صفحة جزء
[ ص: 458 ] 11 - باب

هل تصلي المرأة في ثوب حاضت فيه ؟

306 312 - حدثنا أبو نعيم : نا إبراهيم بن نافع ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قال : قالت عائشة : ما كان لإحدانا إلا ثوب واحد تحيض فيه ، فإذا أصابه شيء من الدم قالت بريقها ، فمصعته بظفرها .


وقد خرجه أبو داود ، عن محمد بن كثير : نا إبراهيم - يعني : ابن نافع - قال : سمعت الحسن يذكر عن مجاهد ، قال : قالت عائشة : ما كان لإحدانا إلا ثوب واحد فيه تحيض ، فإن أصابه شيء من دم بلته بريقها ، ثم قصعته بريقها .

فخالف في إسناده حيث جعل ( الحسن ) وهو ابن مسلم بدل ( ابن أبي نجيح ) ، وفي متنه حيث قال : ( قصعته ) بالقاف .

وكذا خرجه الإسماعيلي من حديث أبي حذيفة ، عن إبراهيم ، إلا أنه قال : ( قصعته بظفرها ) . وكأنه يشير إلى أن هذه الرواية أصح من رواية البخاري .

قال الخطابي : مصعته بظرفها ، أي : بالغت في حكه . وأصل المصع الضرب الشديد .

قال : وروي ( قصعته ) أي : دلكته بالظفر ، وعالجته به ، ومنه قصع القملة .

[ ص: 459 ] وقد سبق الحديث الذي خرجه البخاري من رواية عمرو بن الحارث ، عن عبد الرحمن بن القاسم ، عن أبيه ، عن عائشة ، قالت : كانت إحدانا تحيض ، ثم تقرص الدم من ثوبها عند طهرها ، فتغسله ، وتنضح على سائره ، ثم تصلي فيه .

ولكن هذا فيه غسل الدم .

ورواه الأوزاعي ، عن عبد الرحمن بن القاسم ، عن أبيه ، عن عائشة - أنها أفتت بذلك ، ولم يذكر حكاية فعلها من قبل .

وخرج أبو داود من رواية ابن عيينة ، عن ابن أبي نجيح ، [عن عطاء ] ، عن عائشة ، قالت : قد كان يكون لإحدانا الدرع ، فيه تحيض ، وفيه تصيبها الجنابة . ثم ترى فيه قطرة من دم ، فتقصعه بريقها .

فهذا أيضا فيه ذكر القصع بالريق كحديث مجاهد عن عائشة ، ولكن فيه أن ذلك كانت تفعله بالقطرة من الدم ، فيحمل ذلك على أنها كانت ترى ذلك يسيرا ، فيعفى عن أثره ، ويحتمل أنها كانت ترى الريق مطهرا ، فيكون فيه دلالة على طهارة النجاسة بغير الماء .

وروى محمد بن سعد في ( طبقاته ) : أنا الواقدي : ثنا ابن أبي ذئب ، عن صفية بنت زياد ، قالت : رأتني ميمونة وأنا أغسل ثوبي من الحيضة ، فقالت : ما كنا نفعل هذا ، إنما كنا نحته حتا .

الواقدي ضعيف .

[ ص: 460 ] ويحمل [على] أنه كان دما يسيرا .

وروى أبو نعيم الفضل بن دكين في ( كتاب الصلاة ) : نا حبيب بن أبي [...] ، قال : حدثتني أختي ، عن أم جرير ، أنها كانت في نسوة عند عائشة ، فقالت إحداهن : [يا] أم المؤمنين ، المرأة تحيض في الثوب ، ثم تطهر ، أتصلي فيه ؟ قالت : إن رأت دما فلتغسله ، وإن [لم] تر دما فلتنضحه سبع مرات بالماء ، ثم لتصلي فيه .

إسناد مجهول .

وخرج أبو داود بإسناد فيه جهالة أيضا عن عائشة ، أنها قالت في الحائض يصيب ثوبها الدم : تغسله ، فإن لم يذهب أثره فلتغيره بشيء من صفرة . قالت : ولقد كنت أحيض عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث حيض جميعا ، لا أغسل لي ثوبا .

وبإسناد فيه جهالة أيضا عن أم سلمة ، قالت : قد كان يصيبنا الحيض عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فتلبث إحدانا أيام حيضها ، ثم تطهر ، فتطهر الثوب الذي كانت تلبث فيه ; فإن أصابه دم غسلناه وصلينا فيه ، وإن لم يكن أصابه شيء تركناه ، ولم يمنعنا ذلك أن نصلي فيه .

وخرج الطبراني من حديث أم سلمة ، قالت : كانت إحدانا تحيض في الثوب ، فإذا كان يوم طهرها غسلت ما أصابه ، ثم صلت فيه ، وإن إحداكن اليوم تفرغ خادمها ليغسل ثيابها يوم طهرها .

وفي إسناده المنهال بن خليفة ، ضعفوه .

[ ص: 461 ] وخرجه وكيع عنه في ( كتابه ) .

وروى وكيع أيضا عن سفيان ، عن أبي هاشم ، عن سعيد بن جبير ، قال : إن كان بعض أمهات المؤمنين لتقرص الدم من ثوبها بريقها .

وعن أبي العوام الباهلي ، عن عطاء ، قال : لقد كانت المرأة وما لها إلا الثوب الواحد ، فيه تحيض ، وفيه تصلي .

