صفحة جزء
الحديث الثاني:

قال:

395 403 - حدثنا عبد الله بن يوسف: أبنا مالك، عن عبد الله بن دينار، عن عبد الله بن عمر، قال: بينا الناس بقباء في صلاة الصبح إذ جاءهم آت، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أنزل عليه الليلة قرآن، وقد أمر أن يستقبل الكعبة، فاستقبلوها، وكانت وجوههم إلى الشام فاستداروا إلى الكعبة.


قد تقدم في حديث البراء أن هذه القصة كانت في صلاة العصر، وفي حديث ابن عمر أنها كانت في صلاة الصبح.

وقد قيل: إن أهل قباء لم يبلغهم ذلك إلى الصبح، ومن دونهم إلى المدينة بلغهم في العصر يوم النسخ.

وفي هذا بعد، وقد سبق ذكره في الكلام على حديث البراء في " كتاب الإيمان ".

ومقصود البخاري بهذا الحديث في هذا الباب: أن من صلى إلى غير القبلة لعذر، مثل أن يظن أن القبلة في جهة فيصلي إليها، ثم تبين له أن جهة القبلة غيرها، إما في الصلاة أو بعد تمامها، فإنه لا إعادة عليه، وإن كان قد صلى إلى غير القبلة سهوا، فإنه استند إلى ما يجوز له الاستناد إليه عند اشتباه القبلة، [ ص: 321 ] وهو اجتهاده، وعمل بما أداه اجتهاده إليه، فلا يكون عليه إعادة.

كما أن أهل قباء صلوا بعض صلاتهم إلى بيت المقدس مستصحبين ما أمروا به من استقبال بيت المقدس ، ثم تبين لهم أن الفرض تحول إلى الكعبة ، فبنوا على صلاتهم وأتموها إلى الكعبة .

وهذا هو قول جمهور العلماء، منهم: ابن المسيب ، وعطاء ، والحسن ، والشعبي ، والثوري ، وابن المبارك ، وأبو حنيفة ، والشافعي - في القديم - وأحمد في ظاهر مذهبه، حتى قال أبو بكر عبد العزيز : لا يختلف قوله في ذلك، وهو قول إسحاق والمزني .

وقال مالك والأوزاعي : يعيد في الوقت، ولا يعيد بعده.

قال ابن عبد البر : وهذا على الاستحباب دون الوجوب.

وقال الشافعي - في الجديد -: يجب عليه أن يعيد.

وعليه عامة أصحابه، وهو قول المغيرة المخزومي من المالكية، وحكاه بعض أصحابنا رواية عن أحمد .

وفرقوا بين هذا وبين أهل قباء ، بأن أهل قباء لم يعتمدوا في صلاتهم على اجتهاد يحتمل الخطأ، بل على نص تمسكوا به، والناسخ له لم يبلغهم إلا في أثناء الصلاة.

فإن قيل: إن النسخ لا يثبت في حقهم إلا بعد بلوغهم، فلم يثبت في حقهم إلا في أثناء صلاتهم، فلذلك بنوا على ما مضى منها.

وإن قيل: يثبت في حقهم قبل ذلك، فقد تمسكوا بنص لا يجوز لهم تركه ولا الاجتهاد في خلافه، ولا يلزمهم البحث عن استمراره، فلا ينسبون إلى تفريط، بخلاف المجتهد المخطئ.

ويمكن أن يجاب عن ذلك: بأن أهل قباء قد صح أنهم بلغهم ذلك في [ ص: 322 ] صلاة الصبح، وقد ثبت بحديث البراء أن القبلة حولت في العصر، وبينهما زمان طويل، في مثله تنتشر الحوادث المهمة الواقعة، ولا سيما مثل هذه الحادثة المتعلقة بالصلاة، فإذا لم ينسبوا ذلك إلى نوع التفريط، فالمجتهد في طلب القبلة بما يسوغ له الاعتماد عليه أولى أن لا ينسب إلى تفريط وتقصير، إذا استفرغ جهده في الاستدلال والطلب، فإن ذلك يقع في الأسفار كثيرا، فالأمر بالإعادة يشق بخلاف الأمر بإعادة صلاة واحدة.

هذا حكم من خفيت عليه القبلة واجتهد في طلبها وأخطأ.

فإن تعذر الاجتهاد لظلمة ونحوها أو فقدت الأمارات أو تعارضت، وصلى بحسب حاله، ففي الإعادة وجهان لأصحابنا، أصحهما: لا يعيد، وهو مذهب الثوري وأبي حنيفة وغيرهما ؛ لأنه شرط عجز عنه فسقط كالطهارة والسترة، وكذا الجاهل بأدلة القبلة، إذا لم يجد من يسأله.

ومن أصحابنا من قال: لا إعادة عليه، وجها واحدا.

وهذا كله في السفر.

فأما في الحضر فلو أخطأ في القبلة أعاد عند الثوري ، وأحمد في ظاهر مذهبه.

التالي السابق


الخدمات العلمية