صفحة جزء
[ ص: 87 ] فصل

خرج البخاري ومسلم :

22 22 - من حديث عمرو بن يحيى المازني ، عن أبيه عن أبي سعيد ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : " يدخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار ، ثم يقول الله عز وجل : أخرجوا من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان ! فيخرجون منها قد اسودوا ، فيلقون في نهر الحيا أو الحياة - شك مالك - ، فينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل ; ألم تر أنها تخرج صفراء ملتوية ؟ "

قال البخاري :

وقال وهيب : حدثنا عمرو " الحياة " ، وقال : " خردل من خير " .


قد قيل : إن الرواية الصحيحة " الحيا " بالقصر .

و" الحيا "هو المطر ، قاله الخطابي وغيره .

هذا الحديث نص في أن الإيمان الذي في القلوب يتفاضل ; فإن أريد به مجرد التصديق ففي تفاضله خلاف سبق ذكره ، وإن أريد به ما في القلوب من أعمال الإيمان كالخشية والرجاء والحب والتوكل ونحو ذلك فهو متفاضل بغير نزاع .

وقد بوب البخاري على هذا الحديث " باب تفاوت أهل الإيمان في الأعمال " ، فقد يكون مراده الأعمال القائمة بالقلب ، كما بوب على " أن المعرفة [ ص: 88 ] فعل القلب ، وقد يكون مراده أن أعمال الجوارح تتفاوت بحسب تفاوت إيمان القلوب ; فإنهما متلازمان .

وقد ذكر البخاري أن وهيبا خالف مالكا في هذا الحديث ، وقال : " مثقال حبة من خير " .

وفي الباب أيضا من حديث أنس بمعنى حديث أبي سعيد ، وفي لفظه اختلاف كالاختلاف في حديث أبي سعيد .

وقد خرجه البخاري في موضع آخر ، وفيه زيادة " من قال : لا إله إلا الله " .

وهذا يستدل به على أن الإيمان القولي أعني كلمة التوحيد ، والإيمان القلبي وهو التصديق - لا يقتسمه الغرماء بمظالمهم ; بل يبقى على صاحبه ; لأن الغرماء لو اقتسموا ذلك لخلد بعض أهل التوحيد ، وصار مسلوبا ما في قلبه من التصديق ، وما قاله بلسانه من الشهادة .

وإنما يخرج عصاة الموحدين من النار بهذين الشيئين ، فدل على بقائهما على جميع من دخل النار منهم ، وأن الغرماء إنما يقتسمون الإيمان العملي بالجوارح .

وقد قال ابن عيينة وغيره : إن الصوم خاصة من أعمال الجوارح لا يقتسمه الغرماء أيضا .

وأما الحبة بكسر الحاء فهي أصول النبات والعشب ، وقد قيل : إنها تنزل مع المطر من السماء ، كذا قاله كعب وغيره .

وقد ذكره ابن أبي الدنيا في كتاب " المطر " ، وذكر فيه آثارا عن الأعراب .

وحميل السيل محموله ; فإن السيل يحمل من الغثاء ونحوه ما ينبت منه العشب .

[ ص: 89 ] وشبه نبات الخارجين من النار إذا ألقوا في نهر الحيا أو الحياة بنبات هذه الحبة ; لمعنيين :

أحدهما : سرعة نباتها .

والثاني : أنها تنبت صفراء ملتوية ، ثم تستوي وتحسن . فكذلك ينبت من يخرج من النار بهذا الماء نباتا ضعيفا ، ثم يقوى ويكمل نباته ويحسن خلقه .

وقد جعل الله نبات أجساد بني آدم كنبات الأرض ، قال الله تعالى : والله أنبتكم من الأرض نباتا وحياتهم من الماء ; فنشأتهم الأولى في بطون أمهاتهم من ماء دافق يخرج من بين الصلب والترائب ونشأتهم الثانية من قبورهم من الماء الذي ينزل من تحت العرش ، فينبتون فيه كنبات البقل حتى تتكامل أجسادهم .

ونبات من يدخل النار ، ثم يخرج منها من ماء نهر الحياة أو الحيا .

وفي " صحيح مسلم " عن أبي سعيد ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : " أما أهل النار الذين هم أهلها فلا يموتون فيها ولا يحيون ، ولكن أناس أصابتهم النار بذنوبهم - أو قال : بخطاياهم - فأماتهم الله إماتة حتى إذا كانوا فحما أذن في الشفاعة ، فجيء بهم ضبائر ضبائر ، فبثوا على أنهار الجنة . ثم قيل : يا أهل الجنة ، أفيضوا عليهم ، فينبتون نبات الحبة في حميل السيل .

وظاهر هذا أنهم يموتون بمفارقة أرواحهم لأجسادهم ، [و] يحيون بإعادتها ، ويكون ذلك قبل ذبح الموت .

[ ص: 90 ] ويشهد له ما خرجه البزار في " مسنده " من حديث أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : " إن أدنى أهل الجنة منزلة أو نصيبا قوم يخرجهم الله من النار ، فيرتاح لهم الرب عز وجل أنهم كانوا لا يشركون بالله شيئا ، فينبذون بالعراء فينبتون كما ينبت البقل ، حتى إذا دخلت الأرواح في أجسادهم قالوا : ربنا ! فالذي أخرجتنا من النار ، ورجعت الأرواح إلى أجسادنا - فاصرف وجوهنا عن النار ، فيصرف وجوههم عن النار .

التالي السابق


الخدمات العلمية