صفحة جزء
[ ص: 423 ] 7 - باب

تقضي الحائض المناسك كلها إلا الطواف بالبيت

وقال إبراهيم : لا بأس أن تقرأ الآية .

ولم ير ابن عباس بالقراءة للجنب بأسا .

وكان النبي صلى الله عليه وسلم يذكر الله على كل أحيانه .

وقالت أم عطية : كنا نؤمر أن يخرج الحيض ، فيكبرن بتكبيرهم ويدعون .

قال ابن عباس : أخبرني أبو سفيان أن هرقل دعا بكتاب النبي صلى الله عليه وسلم فقرأه ، فإذا فيه : بسم الله الرحمن الرحيم : يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله الآية

وقال عطاء ، عن جابر : حاضت عائشة ، فنسكت المناسك غير الطواف بالبيت ، ولا تصلي .

وقال الحكم : إني لأذبح وأنا جنب .

وقال الله تعالى : ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه

299 305 - حدثنا أبو نعيم : نا عبد العزيز بن أبي سلمة ، عن عبد الرحمن بن القاسم ، [ عن القاسم] ، عن عائشة ، قالت : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا نذكر إلا الحج ، فلما جئنا سرف طمثت ، فدخل النبي صلى الله عليه وسلم وأنا أبكي ، فقال : ( ما [ ص: 424 ] يبكيك ؟ ) فقلت : لوددت والله أني لم أحج العام ! قال : ( لعلك نفست ؟ ) قلت : نعم ، قال : ( فإن ذلك شيء كتبه الله على بنات آدم ، فافعلي ما يفعل الحاج ، غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري ) .


مقصود البخاري بهذا الباب أن الحيض لا يمنع شيئا من مناسك الحج غير الطواف بالبيت والصلاة عقيبه ، وأن ما عدا ذلك من المواقف والذكر والدعاء لا يمنع الحيض شيئا منه ، فتفعله الحائض كله . فدخل في ذلك الوقوف بعرفة ، والمزدلفة ، ورمي الجمار ، وذكر الله عز وجل ودعاؤه في هذه المواطن . وكل هذا متفق على جوازه .

ولم يدخل في ذلك السعي بين الصفا والمروة ; لأنه تابع للطواف لا يفعل إلا بعده ، ولم تكن عائشة طافت قبل حيضها ، فلو كانت قد طافت قبل حيضها لدخل فيه السعي أيضا .

وهذا كله متفق عليه بين العلماء إلا خلافا شاذا في الذكر ، وقد ذكرناه فيما سبق في ( أبواب الوضوء ) . وإلا السعي بين الصفا والمروة ; فإن للعلماء فيه اختلافا : هل يفعل مع الحيض ؟ أم لا ؟ والجمهور على جوازه مع الحيض ، ومنع منه طائفة من السلف . لكن منهم من علل ذلك بمنع تقدم السعي للطواف ; فلو كانت طافت ، ثم حاضت - لزال المنع حينئذ على هذا التعليل ، وحكي المنع رواية عن أحمد ، وحكي عن ابن عمر .

ومنع إسحاق الجنب من السعي دون الحائض ; لأن الجنب لا عذر له في تأخير الغسل بخلاف الحائض .

وقد روى يحيى بن يحيى الأندلسي حديث عائشة الذي خرجه البخاري [ ص: 425 ] هاهنا عن مالك ، عن عبد الرحمن بن القاسم ، وقال فيه : ( غير أن لا تطوفي بالبيت ، ولا بالصفا والمروة - حتى تطهري ) .

وزيادة ( الصفا والمروة ) وهم على مالك ، لم يذكره عنه أحد غير يحيى ، قاله ابن عبد البر .

وفي ( صحيح مسلم ) عن أبي الزبير ، عن جابر - وذكر قصة عائشة في حيضها في الحج ، وقال في آخره : فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم : ( اغتسلي ، ثم أهلي بالحج ) . ففعلت ، ووقفت المواقف ، حتى إذا طهرت طافت بالكعبة والصفا والمروة .

وخرج البخاري في ( الحج ) من حديث عطاء ، عن جابر ، قال : حاضت عائشة ، فنسكت المناسك كلها ، غير أنها لم تطف بالبيت . فلما طهرت طافت بالبيت .

وهذا هو الذي علقه البخاري هاهنا ، وزاد فيه : ( ولا تصلي ) .

وهذه اللفظة خرجها الإمام أحمد من رواية أبي الزبير ، فذكر الحديث ، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها : ( اغتسلي ، وأهلي بالحج ، ثم حجي واصنعي ما يصنع الحاج ، غير أن لا تطوفي بالبيت ولا تصلي ) . قالت : ففعلت ذلك . فلما طهرت قال : ( طوفي بالبيت وبين الصفا والمروة ) .

