صفحة جزء
خرج البخاري في هذا الباب ثلاثة أحاديث :

الحديث الأول :

قال :

[ ص: 77 ] 515 540 - حدثنا أبو اليمان : أبنا شعيب ، عن الزهري ، قال : أخبرني أنس بن مالك ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج حين زاغت الشمس ، فصلى الظهر ، فقام على المنبر ، فذكر الساعة ; فذكر أن فيها أمورا عظاما ، ثم قال : " من أحب أن يسأل عن شيء فليسأل ، فلا تسألوني عن شيء إلا أخبرتكم ما دمت في مقامي " ، فأكثر الناس في البكاء ، وأكثر أن يقول : " سلوا " ، فقام عبد الله بن حذافة السهمي ، فقال : من أبي ؟ قال : " أبوك حذافة " ، ثم أكثر أن يقول : " سلوني " فبرك عمر على ركبتيه ، فقال : رضينا بالله ربا ، وبالإسلام دينا ، وبمحمد نبيا . فسكت . ثم قال : " عرضت علي الجنة والنار آنفا في عرض هذا الحائط ، فلم أر كالخير والشر " .


زيغ الشمس : ميلها ، وهو عبارة عن زوالها .

والحديث يدل على أنه - صلى الله عليه وسلم - صلى الظهر في ذلك اليوم حين زالت الشمس من غير مهلة ، لكن هل كانت تلك عادته في صلاة الظهر ، أم عجلها ذلك اليوم لأمر حدث حتى يخبرهم به ، ولذلك خطبهم وذكر الساعة ؟

هذا محتمل ، والثاني أظهر ، فإنه - صلى الله عليه وسلم - كان يؤخر صلاة الظهر في شدة الحر ، كما تقدم ، وأما في غير ذلك فكان يعجلها ، لكن هل كانت عادته أن يدخل في صلاة الظهر حين تزول الشمس في غير وقت شدة الحر دائما ؟ هذا فيه نظر ، بل الأظهر خلافه .

وقد روي عنه - صلى الله عليه وسلم - ، أنه كان يصلي إذا زالت الشمس أربع ركعات ، ويقول : " إنها ساعة تفتح فيها أبواب السماء ، ويستجاب الدعاء " .

خرجه الترمذي وغيره .

[ ص: 78 ] وقد كان يصلي قبل الظهر ركعتين ، وروي عنه أنه كان يصلي أربعا .

وهذا كله يدل على أنه لم يكن يحرم الصلاة عقيب الزوال من غير مهلة بينهما .

وقد ذكرنا في الباب الماضي حديث ابن مسعود في صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - في الشتاء خمسة أقدام إلى سبعة - يعني : قدر الظل .

وقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، أنه أمر بلالا أن يجعل بين أذانه وإقامته قدر ما يفرغ الآكل من أكله ، والشارب من شربه ، والمعتصر إذا دخل لقضاء حاجته .

خرجه الترمذي من حديث جابر ، وقال : إسناده مجهول .

وخرجه عبد الله ابن الإمام أحمد من حديث أبي بن كعب .

وخرجه الدارقطني وغيره من حديث علي .

وروي - أيضا - من حديث أبي هريرة وسلمان .

وأسانيده كلها ضعيفة .

والصحيح عند أصحابنا : أنه يستحب أن تكون الصلاة بعد مضي قدر الطهارة وغيرها من شرائط الصلاة ، وكذلك هو الصحيح عند أصحاب الشافعي ، وقالوا : لا يضر الشغل الخفيف كأكل لقم وكلام قصير ، ولا يكلف خلاف العادة .

ولهم وجه آخر : أنه لا يحصل فضيلة أول الوقت حتى يقدم ذلك كله قبل [ ص: 79 ] الوقت حتى تنطبق الصلاة على أول الوقت .

قال بعضهم : وهذا غلط صريح مخالف للسنة المستفيضة ، وقد جعله مالك قول الخوارج وأهل الأهواء .

وللشافعية وجه آخر : لا تفوت فضيلة أول نصف الوقت ، ولا يستحب عندهم أن ينتظر بها مصير الفيء مثل الشراك .

وحكى الساجي ، عن الشافعي ، أنه يستحب ذلك ، وحكى عن غيره أنه لا يجوز فعلها قبل ذلك ; فإن جبريل عليه السلام صلى بالنبي - صلى الله عليه وسلم - أول يوم الظهر والفيء مثل الشراك .

وهذا ليس بشيء ، وهو مخالف للإجماع ، وقد حمل حديث جبريل على أن الشمس يومئذ زالت على قدر الشراك من الفيء .

ونقل ابن القاسم ، عن مالك ، أنه كان يستحب لمساجد الجماعات أن يؤخروا صلاة الظهر بعد الزوال حين يكون الفيء ذراعا ، صيفا وشتاء ، عملا بما رواه في " الموطأ " عن نافع ، أن عمر كتب إلى عماله بذلك .

وقال سفيان الثوري : كان يستحب أن يمهل المؤذن بين أذانه وإقامته في الصيف مقدار أربعين آية ، وفي الشتاء على النصف منها ، ويمهل في العصر أربعين آية ، وفي الشتاء على النصف منها ، وفي المغرب إذا وجبت الشمس أذن ، ثم قعد قعدة ، ثم قام وأقام الصلاة . قال : ويمهل في العشاء الآخرة قدر ستين آية . وفي الفجر إذا طلع الفجر أذن ، ثم صلى ركعتين ، ثم سبح الله وذكره .

وهذا يدل على استحبابه الإبراد بالعصر في الصيف .

وحكي مثله عن أشهب من المالكية .

وقد استحب كثير من السلف المشي إلى المساجد قبل الأذان ، وكان الإمام [ ص: 80 ] أحمد يفعله في صلاة الفجر ، والآثار في فضل المبادرة بالخروج إلى المساجد كثيرة .

وبقية الحديث ، قد سبق الكلام عليه ، بعضه في " كتاب العلم " ، وبعضه في " الصلاة على التنور والنار " .

وعرض الحائط - بضم العين - : جانبه .

التالي السابق


الخدمات العلمية