صفحة جزء
[ ص: 534 ] 27 - باب

المرأة تحيض بعد الإفاضة

خرج فيه حديثين :

أحدهما :

322 328 - من حديث عمرة عن عائشة أنها قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم : إن صفية قد حاضت ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لعلها تحبسنا ، ألم تكن طافت معكن ؟ ) قالوا : بلى . قال : ( فاخرجي ) .

والثاني :

329 - من حديث طاوس عن ابن عباس ، قال : رخص للحائض أن تنفر إذا حاضت .

323 330 - وكان ابن عمر يقول في أول أمره : إنها لا تنفر . ثم سمعته يقول : تنفر ; إن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص لهن .


قد سبق أن الحائض ممنوعة من الطواف في حال حيضها ، فإن حاضت قبل طواف الإفاضة فإنها لا تنفر حتى تطوف للإفاضة . وإن طافت طواف الإفاضة ، ثم حاضت - فذهب جمهور أهل العلم إلى أنها تنفر ، كما دلت عليه هذه الأحاديث الثلاثة ، أعني : حديث عائشة ، وابن عمر ، وابن عباس .

وقد روي عن عمر وابنه عبد الله وزيد بن ثابت أنهم قالوا : لا تنفر حتى تطهر ، وتطوف للوداع . ووافق جماعة من الأنصار زيد بن ثابت في قوله هذا ، وتركوا قول ابن عباس .

فأما ابن عمر فقد صح عنه برواية طاوس هذه أنه رجع عن ذلك .

[ ص: 535 ] وأما زيد ففي ( صحيح مسلم ) عن طاوس أيضا أنه قال : كنت مع ابن عباس إذ قال زيد بن ثابت : أتفتي أن تصدر الحائض قبل أن يكون عهدها بالبيت ؟ فقال له ابن عباس : إما لا ، فسل فلانة الأنصارية ، هل أمرها بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : فرجع زيد إلى ابن عباس يضحك ، وهو يقول : ما أراك إلا قد صدقت !

وأما عمر فقد روي أيضا أنه رجع عما قاله في ذلك ، فروى عبد الرزاق ، أبنا محمد بن راشد ، عن سليمان بن موسى ، عن نافع ، قال : رد عمر نساء من ثنية هرشى ، وذلك أنهن أفضن يوم النحر ، ثم حضن فنفرن ، فردهن حتى يطهرن ويطفن بالبيت . قال : ثم بلغ عمر بعد ذلك حديث [غير] ما صنع ، فترك عمر صنيعه الأول .

قال : وأبنا محمد بن راشد : أخبرني عبدة بن أبي لبابة ، عن هشام بن يحيى المخزومي - أن رجلا من ثقيف أتى عمر بن الخطاب ، فسأله عن امرأة زارت يوم النحر ، ثم حاضت ؟ قال : فلا تنفر حتى تطهر ، فيكون آخر عهدها بالبيت . فقال الرجل : فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر في مثل هذه المرأة بغير ما أفتيت ! فضربه عمر بالدرة ، وقال : ولم تستفتيني في شيء قد أفتى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟

وخرج الإسماعيلي في ( مسند عمر ) من طريق هشام بن عمار : ثنا صدقة ، ثنا الشعيثي ، عن زفر بن وثيمة - أن رجلا من ثقيف أتى عمر ، فقال : امرأة منا حاضت ، وقد أفاضت يوم النحر ! فقال : ليكن آخر عهدها بالبيت . فقال : إن النبي صلى الله عليه وسلم أفتى امرأة منا أن تصدر ! فحمل عمر عليه ، فضربه ، وقال : تستفتيني في شيء قد أفتى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟

[ ص: 536 ] وقد روي على وجه آخر خرجه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي من رواية الوليد بن عبد الرحمن ، عن الحارث بن عبد الله بن أوس ، قال : أتيت عمر بن الخطاب ، فسألته عن المرأة تطوف بالبيت يوم النحر ، ثم تحيض ، فقال : ليكن آخر عهدها بالبيت . قال الحارث : كذلك أفتاني رسول الله صلى الله عليه وسلم ! فقال عمر : أربت عن يديك ; سألتني عن شيء سألت عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم لكيما أخالف !

والوليد هذا ليس بالمشهور .

وخرجه الإمام أحمد والترمذي من طريق آخر ، عن الحارث بن عبد الله بن أوس ، قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : ( من حج هذا البيت أو اعتمر فليكن آخر عهده بالبيت ) . فقال له عمر : خررت من يديك ! سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولم تخبرنا به !

وفي إسناده حجاج بن أرطاة ، وقد اختلف عليه في إسناده .

وهذه الرواية تدل على أن الحارث بن أوس لم يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم في الحائض بخصوصها إذا كانت قد أفاضت أنها تحتبس لطواف الوداع ، إنما سمع لفظا عاما . وقد صح الإذن للحائض إذا كانت قد طافت للإفاضة أن تنفر ، فيخص من ذلك العموم . وعلى هذا عمل العلماء كافة من الصحابة فمن بعدهم .

وقد روى عبد الرزاق ، عن الثوري ، عن أبي فروة - أنه سمع القاسم بن محمد يقول : رحم الله عمر ! كل أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم قد أمروها بالخروج . [ ص: 537 ] يقول : إذا كانت أفاضت .

وروى بإسناده عن سعد بن أبي وقاص أنه ذكر له قول عمر : لا تنفر حتى تطهر ليكون آخر عهدها بالبيت ، فقال : ما يجعلها حراما بعد إذ حلت ؟ إذا كانت قد طافت يوم النحر فقد حلت ، فلتنفر .

يشير سعد إلى أن من طاف طواف الإفاضة فقد حل الحل كله ، فلا يكون محتبسا بعد حله ، وإنما يبقى عليه بقايا من توابع المناسك ، كالرمي والمبيت بمنى وطواف الوداع . فما أمكن الحائض فعله من ذلك كالرمي والمبيت فعلته ، وما تعذر فعله عليها كالطواف سقط عنها ، ولم يجز إلزامها بالاحتباس له .

وكل من خالف في ذلك فإنما تمسك بعموم قد صح تخصيصه بنصوص صحيحة خاصة بالحائض ، ولم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم في الحائض بخصوصها نهي أن تنفر .

وحديث الرجل الثقفي الذي حدث عمر بما سمع من النبي صلى الله عليه وسلم قد روي على ثلاثة أوجه كما سبق ، وأسانيده ليست بالقوية ، فلا يكون معارضا لأحاديث الرخصة للحائض في النفر ; فإنها خاصة ، وأسانيدها في غاية الصحة والثبوت .

التالي السابق


الخدمات العلمية