صفحة جزء
[ ص: 189 ] 12 - باب

ما يذكر في الفخذ

قال أبو عبد الله:

ويروى عن ابن عباس وجرهد ومحمد بن جحش، عن النبي صلى الله عليه وسلم: الفخذ عورة .

وقال أنس: حسر النبي صلى الله عليه وسلم عن فخذه.

وحديث أنس أسند، وحديث جرهد أحوط، حتى يخرج من اختلافهم.

وقال أبو موسى: غطى النبي صلى الله عليه وسلم ركبتيه حين دخل عثمان.

وقال زيد بن ثابت: أنزل الله على رسوله وفخذه على فخذي، فثقلت علي حتى خفت أن ترض فخذي.


أشار البخاري - رحمه الله - في هذا الباب إلى اختلاف العلماء في أن الفخذ: هل هي عورة أم ليست بعورة؟ وأشار إلى أطراف كثير من الأحاديث التي يستدل بها على وجوب ستر الفخذ، وعدم وجوبه، ذكر ذلك تعليقا، ولم يسند غير حديث أنس المستدل به على أن الفخذ لا يجب سترها وليست عورة، وذكر أنه أسند من حديث جرهد - يعني: أصح إسنادا - وأن حديث جرهد أحوط ; لما في الأخذ به من الخروج من اختلاف العلماء.

فأما الأحاديث التي علقها في أن الفخذ عورة، فثلاثة: حديث ابن عباس ، وجرهد ، ومحمد بن جحش .

فحديث ابن عباس : من رواية أبي يحيى القتات ، عن مجاهد ، عن ابن عباس ، قال: مر النبي صلى الله عليه وسلم على رجل وفخذه خارجة، فقال: " غط فخذك ; [ ص: 190 ] فإن فخذ الرجل من عورته ".

خرجه الإمام أحمد .

وخرجه الترمذي - مختصرا - ولفظه: " الفخذ عورة "، وقال: حديث حسن. انتهى.

وأبو يحيى القتات ، اسمه: عبد الرحمن بن دينار ، ضعفه أحمد ويحيى والأكثرون.

وقد قيل: إن حبيب بن أبي ثابت تابعه على هذا الحديث، ولا يصح ذلك.

وحديث جرهد : من رواية مالك ، عن أبي النضر ، عن زرعة بن عبد الرحمن بن جرهد ، عن أبيه، قال: كان جرهد من أصحاب الصفة ، قال: جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم عندنا وفخذي منكشفة، فقال: " أما علمت أن الفخذ عورة؟ ".

خرجه الإمام أحمد وأبو داود .

وكذا خرجه مالك في " الموطأ "، ورواه بعضهم، عن مالك ، فقال: عن أبي النضر ، عن زرعة بن عبد الرحمن بن جرهد ، عن أبيه، عن جده.

وخرجه الترمذي من طريق ابن عيينة ، عن أبي النضر ، عن زرعة بن مسلم بن جرهد ، عن جده جرهد ، قال: مر النبي صلى الله عليه وسلم بجرهد في المسجد وقد انكشف فخذه، فقال: " إن الفخذ عورة ".

[ ص: 191 ] وقال: هذا حديث حسن، وما أرى إسناده بمتصل - يشير إلى أن زرعة لم يسمع من جده.

وقول ابن عيينة : زرعة بن مسلم بن جرهد وهم منه -: قال البخاري في " تاريخه " وإنما هو: زرعة بن عبد الرحمن ، وهو ثقة ; وثقه النسائي وغيره.

وخرجه الترمذي - أيضا - من رواية معمر ، عن أبي الزناد ، قال: أخبرني ابن جرهد ، عن أبيه، أن النبي صلى الله عليه وسلم مر به وهو كاشف عن فخذه، فقال له: " غط فخذك ; فإنها من العورة ".

وقال: حديث حسن.

وفي إسناده اختلاف كثير على أبي الزناد ، قد ذكره الدارقطني .

واختلف عليه في تسمية شيخه: فقيل: هو زرعة بن عبد الرحمن بن جرهد . وقيل: زرعة بن جرهد . وقيل: عبد الرحمن بن جرهد . وقيل: جرهد بن جرهد .

وخرجه الترمذي - أيضا - من رواية عبد الله بن محمد بن عقيل ، عن عبد الله بن جرهد ، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: " الفخذ عورة ".

