صفحة جزء
8 ثم قال البخاري رحمه الله :

ويزيد وينقص .

قال الله عز وجل : ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم وزدناهم هدى ويزيد الله الذين اهتدوا هدى والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم ويزداد الذين آمنوا إيمانا وقوله عز وجل : أيكم زادته هذه إيمانا فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانا وقوله : فاخشوهم فزادهم إيمانا وقوله : وما زادهم إلا إيمانا وتسليما


زيادة الإيمان ونقصانه قول جمهور العلماء .

وقد روي هذا الكلام عن طائفة من الصحابة كأبي الدرداء وأبي هريرة ، وابن عباس ، وغيرهم من الصحابة .

وروي معناه عن علي ، وابن مسعود أيضا .

وعن مجاهد ، وغيره من التابعين .

وتوقف بعضهم في نقصه ، فقال : يزيد ، ولا يقال : ينقص . وروي ذلك [ ص: 8 ] عن مالك ، والمشهور عنه كقول الجماعة .

وعن ابن المبارك قال : الإيمان يتفاضل ، وهو معنى الزيادة والنقص .

وقد تلا البخاري الآيات التي فيها ذكر زيادة الإيمان ، وقد استدل بها على زيادة الإيمان أئمة السلف قديما ، منهم عطاء بن أبي رباح ، فمن بعده .

وتلا البخاري - أيضا - الآيات التي ذكر فيها زيادة الهدى ; فإن المراد بالهدى هنا فعل الطاعات ، كما قال تعالى بعد وصف المتقين بالإيمان بالغيب وإقام الصلاة والإنفاق مما رزقهم ، وبالإيمان بما أنزل إلى محمد وإلى من قبله ، وباليقين بالآخرة ، ثم قال : أولئك على هدى من ربهم فسمى ذلك كله هدى ، فمن زادت طاعته فقد زاد هداه .

ولما كان الإيمان يدخل فيه المعرفة بالقلب ، والقول والعمل كله كانت زيادته بزيادة الأعمال ، ونقصانه بنقصانها .

وقد صرح بذلك كثير من السلف فقالوا : يزيد بالطاعة ، وينقص بالمعصية .

فأما زيادة الإيمان بزيادة القول ونقصانه بنقصانه فهو كالعمل بالجوارح أيضا ; فإن من زاد ذكره لله وتلاوته لكتابه زاد إيمانه ، ومن ترك الذكر الواجب بلسانه نقص إيمانه .

وأما المعرفة بالقلب فهل تزيد وتنقص ؟ على قولين :

أحدهما : أنها لا تزيد ولا تنقص .

قال يعقوب بن بختان : سألت أبا عبد الله - يعني أحمد بن حنبل - عن المعرفة والقول ، يزيد وينقص ؟ قال : لا ; قد جئنا بالقول والمعرفة ، وبقي العمل .

[ ص: 9 ] ذكره أبو الخلال في كتاب " السنة " .

ومراده بالقول : التلفظ بالشهادتين خاصة .

وهذا قول طوائف من الفقهاء والمتكلمين .

والقول الثاني : أن المعرفة تزيد وتنقص .

قال المروذي : قلت لأحمد : في معرفة الله بالقلب يتفاضل فيه ؟ قال : نعم . قلت : ويزيد ؟ قال : نعم .

ذكره الخلال عنه ، وأبو بكر عبد العزيز في كتاب " السنة " أيضا عنه .

وهو الذي ذكره القاضي أبو يعلى من أصحابنا في كتاب " الإيمان ، وكذلك ذكره أبو عبد الله ابن حامد .

وحكى القاضي في " المعتمد " ، وابن عقيل في المسألة روايتان عن أحمد ، وتأولا رواية أنه لا يزيد ولا ينقص .

وتفسر زيادة المعرفة بمعنيين :

أحدهما : زيادة المعرفة بتفاصيل أسماء الله وصفاته وأفعاله ، وأسماء الملائكة ، والنبيين وصفاتهم والكتب المنزلة عليهم ، وتفاصيل اليوم الآخر . وهذا ظاهر لا يقبل نزاعا .

والثاني : زيادة المعرفة بالوحدانية بزيادة معرفة أدلتها ; فإن أدلتها لا تحصر ; إذ كل ذرة من الكون فيها دلالة على وجود الخالق ووحدانيته ; فمن كثرت معرفته بهذه الأدلة زادت معرفته على من ليس كذلك .

وكذلك المعرفة بالنبوات واليوم الآخر والقدر وغير ذلك من الغيب الذي [ ص: 10 ] يجب الإيمان به .

ومن هنا فرق النبي - صلى الله عليه وسلم - بين مقام الإيمان ومقام الإحسان ، وجعل مقام الإحسان أن يعبد العبد ربه كأنه يراه ، والمراد أن ينور قلبه بنور الإيمان حتى يصير الغيب عنده مشهودا بقلبه كالعيان .

وقد ذكر محمد بن نصر المروزي في " كتابه " أن التصديق يتفاوت ، وحكاه عن الحسن والعلماء ، وهذا يشعر بأنه إجماع عنده .

ومما يدل على ذلك أيضا ما روى ابن وهب ، أنا عبد الرحمن بن ميسرة ، عن أبي هانئ الخولاني ، عن أبي عبد الرحمن الحبلي ، عن عبد الله بن عمرو ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن الإيمان ليخلق في جوف أحدكم كما يخلق الثوب الخلق ، فسلوا الله أن يجدد الإيمان في قلوبكم " .

خرجه الحاكم ، وقال : صحيح الإسناد .

التالي السابق


الخدمات العلمية