صفحة جزء
[ ص: 83 ] 12 - باب

تأخير الظهر إلى العصر

518 543 - حدثنا أبو النعمان : ثنا حماد بن زيد ، عن عمرو - وهو : ابن دينار - عن جابر بن زيد ، عن ابن عباس ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى بالمدينة سبعا وثمانيا الظهر والعصر والمغرب والعشاء .

فقال أيوب : لعله في ليلة مطيرة ؟ قال : عسى
.


وخرجه مسلم من طريق حماد - أيضا - ، ولم يذكر فيه قول أيوب .

وخرجه من طريق ابن عيينة ، عن عمرو ، ولفظ حديثه : صليت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ثمانيا جميعا وسبعا جميعا . قلت : يا أبا الشعثاء ، أظنه أخر الظهر وعجل العصر ، وأخر المغرب وعجل العشاء . قال : وأنا أظن ذلك .

وخرجه البخاري - أيضا - في " أبواب : صلاة التطوع " .

وخرجه النسائي عن قتيبة ، عن سفيان ، وأدرج تفسيره في الحديث .

قال ابن عبد البر : الصحيح : أن هذا ليس من الحديث ، إنما هو من ظن أبي الشعثاء وعمرو بن دينار .

ورواه محمد بن مسلم الطائفي ، عن عمرو بن دينار ، وزاد في حديثه : " من غير مرض ولا علة " .

خرجه من طريقه الطبراني .

[ ص: 84 ] ومحمد بن مسلم ، ليس بذاك الحافظ .

وخرج النسائي من طريق حبيب بن أبي حبيب ، عن عمرو بن هرم ، عن جابر بن زيد ، عن ابن عباس ، أنه صلى بالبصرة الأولى والعصر ، ليس بينهما شيء ، والمغرب والعشاء ، ليس بينهما شيء ، [فعل ذلك من شغل ، وزعم ابن عباس ، أنه صلى مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة الأولى والعصر ثمان سجدات ، ليس بينهما شيء] .

وقد روي هذا الحديث عن ابن عباس من وجوه أخر ، بألفاظ مختلفة ، روي عنه من رواية سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : صلى لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الظهر والعصر جميعا بالمدينة ، في غير خوف ولا سفر .

خرجه مسلم .

وخرجه أبو داود ، وزاد : قال مالك : أرى ذلك كان في مطر .

وخرجه مسلم - أيضا - من طريق زهير ، عن أبي الزبير - بمثله ، وزاد : قال ابن عباس : أراد أن لا يحرج أحدا من أمته .

وخرجه - أيضا - من طريق قرة ، عن أبي الزبير ، وذكر فيه : أن ذلك كان في سفرة سافرها في غزوة تبوك ، وذكر فيه قول ابن عباس : أراد أن لا يحرج أمته .

وخرج - أيضا - من طريق الأعمش ، عن حبيب بن أبي ثابت ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : جمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين الظهر والعصر ، [ ص: 85 ] والمغرب والعشاء بالمدينة ، في غير خوف ولا مطر . قلت لابن عباس : لم فعل ذلك ؟ قال : كيلا يحرج أمته .

وقد اختلف على الأعمش في إسناد هذا الحديث ، وفي لفظه - أيضا - :

فقال كثير من أصحاب الأعمش ، عنه فيه : من غير خوف ولا مطر .

ومنهم من قال عنه : من غير خوف ولا ضرر .

ومنهم من قال : ولا عذر .

وذكر البزار ، أن لفظة " المطر " تفرد بها حبيب ، وغيره لا يذكرها . قال : على أن عبد الكريم قد قال نحو ذلك .

وكذلك تكلم فيها ابن عبد البر .

وروينا من طريق عبد الحميد بن مهدي البالسي : حدثنا المعافى بن سليمان الجزري : ثنا محمد بن سلمة : ثنا أبو عبد الرحيم ، عن زيد بن [أبي أنيسة ، عن] أبي الزبير ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : صليت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة من غير مطر ولا قر الظهر والعصر جمعا . قلت له : لم فعل ذلك ؟ قال ابن عباس : أراد أن لا يحرج أمته .

وعن زيد ، عن عمرو بن دينار ، عن أبي الشعثاء ، عن ابن عباس - مثله .

ولكن ; عبد الحميد هذا ، قال فيه الحافظ عبد العزيز النخشبي : عنده مناكير .

