صفحة جزء
[ ص: 454 ] 10 - باب

اعتكاف المستحاضة

خرج فيه حديث عكرمة ، عن عائشة من ثلاثة طرق :

أحدها :

قال :

303 309 - نا إسحاق بن شاهين : نا خالد بن عبد الله ، عن خالد ، عن عكرمة ، عن عائشة - أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتكف معه بعض نسائه ، وهي مستحاضة ترى الدم ، وربما وضعت الطست تحتها من الدم . وزعم أن عائشة رأت ماء العصفر ، فقالت : كأن هذا شيء كانت فلانة تجده .

خالد بن عبد الله هو الطحان الواسطي ، وشيخه : خالد هو الحذاء .

والثاني :

قال :

304 310 - ثنا قتيبة : نا يزيد بن زريع ، عن خالد يعني : الحذاء ، عن عكرمة ، عن عائشة ، قالت : اعتكفت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة من أزواجه ، فكانت ترى الدم والصفرة والطست تحتها ، وهي تصلي .

والثالث :

قال :

305 311 - نا مسدد : نا معتمر ، عن خالد ، عن عكرمة ، عن عائشة - أن بعض أمهات المؤمنين اعتكفت وهي مستحاضة .


[ ص: 455 ] وهذه الرواية ليس فيها تصريح برفعه ; فإنه ليس فيها أن ذلك كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا أنه كان معها . وفي إسناده اختلاف أيضا ; فإن عبد الوهاب الثقفي [رواه] عن خالد ، عن عكرمة - أن عائشة قالت . [وهذه] الرواية تشعر بأنه لم يسمعه منها .

وروي عن معتمر ، عن خالد ، عن عكرمة ، عن ابن عباس . وهو وهم ، قاله الدارقطني .

وهذا الحديث يدل على أن المستحاضة من أهل العبادات كالطاهرة ، فكما أنها تصلي فإنها تصوم ، وتعتكف ، وتجلس في المسجد ، وتقرأ القرآن ، وتمس المصحف ، وتطوف بالبيت ; فإن اعتكاف النبي صلى الله عليه وسلم غالبه كان في شهر رمضان ، فلو كانت المستحاضة كالحائض لا تصوم لم تعتكف ، لا سيما على رأي من يقول : إن الاعتكاف لا يصح بغير صوم . وقد حكى إسحاق بن راهويه إجماع المسلمين على ذلك .

وروى عبد الرزاق ، عن ابن جريج ، عن الثوري ، عن جابر ، عن أبي جعفر ، قال : جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقالت : إني استحضت في غير قرئي ! قال : ( فاحتشي كرسفا ، وصومي ، وصلي ، واقضي ما عليك ) . وهذا مرسل .

وفيه خلاف شاذ .

[ ص: 456 ] روى عبد الرزاق ، عن الثوري ، عن منصور ، عن إبراهيم ، قال : المستحاضة لا تصوم ، ولا يأتيها زوجها ، ولا تمس المصحف .

وعن معمر ، عن أيوب ، قال : سئل سليمان بن يسار : أيصيب المستحاضة زوجها ؟ قال : إنما سمعنا بالرخصة لها في الصلاة .

ونقل صالح بن أحمد ، عن أبيه في المستحاضة : لا تطوف بالبيت ، إلا أن تطول بها الاستحاضة .

قال أبو حفص العكبري : لعلها غلط من الراوي ; فإن الصحيح عن أحمد أن المستحاضة بمنزلة الطاهرة تطوف بالبيت .

قال في رواية الميموني : المستحاضة أحكامها أحكام الطاهرة في عدتها وصلاتها وحجها وجميع أمرها . ونقل عنه ابن منصور : تطوف بالبيت .

وأما ما وقع في رواية صالح أنها لا تطوف إلا أن يطول بها فلعله اشتبه على الراوي الطواف بالوطء ; فإن ابن منصور نقل عن أحمد ذلك في الوطء ، وصالح وابن منصور متفقان في نقل المسائل عن أحمد في الغالب .

ولكن قد روي عن ابن عمر ما يشعر بمنع المستحاضة من الطواف ، فروى عبد الرزاق ، عن معمر ، عن واصل مولى ابن عيينة عن رجل سأل ابن عمر عن امرأة تطاول بها الدم ، فأرادت تنفر ، وأرادت تشرب دواء ليقطع عنها [ ص: 457 ] الدم ! قال : لا بأس به . ونعت ابن عمر لها ماء الأراك . وقال ابن جريج ، عن عطاء ، أنه لم ير به بأسا .

قال معمر : وسمعت [ ابن] أبي نجيح يسأل عن ذلك ، فلم ير به بأسا .

فظاهر هذا أن المستحاضة مع تطاول الدم بها لا تطوف حتى ينقطع عنها الدم ، مع أنه يمكن حمله على تطاول دم الحيض ومجاوزته للعادة ، أو على أن الأولى للمستحاضة أن لا تطوف حتى ينقطع دمها . وجمهور العلماء على جواز ذلك .

وقد خرجه عبد الرزاق في موضع آخر من ( كتابه ) ، وقال فيه : إن ابن عمر سئل عن امرأة تطاول بها دم الحيضة .

وممن رخص للمستحاضة في الطواف بالبيت ابن عمر ، وابن عباس ، وعائشة ، وسعيد بن المسيب ، وعطاء ، وسعيد بن جبير ، وغيرهم .

قال سعيد بن المسيب : تقضي المناسك كلها . وهو قول الثوري ، وأبي حنيفة ، ومالك ، والشافعي ، وجمهور العلماء .

وفي حديث عائشة في اعتكاف المستحاضة ما يدل على أن دم الاستحاضة يتميز عن دم الحيض بلونه وصفرته ، وقد يتعلق بذلك من يقول باعتبار التمييز كما تقدم .

التالي السابق


الخدمات العلمية