وأما طواف الحائض بالبيت فالجمهور على تحريمه ، ورخص فيه طائفة من المالكية إذا لم تحتبس لها الرفقة أن تطوف للإفاضة حينئذ ، وسنذكر ذلك في موضعه من ( الحج ) إن شاء الله تعالى .

[ ص: 426 ] وأما حديث أم عطية في إخراج الحيض في العيدين فقد خرجه البخاري في مواضع متعددة من ( كتابه ) مبسوطا ، وفيه دليل على جواز الذكر والدعاء للحائض .

وأما ما ذكره تعليقا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يذكر الله على كل أحيانه فخرجه مسلم في ( صحيحه ) من حديث البهي ، عن عروة ، عن عائشة .

وذكر الترمذي في ( علله ) أنه سأل البخاري عنه ، فقال : هو حديث صحيح .

وذكر ابن أبي حاتم ، عن أبي زرعة ، أنه قال : لم يرو إلا من هذا الوجه ، وليس هو بذاك .

وفيه دليل على أن الذكر لا يمنع منه حدث ولا جنابة ، وليس فيه دليل على جواز قراءة القرآن للجنب ; لأن ذكر الله إذا أطلق لا يراد به القرآن .

واستدلاله بقوله تعالى : ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه - فهو دليل على جواز التسمية للحائض والجنب ; فإنهما غير ممنوعين من التذكية .

قال ابن المنذر : لا أعلم أحدا منع من ذلك . قال : وأجمع أهل العلم على أن لهما أن يذكرا الله ويسبحانه .

فلم يبق مما ذكره البخاري في هذا الباب سوى قراءة القرآن ، وظاهر كلامه أن الحائض لا تمنع من القراءة . واستدل [بكتابة] النبي صلى الله عليه وسلم البسملة مع آية من القرآن إلى هرقل .

[ ص: 427 ] وذكر عن النخعي أن الحائض تقرأ الآية ، وعن ابن عباس أنه لم ير بالقرآن للجنب بأسا .

أما ابن عباس فقد حكى عنه جواز القرآن للجنب غير واحد . قال ابن المنذر : روينا عن ابن عباس أنه كان يقرأ ورده وهو جنب ، ورخص عكرمة وابن المسيب في قراءته . وقال ابن المسيب : أليس في جوفه ؟ انتهى .

وكذا قال نافع بن جبير بن مطعم في قراءة القرآن على غير طهارة : لا بأس به ، أليس القرآن في جوفه ؟

وممن رأى الرخصة في قراءة القرآن للجنب قسامة بن زهير ، والحكم ، وربيعة ، وداود .

وروي أيضا عن معاذ بن جبل ، وأنه قال : ما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شيء من ذلك .

خرجه ابن جرير بإسناد ساقط لا يصح ، والظاهر أنه مما وضعه محمد بن سعيد المصلوب ، وأسقط اسمه من الإسناد ; فقد وجدنا أحاديث متعددة بهذا الإسناد ، وهي من موضوعات المصلوب .

وحكي جواز القراءة للجنب والحائض عن طائفة من أهل الحديث ، منهم ابن المنذر والطحاوي .

وأما من رخص للجنب في قراءة الآية فقد حكاه البخاري عن النخعي في الحائض .

وفي ( كتاب ابن أبي شيبة ) عن النخعي أن الحائض والجنب لا يتم الآية .

[ ص: 428 ] وروى أبو حنيفة ، عن حماد ، عن إبراهيم في الجنب : لا بأس أن يقرأ الآية . قال أبو حنيفة : والحائض مثله .

وحكي رواية عن أحمد بجواز قراءة الآية ، وهي مخرجة من كلامه ، ليست منصوصة عنه ، وفي صحة تخريجها نظر .

وروي عن طائفة الرخصة في قراءة الآية والآيتين ، روي عن سعيد بن جبير وعبد الله بن مغفل ، وعكرمة .

وروي عن عكرمة : لا بأس للجنب أن يقرأ ، ما لم يقرأ السورة .

ومنهم من رخص في قراءة ما دون الآية ، وهو مروي عن جابر بن زيد ، وعطاء ، وسعيد بن جبير ، والنخعي ، والثوري ، ورواية عن أحمد ، وإسحاق ، وحكي عن الطحاوي .

ومنع الأكثرون الحائض والجنب من القراءة بكل حال ، قليلا كان أو كثيرا . وهذا مروي عن أكثر الصحابة ، روي عن عمر . وروي عنه أنه قال : لو أن جنبا قرأ القرآن لضربته .

وعن علي قال : لا يقرأ ولا حرفا .

وعن ابن مسعود ، وسلمان ، وابن عمر .