وقال: حسن غريب. انتهى.

وابن عقيل ، مختلف في أمره، والأسانيد قبله لا تخلو من انقطاع.

وحديث محمد بن جحش : من رواية العلاء بن عبد الرحمن ، عن أبي كثير مولى محمد بن جحش ، عن محمد بن جحش - ختن النبي صلى الله عليه وسلم - [ ص: 192 ] عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه مر بمعمر وهو بفناء المسجد، محتبيا كاشفا عن طرف فخذه، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: " خمر فخذك يا معمر ; فإن الفخذ عورة ".

خرجه الإمام أحمد .

وأبو كثير هذا لا يعرف إلا في هذا الإسناد.

وفي الباب - أيضا -: عن علي ، من طريق ابن جريج ، عن حبيب بن ثابت ، عن عاصم بن ضمرة ، عن علي ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تكشف فخذك، ولا تنظر إلى فخذ حي ولا ميت ".

خرجه أبو داود وابن ماجه .

وقال أبو داود : فيه نكارة.

وله علتان:

إحداهما: أن ابن جريج لم يسمعه من حبيب ، ومن قال فيه: " عن ابن جريج : أخبرني حبيب " فقد وهم - قال علي ابن المديني :

وفي رواية أبي داود : " عن ابن جريج ، قال: أخبرت عن حبيب "، وهو الصحيح.

قال ابن المديني : رأيته في كتب ابن جريج : أخبرني إسماعيل بن مسلم ، عن حبيب -: نقله عنه يعقوب بن شيبة .

ونقل ابن أبي حاتم الرازي عن أبيه، قال: لم يسمع ابن جريج هذا الحديث من حبيب ، إنما هو من حديث عمرو بن خالد الواسطي ، فأرى أن ابن جريج أخذه من الحسن بن ذكوان ، عن عمرو بن خالد ، عن حبيب .

[ ص: 193 ] العلة الثانية: أن حبيب بن أبي ثابت لم تثبت له رواية عن عاصم بالسماع منه -: قاله أبو حاتم الرازي والدارقطني .

وقال ابن المديني : لا تصح عندي روايته عنه.

وأما أحاديث الرخصة: فحديث أنس في حسر الإزار، قد أسنده في هذا الباب.

وحديث أبي موسى قد خرجه البخاري في " المناقب " من " كتابه " هذا، ولفظه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان قاعدا في مكان فيه ماء، قد انكشف عن ركبتيه - أو ركبته - فلما دخل عثمان غطاها .

وهذا إنما فيه أن الركبة ليست عورة، وليس فيه ذكر الفخذ.

وخرجه - أيضا - من وجه آخر، عن أبي موسى ، أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل بئر أريس ، وجلس على القف ، وكشف عن ساقيه، ودلاهما في البئر .

وهذا لا دلالة فيه بحال.

وقد خرجه الطبراني من حديث الدراوردي ، عن شريك بن أبي نمر ، عن عطاء بن يسار ، عن أبي سعيد ، أن النبي صلى الله عليه وسلم دلى رجليه في البئر، وكشف عن فخذيه، وذكر أن أبا بكر وعمر وعثمان جلسوا معه، وفعلوا كفعله، وكشفوا عن أفخاذهم .

وهذا الإسناد وهم، إنما رواه شريك ، عن ابن المسيب ، عن أبي موسى باللفظ المذكور قبله، كذلك هو مخرج في " الصحيحين " من رواية شريك .

[ ص: 194 ] وحديث زيد بن ثابت : قد خرجه البخاري في " التفسير " بتمامه، وفيه دليل على أنه يجوز مس فخذ غيره من وراء حائل، ولو كان عورة لم يجز مسه من وراء حائل ولا غيره كالفرجين.

وقد خرج أبو داود حديث زيد بن ثابت من طريق آخر، بسياق مخالف لسياق البخاري ، وفيه: أن زيدا قال: كنت أكتب إلى جنب النبي صلى الله عليه وسلم، فغشيته السكينة، فوقعت فخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم على فخذي، فما وجدت ثقل شيء أثقل من فخذ رسول الله - وذكر الحديث.

وهذه الرواية تدل على أن ذلك لم يكن عن اختيار من النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما كان في حال غشيه عند نزول الوحي عليه.

وقد خرج البخاري في هذا الباب.

التالي السابق


الخدمات العلمية