وعن الفضل بن دلهم ، قال : سألت الحسن عن المرأة تحيض في الثوب ، فتعرق فيه ! قال : لا بأس ، إلا أن ترى دما تغسله .

فأما ما خرجه الإمام أحمد وأبو داود من حديث ابن لهيعة ، عن يزيد بن أبي حبيب ، عن عيسى بن طلحة ، عن أبي هريرة - أن خولة بنت يسار أتت النبي صلى الله عليه وسلم ، فقالت : يا رسول الله ، ليس لي إلا ثوب واحد ، وأنا أحيض فيه ، فكيف أصنع ؟ قال : ( إذا طهرت فاغسليه ، ثم صلي فيه ) . فقالت : فإن لم يخرج الدم ؟ قال : ( يكفيك الماء ، ولا يضرك أثره ) .

فابن لهيعة لا يحتج برواياته في مخالفة روايات الثقات .

وقد اضطرب في إسناده فرواه تارة كذلك ، وتارة رواه عن عبيد الله بن أبي جعفر ، عن موسى بن طلحة ، عن أبي هريرة .

وخرجه الإمام أحمد من هذا الوجه أيضا .

وهذا يدل على أنه لم يحفظه .

[ ص: 462 ] وقد يحمل على أنه أمرها بغسل دم الحيض منه .

وقد حكى بعض أصحابنا في كراهة الصلاة في ثوب الحائض والمرضع روايتين عن أحمد .

وقد روي عن عائشة ، قالت : كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يصلي في [لحف] نسائه . وخرجه النسائي والترمذي وصححه .

وخرجه أبو داود ، وعنده : لا يصلي في شعرنا أو لحفنا ، بالشك .

وفي رواية للإمام أحمد : لا يصلي في شعرنا من غير شك .

و( الشعار ) : هو الثوب الذي يلبس على الجسد .

وقد أنكره الإمام أحمد إنكارا شديدا .

وفي إسناده اختلاف على ابن سيرين .

وقد روي عنه أنه قال : سمعته منذ زمان ، ولا أدري ممن سمعته ، ولا أدري أسمعته من ثبت أو لا ; فاسألوا عنه .

ذكره أبو داود في ( سننه ) ، والبخاري في ( تاريخه ) .

وقال أبو بكر الأثرم : أحاديث الرخصة أكثر وأشهر . قال : ولو فسد على الرجال الصلاة في شعر النساء لفسدت الصلاة فيها على النساء .

وهذا الكلام يدل على أن النساء لا يكره لهن الصلاة في ثياب الحيض بغير خلاف ، إنما الخلاف في الرجال .

[ ص: 463 ] والأحاديث التي أشار إليها في الرخصة متعددة ; ففي ( صحيح مسلم ) ، عن عائشة ، قالت : كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل وأنا إلى جنبه ، وأنا حائض ، علي مرط ، وعليه بعضه .

وخرج النسائي ، عن عائشة ، قالت : كنت أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم [نبيت] في الشعار الواحد ، وأنا حائض طامث ، فإن أصابه مني شيء غسلت ما أصابه ، لم يعده إلى غيره ، ثم صلى فيه .

وخرج أبو داود وابن ماجه ، عن ميمونة ، قالت : إن النبي صلى الله عليه وسلم صلى وعليه مرط ، وعلى بعض أزواجه منه ، وهي حائض ، وهو يصلي ، وهو عليه .

وخرج الإمام أحمد من حديث حذيفة ، قال : قام النبي صلى الله عليه وسلم يصلي ، وعليه طرف لحاف ، وعلى عائشة طرفه ، وهي حائض لا تصلي .

قال أبو عبيد في ( غريبه ) : الناس على هذا ، يعني : على عدم كراهته .

واعلم أن الصلاة في ثوب الحائض ليست كراهته من أجل عرقها ; [فإن] عرق الحائض طاهر ، نص عليه أحمد وغيره من الأئمة ، ولا يعرف فيه [خلاف] ، قاله أبو عبيد وابن المنذر وغيرهما ، حتى قال حماد : إنما يغسل الثوب من عرق الحائض المجوس .

وروى محمد بن عبد الله الأنصاري ، عن هشام بن حسان ، عن حفصة بنت سيرين ، قالت : سألت امرأة عائشة ، قالت : يكون علي الثوب أعرق فيه أيام تحيضي ، أصلي فيه ؟ قالت : نعم . قالت : وربما أصابه من دم [ ص: 464 ] المحيض ! قالت : فاغسليه . قالت : فإن لم يذهب أثره ! قالت : فلطخيه بشيء من زعفران .

وإنما كره من كره ذلك لاحتمال أن يكون أصابه شيء من دم الحيض لم يطهر ، كذا قاله أبو عبيد وغيره .

والصواب أنه لا تكره الصلاة فيه ، وأنه يغسل ما رئي فيه من الدم وينضح ، ما لم ير فيه شيء ، ثم تصلي فيه ، كما دلت عليه هذه السنن والآثار .

قال سفيان الثوري : الحائض لا تغسل ثوبها الذي حاضت فيه ، إلا أن ترى دما فتغسله .

وأما نضح ما لم تر فيه دما فهو مبني على أن النضح تطهير لما شك في نجاسته ، وهذا قول مالك وجماعة من أهل العلم ، وفيه خلاف سبق ذكره مستوفى في ( أبواب الوضوء ) .

التالي السابق


الخدمات العلمية