صفحة جزء
[ ص: 486 ] 5 - باب يكبر في سجدتي السهو وفيه حديثان:

الأول:

1172 1229 - حدثنا حفص بن عمر، ثنا يزيد بن إبراهيم، عن محمد، عن أبي هريرة، قال: صلى النبي - صلى الله عليه وسلم- إحدى صلاتي العشي - قال محمد: وأكثر ظني العصر- ركعتين، ثم سلم، ثم قام إلى خشبة في مقدم المسجد، فوضع يده عليها، وفيهم أبو بكر وعمر، فهابا أن يكلماه، وخرج سرعان الناس، فقالوا: قصرت الصلاة، ورجل يدعوه النبي - صلى الله عليه وسلم - ذا اليدين، فقال: أنسيت، أم قصرت؟ فقال: " لم أنس، ولم تقصر"، قال: بلى، قد نسيت، فصلى ركعتين، ثم سلم، ثم كبر، ثم سجد مثل سجوده أو أطول، ثم رفع رأسه فكبر، ثم وضع رأسه فكبر، فسجد مثل سجوده أو أطول، ثم رفع رأسه فكبر.


" صلاتا العشي ": هما الظهر والعصر; لأنهما بعد زوال الشمس، وذلك زمن العشي.

وأكثر ظن ابن سيرين أنها العصر.

وفي رواية ابن عون ، عنه، أنه قال: سماها أبو هريرة ، ونسيتها أنا.

وروي مجزوما بذلك.

[ ص: 487 ] خرجه الإمام أحمد .

وفي هذه الرواية: أنه قام من مكانه الذي صلى فيه إلى مقدم المسجد، ووضع يده على الخشبة.

وفي رواية ابن عون ، عن ابن سيرين ، أنه شبك أصابعه.

وقد خرجها البخاري فيما مضى.

وأما هيبة أبي بكر وعمر أن يكلماه، مع قربهما منه، واختصاصهما به، فلشدة معرفتهما بعظمته وحقوقه، وقوة المعرفة توجب الهيبة، كما أن أشد الناس معرفة بالله أشدهم له خشية وهيبة وإجلالا، كما كان النبي - صلى الله عليه وسلم- كذلك.

" وسرعان الناس " هم الذين أسرعوا الخروج من المسجد، فظنوا أن الصلاة قصرت، فتحدثوا بذلك.

وهذا يدل على أنه لم يخف ذلك على عامة من كان في المسجد أو كلهم.

وفي رواية ابن عون ، عن ابن سيرين ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم- قام إلى خشبة فاتكأ عليها، وشبك بين أصابعه، ووضع خده على ظهر كفه، كأنه غضبان.

والظاهر: أن النبي - صلى الله عليه وسلم- كان في حال الصلاة مشغول البال بأمر أوجب له ذلك الغضب، وهو الذي حمله على أن صلى ركعتين وسلم، ولم يشعر بذلك.

وقوله: " ورجل يدعوه النبي - صلى الله عليه وسلم- ذا اليدين "، فيه دليل على أنه يجوز دعاء الإنسان بغير اسمه، ولا سيما إذا كان ليس من الألقاب المكروهة، وربما [ ص: 488 ] كان يدعى بذلك من باب الفكاهة والمزاح، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم- لرجل: " يا ذا الأذنين".

وقوله: " لم أنس ولم تقصر " وهكذا في رواية ابن عون أيضا، عن ابن سيرين .

وزعم بعضهم أن مراده: نفي مجموع الأمرين، يعني: لم يجتمع القصر والنسيان، ولم يرد نفي أحدهما بانفراده.

وهذا ليس بشيء; فإنه لو كان كذلك لكان ذاكرا لنسيانه حينئذ، مثبتا له; فإن القصر منتف قطعا، فيكون مثبتا لنسيانه حينئذ، ولو كان حينئذ ذاكرا لنسيانه لم يحتج إلى قول ذي اليدين له، ولا لاستشهاده بالناس على صدقه; فإن في رواية ابن عون : فقال: " أكما يقول ذو اليدين ؟ "، قالوا: نعم.

ولو كان ذاكرا لنسيانه حينئذ لما تكلم، فإنه كان يكون متكلما وهو عالم بأنه في صلاة أو حكمها، وإنما قال صلى الله عليه وسلم: " لم أنس ولم تقصر" باعتبار ما كان في اعتقاده، بأنه أتم صلاته، ولم ينس منها شيئا، فإنه إنما سلم من ركعتين لاعتقاده أنه أتمها. فقوله: " لم أنس" إخبار عن حاله التي كان عليها في الصلاة، وهي مستمرة إلى حين تكلم بهذا.

وقد صح عنه، أنه قال: " إنما أنا بشر، أنسى كما تنسون، فإذا نسيت فذكروني".

[ ص: 489 ] ولعلهم امتنعوا من تذكيره في هذه الصلاة بالتسبيح; لأنهم كانوا على رجاء منه أن يقوم من التشهد إلى الركعتين الباقيتين، وإنما تيقنوا تركه لهما بسلامه، وكانوا حينئذ غير متيقنين لسهوه، فإنه كان يحتمل عندهم أن تكون الصلاة قد قصرت، فلذلك لم يسبحوا به عند سلامه.

وقول ذي اليدين : " قد نسيت "، إنما جزم به لنفي النبي - صلى الله عليه وسلم- قصر الصلاة، مع علم الناس بأنه إنما صلى ركعتين فقط، فتعين أن يكون ترك الركعتين نسيانا.

والمقصود من هذا الباب: أن النبي - صلى الله عليه وسلم- لما سجد سجدتي السهو كبر فيها أربع تكبيرات، كبر في كل سجدة تكبيرة للسجود، وتكبيرة للرفع منه.

التالي السابق


الخدمات العلمية