صفحة جزء
[ ص: 389 ] 8 - باب

مسح الحصى في الصلاة

1149 1207 - حدثنا أبو نعيم، ثنا شيبان، عن يحيى، عن أبي سلمة، قال: حدثني معيقيب، أن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال في الرجل يسوي التراب حين يسجد، قال: " إن كنت فاعلا فواحدة ".


وخرجه مسلم من طريق شيبان .

وخرجه أيضا من طريق هشام الدستوائي ، عن يحيى، هو: ابن أبي كثير ، ولفظ حديثه: ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم- المسح في المسجد - يعني: الحصى- قال: " إن كنت لا بد فاعلا فواحدة".

وفي رواية له، بهذا الإسناد، أنهم سألوا النبي - صلى الله عليه وسلم- عن المسح في الصلاة، فقال: " واحدة".

وفي الباب عن جماعة من الصحابة، لم يخرج منه في " الصحيح" غير حديث معيقيب .

قال الترمذي : والعمل على هذا عند أهل العلم.

يعني: على كراهة مسح الحصى، والرخصة في المرة الواحدة منه.

وقال ابن المنذر : اختلف أهل العلم في مس الحصى في الصلاة.

وكان ابن عمر يصلي فيمسح الحصى برجليه.

وروي عن ابن مسعود ، أنه يسويه مرة واحدة إذا سجد.

[ ص: 390 ] وكان أبو هريرة وأبو ذر يرخصان في مسحه مرة واحدة.

وكان مالك لا يرى بالشيء الخفيف بأسا.

وكره ذلك الأوزاعي وأصحاب الرأي.

وقال أصحاب الرأي: لا بأس به مرة، وتركه أحب إلينا.

وكان عثمان بن عفان وابن عمر يمسحان الحصى لموضع السجود، قبل أن يدخلا في الصلاة.

قال ابن المنذر : هذا أحب إلي، ولا يخرج إن مسحه مرة; لحديث معيقيب ، وتركه أفضل. انتهى.

ورويت كراهيته عن علي وابن مسعود وابن عباس .

وعن ابن عمر ، قال: هو من الشيطان.

ورخص فيه مرة واحدة أبو عبد الرحمن السلمي .

وهو قول سفيان الثوري .

وقال ليث بن أبي سليم : سمعت العلماء يقولون: تحريك الحصى ومسحه في الصلاة أذى للملكين.

وقد روي في سبب كراهيته: أن الرحمة تواجه المصلي، فإذا أزال ما يواجهه من التراب والحصى، فقد أزال ما فيه الرحمة والبركة.

فروى الزهري ، عن أبي الأحوص ، عن أبي ذر ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال: " إذا قام أحدكم إلى الصلاة فلا يمسح الحصى; فإن الرحمة تواجهه ".

خرجه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه والترمذي .

وقال: حديث حسن.

[ ص: 391 ] وأبو الأحوص هذا، ضعفه ابن معين وغيره.

وروى ابن المبارك في " كتابه" عن الأوزاعي ، عن هارون بن رئاب ، قال: قال ابن مسعود : إن الأرض لتزين للمصلي، فلا يمسحها أحدكم، فإن كان ماسحها لا محالة فمرة مرة، ولأن يدعها خير له من مائة ناقة للنقلة.

واعلم; أن مسح الحصى في الصلاة يكون على وجهين:

أحدهما: أن يكون عبثا محضا لغير وجه، فهذا مكروه; لأن العبث في الصلاة مكروه، كما يكره ذلك في حال استماع الخطبة.

وفي الحديث الصحيح: " ومن مس الحصى فقد لغا".

فإن كانت الرخصة في المرة الواحدة من هذا النوع، فيشبه أن يكون معناه: أن المرة الواحدة تقع عن سهو وغفلة، والمعاود إنما يكون عن تعمد وقصد، كما قال في نظر الفجأة: " إن لك الأولى، وليست لك الآخرة".

ويشهد لهذا: ما خرجه الإمام أحمد من رواية شرحبيل بن سعد ، عن جابر ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال: " لأن يمسك أحدكم يده عن الحصى خير له من مائة ناقة، كلها سود الحدقة، فإن غلب أحدكم الشيطان فليمسح مسحة واحدة".

وشرحبيل مختلف في أمره.

ورأى سعيد بن المسيب رجلا يعبث بالحصى، فقال: لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه.

الوجه الثاني: أن يكون عن حاجة إليه، مثل أن يشتد حر الحصى، فيقلبه ليتمكن من وضع جبهته عليه في السجود، أو يكون فيه ما يؤذيه السجود عليه، [ ص: 392 ] فيصلحه ويزيله، فهذا يرخص فيه بقدر ما يزول به الأذى عنه، ويكون ذلك مرة واحدة.

قال أحمد : لا بأس بتسوية الحصى إن اضطر.

وروى الأثرم بإسناده، عن ابن مسعود ، أنه ركع، ثم سجد فسوى الحصى، ثم تقبطه بيده.

وروى الزبرقان بن عبد الله بن عمرو بن أمية ، عن أبي سلمة ، عن جعفر بن عمرو بن أمية ، عن أبيه، قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يسوي الحصى .

وهذا غريب جدا.

وقريب من هذا: ما خرجه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي من حديث جابر ، قال: كنت أصلي مع النبي - صلى الله عليه وسلم- الظهر، فأخذ قبضة من الحصى; لتبرد في كفي أضعها لجبهتي أسجد عليها لشدة الحر.

وزعم أبو بكر الأثرم : أن الرخصة في المرة الواحدة ناسخة للنهي المطلق.

وفيه نظر.

ومذهب مالك : يكره أن ينقل الحصى من موضع الظل إلى موضع الشمس، فيسجد عليه، ولا يكره أن يسجد على ثوبه في الحر.

واستدل بعض من قال: إنه لا يرخص في الصلاة في أكثر من عمل واحدة، كخطوة أو ضربة، بهذا الحديث.

وإنما يدل هذا الحديث على كراهة ما زاد على المرة الواحدة، حيث كان لا يحتاج إلى الزيادة على ذلك، فإن تسوية الحصى المقصود منه - غالبا- بمرة [ ص: 393 ] واحدة، وهذا خلاف ما يحتاج منه إلى زيادة على المرة الواحدة، كالمشي والضرب ونحوهما، وبذلك يجمع بين النصوص كلها في هذا الباب.

التالي السابق


الخدمات العلمية