صفحة جزء
373 [ ص: 245 ] 20 - باب

الصلاة على الحصير

وصلى جابر بن عبد الله وأبو سعيد في السفينة قياما.

وقال الحسن: تصلي قائما، ما لم تشق على أصحابك، تدور معها، وإلا فقاعدا


إنما افتتح هذا الباب بذكر الصلاة في السفينة ; لأن المصلي في السفينة لا يمكنه الصلاة على التراب، ولا على وجه الأرض، وإنما يصلي على خشب السفينة، أو ما فوقه من البسط أو الحصير أو الأمتعة والأحمال التي فيها.

ولهذا المعنى - والله أعلم - روي عن مسروق ومحمد بن سيرين أنهما كانا يحملان معهما في السفينة لبنة أو آجرة يسجدان عليها، والظاهر: أنهما فعلا ذلك لكراهتهما السجود على غير أجزاء الأرض، أو أن يكون اختارا السجود على اللبنة على الإيماء، كما اختار قوم من العلماء للمريض أن يسجد على وسادة ونحوها ولا يومئ.

وروى حماد بن زيد ، عن أنس بن سيرين ، أن أنس بن مالك صلى بهم في سفينة على بساط.

وقال حرب : قلت لأحمد في الصلاة في السفينة: يسجدون على الأحمال والثياب ونحو ذلك؟ فسهل فيه.

قال: وقال إسحاق : يصلي فيها قائما على البسط.

وروى ابن أبي شيبة : ثنا مروان بن معاوية ، عن حميد ، عن عبد الله [ ص: 246 ] بن أبي عتبة مولى أنس ، قال: سافرت مع أبي سعيد الخدري وأبي الدرداء وجابر بن عبد الله - قال حميد : وناس قد سماهم - فكان إمامنا يصلي بنا في السفينة قائما، ونصلي خلفه قياما ولو شئنا لأرفينا وخرجنا.

ورواه الأثرم عن ابن أبي شيبة ، وذكر أن أحمد احتج به.

وقد رواه عن حميد : معاذ بن معاذ وسفيان الثوري ، وقال: أراه ذكر منهم: أبا هريرة .

وروى الأثرم : ثنا مسلم بن إبراهيم : ثنا عبد الله بن مروان ، قال: سألت الحسن ، قلت: أسافر، فكيف الصلاة في السفينة؟ قال: قائما، ما لم يشق على أصحابك. قلت: إنها عواقيل؟ قال: أدرها كما تدور، فإذا استقبلت القبلة فصله.

وأكثر العلماء على أن المصلي في السفينة يلزمه أن يصلي قائما إذا قدر على ذلك من غير ضرر، وهو قول مالك والثوري والشافعي وأحمد .

وقالت طائفة: لا يلزمه القيام، وله أن يصلي قاعدا بكل حال إذا كانت سائرة، وهو قول أبي حنيفة وأصحابه.

وروي عن أنس أنه صلى بهم في السفينة قاعدا.

وعن مجاهد ، قال: كنا مع جنادة بن أبي أمية في البحر، فكنا نصلي قعودا.

وهذه قضايا أعيان، يحتمل أنهم فعلوا ذلك للخوف على أنفسهم، أو لضرر يحصل لهم بالقيام.

وقد روي في هذا حديث مرفوع عن جعفر بن برقان ، عن ميمون بن مهران ، عن ابن عمر ، أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر جعفر بن أبي طالب وأصحابه أن يصلوا في السفينة قياما، إلا أن يخافوا الغرق .

[ ص: 247 ] وقد رواه عن جعفر بن برقان : عبد الله بن داود الخريبي ، ولم يسمعه منه، بل قال: ثناه رجل من أهل الكوفة من ثقيف ، عن جعفر بن برقان .

واختلف عليه بعد ذلك في إسناده.

فقيل: عنه، عن ابن عمر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وقيل: عنه، عن ابن عباس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وقيل: عنه، عن ابن عمر ، عن جعفر بن أبي طالب .

ورواه حسين بن علوان ، عن جعفر بن برقان ، عن ميمون ، عن ابن عباس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وحسين متروك الحديث.

ورواه - أيضا - أبو نعيم الفضل بن دكين : ثنا جعفر بن برقان ، عن ميمون بن مهران ، عن ابن عمر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم.

خرجه من طريقه الدارقطني والبيهقي .

وهذا منكر، وفي صحته عن أبي نعيم نظر.

وقد خرجه الدارقطني من رواية بشر بن فافا عنه.

وهذا رجل لا يعرف حاله بالكلية، وقد وصفه بالجهالة جماعة، منهم عبد الحق الأشبيلي وابن الجوزي .

وخرجه الحاكم والبيهقي من طريق ابن أبي الحنين ، عن أبي نعيم .

[ ص: 248 ] وزعم الحاكم أنه على شرط الشيخين، وما أبعده من ذلك! ولو كان مقاربا لشرط البخاري فضلا عن أن يكون على شرطه لذكره تعليقا، ولم يقتصر على ما روي عن الصحابة خاصة.

وقال البيهقي : هو حسن. والله أعلم.

وقول الحسن : يدورون كلما دارت - يعني: أنهم يصلون إلى القبلة، فكلما انحرفت السفينة عن القبلة داروا معها.

وهذا مع القدرة، فإذا عجزوا عن ذلك للخوف على أنفسهم فإنه يكفيهم الاستقبال في أول الصلاة، نص عليه مالك وأحمد وغيرهما من الأئمة. والله أعلم.

التالي السابق


الخدمات العلمية