صفحة جزء
[ ص: 340 ] 22 - باب

إذا احتلمت المرأة

278 282 - حدثنا عبد الله بن يوسف : أنا مالك ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن زينب بنت أبي سلمة ، عن أم سلمة ، أنها قالت : جاءت أم سليم امرأة أبي طلحة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالت : يا رسول الله ، إن الله لا يستحيي من الحق ! هل على المرأة من غسل إذا هي احتلمت ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( نعم ، إذا رأت الماء ) .


وقد خرجه البخاري في آخر ( كتاب العلم ) في ( باب الحياء في العلم ) بزيادة في آخره ، واقتصر في هذا الباب على ما يحتاج إليه فيه .

وقد خرجه مسلم من حديث عائشة ، وأنس ، ومن حديثه عن أمه أم سليم ، وله طرق متعددة .

وهذا الحديث نص على أن المرأة إذا رأت حلما في منامها ، ورأت الماء في اليقظة - أن عليها الغسل .

وإلى هذا ذهب جمهور العلماء ، ولا يعرف فيه خلاف ، إلا عن النخعي وهو شذوذ .

[ ص: 341 ] ولعل النخعي أنكر وقوع ذلك من المرأة كما أنكرته أم سلمة على أم سليم ، حتى قال لها النبي صلى الله عليه وسلم : ( تربت يمينك ، وبم يشبهها ولدها ؟ )

فبين صلى الله عليه وسلم أن للمرأة ماء كما للرجل ، وأنها إذا رأت الماء في نومها باحتلام فإنه يجب عليها الغسل منه . وفي ذلك تنبيه على أن الرجل كذلك ، وأنه إذا رأى حلما ورأى الماء أنه يلزمه الغسل . وهذا مما لا اختلاف فيه بين العلماء .

وقد روى الإمام أحمد وابن ماجه من حديث علي بن زيد بن جدعان ، عن سعيد بن المسيب ، عن خولة بنت حكيم - أنها سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن المرأة ترى في منامها ما يرى الرجل ، فقال : ( ليس عليها غسل حتى تنزل ، كما أن الرجل ليس عليه غسل حتى ينزل ) .

وقد روي عن ابن المسيب مرسلا .

ولو رأى الرجل والمرأة بللا ولم يذكرا احتلاما ; فإن كانت أوصاف المني موجودة فيه لزمه الغسل ، وإن احتمل أن يكون منيا وأن يكون مذيا وغير ذلك ففيه قولان :

أحدهما : عليه الغسل ، حكاه الترمذي في ( كتابه ) عن غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، والتابعين ، وعن سفيان وأحمد .

وممن روي عنه أنه قال : يغتسل - ابن عباس ، وعطاء ، والشعبي ، والنخعي .

وهو قول أبي حنيفة ، وظاهر مذهب أحمد ، إلا أنه استثنى من ذلك أن [ ص: 342 ] يكون ثم سبب يقتضي خروج غير المني ، مثل أن يكون قد سبق منه ملاعبته لأهله ، أو فكر قبل نومه ، أو يكون به إبردة فخرج منه بلل بسببها ، فلم يوجب الغسل في هذه الصور ; لأن إحالة البلل الخارج على السبب الموجود المعلوم أولى من إحالته على سبب موهوم .

فإن لم يوجد شيء من هذه الأسباب لزمه الغسل ; لأن خروج المني من النائم بالاحتلام هو الأغلب ، فيحال البلل عند الشك عليه دون المذي وغيره ; لأن خروج ذلك في النوم أندر ، ولأن ذمته قد اشتغلت بطهارة قطعا ، ولا يتيقن ، بل ولا يغلب على الظن صحة صلاته بدون الإتيان بطهارة الوضوء والغسل ، فلزمه ذلك .

والقول الثاني : لا غسل عليه بذلك حتى يتيقن أنه مني ، وهو قول مجاهد وقتادة والحكم وحماد ومالك والشافعي وإسحاق وأبي يوسف ; لأن الأصل الطهارة ، فلا يجب الغسل بالشك .

والقول الأول أصح .

ولا يشبه هذا من تيقن الطهارة وشك في الحدث ; فإن ذاك لم يتيقن شيئا موجبا لطهارة في ذمته ، بل هو مستصحب للطهارة المتيقنة ، ولم يتيقن اشتغال ذمته بشيء ، وهذا قد تيقن أن ذمته اشتغلت بطهارة ، فلا تبرأ ذمته بدون الإتيان بالوضوء والغسل .

ورجح هذا القول طائفة من محققي الشافعية أيضا .

وأما إن رأى الرجل والمرأة احتلاما ، ولم ير بللا - فلا غسل عليه ، كما دل عليه هذا الحديث الصحيح ، وحكاه الترمذي عن عامة أهل العلم ، وحكاه ابن المنذر إجماعا عن كل من يحفظ عنه من أهل العلم .

[ ص: 343 ] وحكى ابن أبي موسى من أصحابنا رواية عن أحمد أنه إذا رأى في منامه احتلاما ، ووجد لذة الإنزال في منامه ، ولم يجد بللا عند استيقاظه - أنه يلزمه الغسل ، وبناه على قول الإمام أحمد المشهور عنه : إن المني إذا انتقل من محله ، ولم يخرج ، فإنه يجب الغسل بانتقاله .

وفي هذا نظر ; فإنه قد لا يتحقق انتقاله بمجرد وجود اللذة في النوم .

وقد ورد في هذا حديث صريح خرجه الإمام أحمد ، وأبو داود ، وابن ماجه ، والترمذي من حديث عبد الله بن عمر ، عن أخيه عبيد الله ، عن القاسم ، عن عائشة ، قالت : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يجد البلل ولا يذكر احتلاما ، قال : ( يغتسل ) . وعن الرجل يرى أنه قد احتلم ، ولم يجد بللا ، قال : ( لا غسل عليه ) . قالت أم سليم : يا رسول الله ، هل على المرأة ترى ذلك غسل ؟ قال : ( نعم ، إنما النساء شقائق الرجال ) .

وليس عند ابن ماجه ( قالت أم سليم ) إلى آخره .

وقد استنكر أحمد هذا الحديث في رواية مهنا ، وقال في رواية الفضل بن زياد : أذهب إليه .

قال الترمذي : إنما روى هذا عبد الله بن عمر ، وقد تكلم فيه يحيى القطان من قبل حفظه .

قلت : وقد روي معناه أيضا من حديث كعب بن مالك . خرجه أبو نعيم في ( تاريخ أصبهان ) ، وإسناده لا يصح . والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية