صفحة جزء
[ ص: 531 ] 73 - باب

تحريم تجارة الخمر في المسجد

447 459 - حدثنا عبدان، عن أبي حمزة، عن الأعمش، عن مسلم، عن مسروق، عن عائشة، قالت: لما أنزلت الآيات من سورة البقرة في الربا خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المسجد، فقرأهن على الناس، ثم حرم تجارة الخمر


ذكر الخمر بالتحريم - إما لشربه أو للتجارة فيه -: من جملة تبليغ دين الله وشرعه ; وذلك لأنه تصان عنه المساجد; فإن الله ذكر في كتابه الذي يتلى في الصلوات في المساجد: الخمر والميسر والأنصاب والأزلام، كما ذكر: الزنا والربا وسائر المحرمات من الشرك والفواحش، ولم يزل النبي صلى الله عليه وسلم يتلو ذلك في المسجد في الصلوات وغيرها، ولم يزل يذكر تحريم ما حرمه الله في المساجد وفي خطبه على المنبر، وهذا الباب مما لا تدعو الحاجة إليه; لظهوره.

ولكن يشكل في هذا الحديث أمران:

أحدهما: أن تحريم التجارة في الخمر مما شرع من حين نزول تحريم الخمر، ولم يتأخر إلى نزول آيات الربا، فإن آيات الربا من آخر ما نزل من القرآن، كما روى البخاري في "التفسير" من رواية الشعبي ، عن ابن عباس ، قال: آخر آية نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم آية الربا.

وفي "الصحيحين" عن جابر أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم عام الفتح وهو بمكة [ ص: 532 ] يقول: "إن الله ورسوله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام".

وخرج مسلم من حديث أبي سعيد الخدري ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يا أيها الناس، إن الله يعرض بالخمر، ولعل الله سينزل فيها أمرا، فمن كان عنده منها شيء فليبعه ولينتفع به". قال: فما لبثنا إلا يسيرا حتى قال: "إن الله حرم الخمر، فمن أدركته هذه الآية وعنده منها شيء فلا يشرب ولا يبع". قال: فاستقبل الناس بما كان عندهم منها في طريق المدينة فسفكوها.

وهذا نص في تحريم بيعها مع تحريم شربها.

والثاني: أن آيات الربا ليس فيها ذكر الخمر، فكيف ذكر تحريم التجارة في الخمر مع تحريم الربا؟

ويجاب عن ذلك: بأن مراد عائشة : أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بتحريم التجارة في الخمر مع الربا، وإن كان قد سبق ذكر تحريم بيع الخمر.

وقد روى حجاج بن أرطاة - حديث عائشة - عن الأعمش بإسناد البخاري ، ولفظه: لما نزلت الآيات التي في سورة البقرة نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخمر والربا.

وإنما أراد النبي صلى الله عليه وسلم - والله أعلم - بتحريم التجارة في الخمر مع الربا ليعلم بذلك أن الربا الذي حرمه الله يشمل جميع أكل المال مما حرمه الله من المعاوضات، كما قال: وأحل الله البيع وحرم الربا فما كان بيعا فهو حلال، وما لم يكن بيعا فهو ربا حرام - أي: هو زيادة على البيع الذي أحله الله.

فدخل في تحريم الربا جميع أكل المال بالمعاوضات الباطلة المحرمة، مثل ربا الفضل فيما حرم فيه التفاضل، وربا النساء فيما حرم فيه النساء، ومثل أثمان [ ص: 533 ] الأعيان المحرمة، كالخمر والميتة والخنزير والأصنام، ومثل قبول الهدية على الشفاعة، ومثل العقود الباطلة، كبيع الملامسة والمنابذة، وبيع حبل الحبلة، وبيع الغرر، وبيع الثمرة قبل بدو صلاحها، والمخابرة، والسلف فيما لا يجوز السلف فيه.

وكلام الصحابة في تسمية ذلك ربا كثير، وقد قالوا: القبالات ربا، وفي النجش أنه ربا، وفي الصفقتين في الصفقة أنه ربا، وفي بيع الثمرة قبل صلاحها أنه ربا.

وروي أن غبن المسترسل ربا، وأن كل قرض جر نفعا فهو ربا .

وقال ابن مسعود : الربا ثلاثة وسبعون بابا.

وخرجه ابن ماجه والحاكم عنه مرفوعا.

وخرج الإمام أحمد وابن ماجه ، أن عمر قال: من آخر ما نزل آية الربا، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قبض قبل أن يفسرها لنا، فدعوا الربا والريبة.

يشير عمر إلى أن أنواع الربا كثيرة، وأن من المشتبهات ما لا يتحقق دخوله في الربا الذي حرمه الله، فما رابكم منه فدعوه.

وفي " صحيح مسلم " عن عمر أنه قال: ثلاث وددت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عهد إلينا عهدا ننتهي إليه: الجد، والكلالة، وأبواب من أبواب الربا.

وبعض البيوع المنهي عنها نهي عنها؛ سدا لذريعة الربا، كالمحاقلة، والمزابنة، وكذلك قيل في النهي عن بيع الطعام قبل قبضه، وعن بيعتين في [ ص: 534 ] بيعة، وعن ربح ما لم يضمن، وبسط هذا موضعه "البيوع".

وإنما أشرنا هنا إلى ما يبين كثرة أنواع أبواب الربا، وأنها تشمل جميع المعاوضات المحرمة، فلذلك لما نزل تحريم الربا نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الربا، وعن بيع الخمر; ليبين أن جميع ما نهى عن بيعه داخل في الربا المنهي عنه. والله أعلم.

التالي السابق


الخدمات العلمية