صفحة جزء
1175 [ ص: 519 ] 7 - باب

السهو في الفرض والتطوع

وسجد ابن عباس سجدتين بعد وتره.


قد تقدم أن الإمام أحمد حكى عن ابن عباس ، أنه قال: إن استطعت أن لا تصلي صلاة إلا سجدت بعدها سجدتين فافعل.

وحمله أحمد على سجود السهو.

ومن الناس من حمله على أنه أراد به تصلي بعد كل مفروضة ركعتين.

وهذا على عمومه لا يصح; فإن الفجر والعصر لا يصلى بعدهما.

وقد بوب النسائي على " السجود بعد الفراغ من الصلاة"، وخرج فيه حديث عائشة : كان النبي - صلى الله عليه وسلم- يصلي فيما بين أن يفرغ من صلاة العشاء إلى الفجر إحدى عشرة ركعة، يوتر بواحدة، ويسجد سجدة قدر ما يقرأ أحدكم خمسين آية قبل أن يرفع رأسه.

وقد تقدم هذا الحديث بلفظ: " ويسجد السجدة".

والمراد: أنه مقدار السجدة الواحدة من سجوده بالليل، لا أنه يسجد بعد وتره سجدة واحدة.

وأما حكم السهو في الوتر، فحكمه حكم السهو في سائر الصلوات.

ومذهب الثوري وأبي حنيفة ، إذا صلى الوتر أربعا، أنه إن قعد في الثالثة [ ص: 520 ] قدر التشهد أجزأه، وسجد سجدتي السهو، وإن لم يكن جلس بعد الثالثة أعاد الوتر، كقولهم في صلاة المغرب، كما تقدم حكاية مذهبهم في ذلك.

ومذهب مالك في " تهذيب المدونة": ومن شفع وتره ساهيا سجد بعد السلام، واجتزأ بوتره، يعمل في السنن كما يعمل في الفرائض، ومن لم يدر جلوسه في الشفع أو في الوتر سلم وسجد بعد السلام، ثم أوتر بواحدة، وإن لم يدر أفي الأولى هو جالس، أو في الثانية، أو في الوتر، أتى بركعة، وسجد بعد السلام، ثم أوتر. انتهى.

ففرق بين أن يتحقق الزيادة، فيسجد للسهو، ويجتزئ بوتره، وبين أن يشك فيها، فيبني على اليقين، ويسجد للسهو، ثم يوتر.

وقد روي عن ابن عباس أنه يسجد في التطوع:

قال حرب الكرماني : نا يحيى بن عبد الحميد ، حدثنا ابن المبارك ، عن يعقوب بن القعقاع ، عن عطاء ، عن ابن عباس ، قال: إذا أوهم في التطوع، سجد سجدتي السهو.

وهذا قول جمهور العلماء.

وللشافعي قول قديم: أنه لا سجود في التطوع.

وروي عن ابن سيرين .

وعن ابن المسيب في رواية عنه منقطعة، وروي عنه من وجه متصل خلافه.

وقال عطاء : لا بأس أن لا يسجد للسهو في التطوع.

[ ص: 521 ] وعنه، أنه قال: لا يعيد التطوع إذا شك فيه، ويبني على أحرى ما عنده، وسجد.

وهذا بناء على قوله: إن الشاك في الفريضة يعيد صلاته.

وسئل عطاء عمن سها قبل الوتر: أيسجد بعد الوتر؟ قال: نعم.

ولعله أراد أنه سها في الركعتين قبل الوتر، إذا صلى الوتر ثلاثا متصلة... أنه أراد أن الركعة التي يوتر بها لا يسجد فيها للسهو حتى يتم وتره، وإن كانت مفصولة بالسلام بينهما; لأن الجميع يشملها اسم واحد، وهو الوتر، فيكون السجود للسهو بعد كمالها وتمامها. والله سبحانه وتعالى أعلم.

التالي السابق


الخدمات العلمية