صفحة جزء
[ ص: 34 ] 4 - باب

الصلاة كفارة

فيه حديثان :

الأول : كفارة الصلاة :

قال :

502 525 - حدثنا مسدد : ثنا يحيى ، عن الأعمش : حدثني شقيق : حدثني حذيفة ، قال : كنا جلوسا عند عمر ، فقال : أيكم يحفظ قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الفتنة ؟ قلت : أنا كما قاله . قال : إنك عليه - أو عليها - لجريء . قلت : فتنة الرجل في أهله وماله ، ولده وجاره ، تكفرها الصلاة والصوم والصدقة والأمر والنهي . قال : ليس هذا أريد ، ولكن الفتنة التي تموج كما يموج البحر . قال : ليس عليك منها بأس يا أمير المؤمنين ، إن بينك وبينها بابا مغلقا . قال : يكسر أم يفتح ؟ قال : يكسر . قال : إذن لا يغلق أبدا .

قلنا : أكان عمر يعلم الباب ؟ قال : نعم ، كما أن دون غد الليلة ، إني حدثته حديثا ليس بالأغاليط ، فهبنا أن نسأل حذيفة ، فأمرنا مسروقا فسأله ، فقال : الباب عمر .



أصل الفتنة : الابتلاء والامتحان والاختبار ، ويكون تارة بما يسوء ، وتارة بما يسر ، كما قال تعالى : ونبلوكم بالشر والخير فتنة وقال : وبلوناهم بالحسنات والسيئات لعلهم يرجعون

وغلب في العرف استعمال الفتنة في الوقوع فيما يسوء .

[ ص: 35 ] والفتنة نوعان : أحدهما : خاصة ، تختص بالرجل في نفسه . والثاني : عامة ، تعم الناس .

فالفتنة الخاصة : ابتلاء الرجل في خاصة نفسه بأهله وماله وولده وجاره ، وقد قال [تعالى] : إنما أموالكم وأولادكم فتنة فإن ذلك غالبا يلهي عن طلب الآخرة والاستعداد لها ، ويشغل عن ذلك .

ولما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يخطب على المنبر ، ورأى الحسن والحسين يمشيان ويعثران وهما صغيران ، نزل فحملهما ، ثم قال : ( صدق الله ورسوله ، إنما أموالكم وأولادكم فتنة إني رأيت هذين الغلامين يمشيان ويعثران فلم أصبر ) .

وقد ذم الله تعالى من ألهاه ماله وولده عن ذكره ، فقال : لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون

فظهر بهذا : أن الإنسان يبتلى بماله وولده وأهله وبجاره المجاور له ، ويفتتن بذلك ، فتارة يلهيه الاشتغال به عما ينفعه في آخرته ، وتارة تحمله محبته على أن يفعل لأجله بعض ما لا يحبه الله ، وتارة يقصر في حقه الواجب عليه ، وتارة يظلمه ويأتي إليه ما يكرهه الله من قول أو فعل ، فيسأل عنه ويطالب به .

فإذا حصل للإنسان شيء من هذه الفتن الخاصة ، ثم صلى أو صام أو تصدق أو أمر بمعروف أو نهى عن منكر كان ذلك كفارة له ، وإذا كان الإنسان تسوؤه سيئته ، ويعمل لأجلها عملا صالحا كان ذلك دليلا على إيمانه .

وفي " مسند بقي بن مخلد " ، عن رجل سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - : ما الإيمان [ ص: 36 ] يا رسول الله ؟ قال : ( أن تؤمن بالله ورسوله ) ، فأعادها ثلاثا ، فقال له في الثالثة : ( أتحب أن أخبرك ما صريح الإيمان ؟ ) فقال : ذلك الذي أردت . فقال : ( إن صريح الإيمان إذا أسأت أو ظلمت أحدا : عبدك أو أمتك ، أو واحدا من الناس ، صمت أو تصدقت وإذا أحسنت استبشرت ) .

وأما الفتن العامة : فهي التي تموج موج البحر ، وتضطرب ، ويتبع بعضها بعضا كأمواج البحر ، فكان أولهما فتنة قتل عثمان - رضي الله عنه - وما نشأ منها من افتراق قلوب المسلمين ، وتشعب أهوائهم وتكفير بعضهم بعضا ، وسفك بعضهم دماء بعض ، وكان الباب المغلق الذي بين الناس وبين الفتن عمر - رضي الله عنه - ، وكان قتل عمر كسرا لذلك الباب ، فلذلك لم يغلق ذلك الباب بعده أبدا .

وكان حذيفة أكثر الناس سؤالا للنبي - صلى الله عليه وسلم - عن الفتن ، وأكثر الناس علما بها ، فكان عنده عن النبي - صلى الله عليه وسلم - علم بالفتن العامة والخاصة ، وهو حدث عمر تفاصيل الفتن العامة ، وبالباب الذي بين الناس وبينها ، وأنه هو عمر ، ولهذا قال : إني حدثته حديثا ليس بالأغاليط ، والأغاليط : جمع أغلوطة ، وهي التي يغالط بها ، واحدها : أغلوطة ومغلطة ، والمعنى : أنه حدثه حديثا حقا ، ليس فيه مرية ، ولا إيهام .

وهذا مما يستدل به على أن رواية مثل حذيفة يحصل بها لمن سمعها العلم اليقيني الذي لا شك فيه ; فإن حذيفة ذكر أن عمر علم ذلك وتيقنه كما تيقن أن دون غد الليلة لما حدثه به من الحديث الذي لا يحتمل غير الحق والصدق .

وقد كانت الصحابة تعرف في زمان عمر أن بقاء عمر أمان للناس من الفتن .

وفي " مسند الإمام أحمد " أن خالد بن الوليد لما عزله عمر ، قال له رجل : [ ص: 37 ] اصبر أيها الأمير ، فإن الفتن قد ظهرت . فقال خالد : وابن الخطاب حي ! إنما يكون بعده - رضي الله عنهما - .

وقد روي من حديث عثمان بن مظعون ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سمى عمر : غلق الفتنة ، وقال : ( لا يزال بينكم وبين الفتنة باب شديد الغلق ما عاش هذا بين أظهركم ) .

خرجه البزار .

وروي نحوه من حديث أبي ذر .

وروى كعب ، أنه قال لعمر : أجدك مصراع الفتنة ، فإذا فتح لم يغلق أبدا .

التالي السابق


الخدمات العلمية