وروي عن جابر ، قال البيهقي : وليس بقوي .

وروي عن ابن عباس بإسناد لا يصح .

وهو قول أكثر التابعين ، ومذهب الثوري ، والأوزاعي ، وابن المبارك ، وأبي حنيفة ، والشافعي ، وأحمد وإسحاق في إحدى الروايتين عنهما ، وأبي ثور وغيرهم .

وهو قول مالك في الجنب ، إلا أنه رخص له في قراءة آيتين وثلاث عند المنام للتعوذ .

[ ص: 429 ] ورخص الأوزاعي له في تلاوة آيات الدعاء والتعوذ تعوذا لا قراءة . وهذا أصح الوجهين للشافعية أيضا .

وقال سعيد بن عبد العزيز : رخص للحائض والجنب في قراءة آيتين عند الركوب والنزول : سبحان الذي سخر لنا هذا الآية ، و رب أنزلني منزلا مباركا الآية .

وعن مالك في الحائض روايتان إحداهما : هي كالجنب ، والثانية أنها تقرأ . وهو قول محمد بن مسلمة ; لأن مدة الحيض تطول ، فيخشى عليها النسيان ، وهي غير قادرة على الغسل ، بخلاف الجنب .

وحكى أبو ثور ذلك عن الشافعي ، وأنكره أصحاب الشافعي عنه .

وعكس ذلك آخرون ، منهم عطاء ، قال : الحائض أشد شأنا من الجنب ، الحائض لا تقرأ شيئا من القرآن ، والجنب يقرأ الآية . خرجه ابن جرير بإسناده عنه .

ووجه هذا أن حدث الحيض أشد من حدث الجنابة ; فإنه يمنع ما يمنع منه حدث الجنابة وزيادة ، وهي الوطء والصوم . وما قيل من خشية النسيان فإنه يندفع بتذكر القرآن بالقلب ، وهو غير ممنوع به .

وفي نهي الحائض والجنب عن القراءة أحاديث مرفوعة ، إلا أن أسانيدها غير قوية . كذا قال الإمام أحمد في قراءة الحائض ، وكأنه يشير إلى أن الرواية في الجنب أقوى ، وهو كذلك .

وأقوى ما في الجنب حديث عبد الله بن سلمة ، عن علي ، قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج من الخلاء ، فيقرئنا القرآن ، ويأكل معنا اللحم ، ولم يكن يحجبه - أو يحجزه - عن القرآن شيء ليس الجنابة .

[ ص: 430 ] خرجه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه ، وخرجه الترمذي بمعناه ، وقال : حسن صحيح . وخرجه ابن خزيمة وابن حبان في ( صحيحيهما ) والحاكم ، وقال : صحيح الإسناد .

وتكلم فيه الشافعي وغيره ; فإن عبد الله بن سلمة هذا رواه بعدما كبر ، قال شعبة عنه : كان يحدثنا ، فكنا نعرف وننكر . وقال البخاري : لا يتابع في حديثه . ووثقه العجلي ويعقوب بن شيبة ، وقال ابن عدي : أرجو أنه لا بأس به .

والاعتماد في المنع على ما روي عن الصحابة ، ويعضده قول عائشة وميمونة في قراءة النبي صلى الله عليه وسلم القرآن في حجرهما في حال الحيض ; فإنه يدل على أن للحيض تأثيرا في منع القراءة .

وأما استدلال المجيزين بحديث عائشة ( اصنعي ما يصنع الحاج غير أن لا تطوفي ) - فلا دلالة لهم فيه ; فإنه ليس في مناسك الحج قراءة مخصوصة حتى تدخل في عموم هذا الكلام ، وإنما تدخل الأذكار والأدعية .

وأما الاستدلال بحديث الكتاب إلى هرقل فلا دلالة فيه ; لأنه إنما كتب ما تدعو الضرورة إليه للتبليغ ، وقد سبق ذكر ذلك في شرح حديث هرقل في أول الكتاب .

وقد اختلف العلماء في تمكين الكافر من تلاوة القرآن ، فرخص فيه الحسن وأبو حنيفة وغيرهما . ومنهم من منع منه ، وهو قول أبي عبيد وغيره .

واختلف أصحابنا في ذلك ; فمنهم من منعه مطلقا ، ومنهم من رخص فيه [ ص: 431 ] مطلقا . ومنهم من جوزه إذا رجي من حال الكافر الاستهداء والاستبصار ، ومنعه إذا لم يرج ذلك .

والمنقول عن أحمد أنه كرهه .

وقال أصحاب الشافعي : إن لم يرج له الاستهداء بالقراءة منع منها ، وإن رجي له ذلك لم يمنع على أصح الوجهين .

التالي السابق


الخدمات العلمية