تلقيها النساء.

وفيه: دليل على أن الإمام يستصحب معه المؤذن في الصلوات التي يجمع لها ويخطب، وإن لم يكن يؤذن لها ويقام، ويستعين به.

التالي السابق


الخدمات العلمية