وأما رواية عبد الله بن شقيق ، فمن طريق الزبير بن الخريت ، عن عبد الله بن شقيق ، قال : خطبنا ابن عباس يوما بعد العصر حتى غربت الشمس وبدت [ ص: 86 ] النجوم ، وجعل الناس يقولون : الصلاة الصلاة . قال : فجاءه رجل من بني تميم ، لا يفتر ولا ينثني : الصلاة الصلاة . فقال ابن عباس : أتعلمني السنة لا أم لك ؟ ثم قال : رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء .

قال عبد الله بن شقيق : فحاك في صدري من ذلك شيء فأتيت أبا هريرة ، فسألته فصدق مقالته
.

خرجه مسلم .

وخرجه - أيضا - من رواية عمران بن حدير ، عن عبد الله بن شقيق ، قال : قال رجل لابن عباس : الصلاة ، فسكت ، ثم قال : الصلاة ، فسكت ، ثم قال : الصلاة ، فسكت ، ثم قال : لا أم لك ، تعلمنا الصلاة ؟! كنا نجمع بين الصلاتين على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

وأما رواية عكرمة ، فمن طريق الحكم بن أبان ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مقيما غير مسافر سبعا وثمانيا .

خرجه الإمام أحمد .

وفي رواية أشعث بن سوار - وفيه ضعف - ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : جمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين الظهر والعصر ، والمغرب والعشاء بالمدينة ، من غير خوف ولا مطر ، أراد التخفيف عن أمته .

وأما رواية عطاء بن يسار ، فمن رواية عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، عن عطاء بن يسار ، عن ابن عباس ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جمع بين الظهر والعصر ، والمغرب والعشاء ، من غير مرض ولا مطر . فقيل لابن عباس : ما أراد بذلك ؟ قال : التوسعة على أمته .

[ ص: 87 ] خرجه حرب الكرماني ، عن يحيى الحماني ، عن عبد الرحمن ، به .

وعبد الرحمن ، فيه ضعف .

وأما رواية صالح مولى التوأمة ، فذكرها أبو داود تعليقا . وفيها : من غير مطر .

وخرجها الإمام أحمد من طريق داود بن قيس ، عن صالح مولى التوأمة ، عن ابن عباس ، قال : جمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين الظهر والعصر ، والمغرب والعشاء ، في غير مطر ولا سفر . قالوا : يا ابن عباس ، ما أراد بذلك ؟ قال : التوسع على الأمة .

وصالح ، مختلف في أمره ، وفي سماعه من ابن عباس - أيضا .

وفي الباب أحاديث أخر ، في أسانيدها مقال .

وخرج النسائي من رواية يحيى بن هانئ المرادي : حدثنا أبو حذيفة ، عن عبد الملك بن محمد بن أبي بشير ، عن عبد الرحمن بن علقمة ، قال : قدم وفد ثقيف على النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فأهدوا له هدية ، وقعد معهم يسألهم ويسألونه ، حتى صلى الظهر مع العصر .

قال الدارقطني : عبد الملك وأبو حذيفة مجهولان . وعبد الرحمن بن علقمة لا تصح صحبته ولا يعرف .

وقد اختلفت مسالك العلماء في حديث ابن عباس هذا ، في الجمع من غير خوف ولا سفر ، ولهم فيه مسالك متعددة :

المسلك الأول : أنه منسوخ بالإجماع على خلافه ، وقد حكى الترمذي في [ ص: 88 ] آخر " كتابه " أنه لم يقل به أحد من العلماء .

وهؤلاء لا يقولون : إن الإجماع ينسخ ، كما يحكى عن بعضهم ، وإنما يقولون : هو يدل على وجود نص ناسخ .

المسلك الثاني : معارضته بما يخالفه ، وقد عارضه الإمام أحمد بأحاديث المواقيت ، وقوله : " الوقت ما بين هذين " ، وبحديث أبي ذر في الأمراء الذين يؤخرون الصلاة عن وقتها ، وأمره بالصلاة في الوقت ، ولو كان الجمع جائزا من غير عذر لم يحتج إلى ذلك ، فإن أولئك الأمراء كانوا يجمعون لغير عذر ، ولم يكونوا يؤخرون صلاة النهار إلى الليل ، ولا صلاة الليل إلى النهار .

وكذلك في حديث أبي قتادة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، أنه قال لما ناموا عن صلاة الفجر حتى طلعت الشمس : " ليس في النوم تفريط ، إنما التفريط على من لم يصل الصلاة حتى يجيء وقت الصلاة الأخرى " .

خرجه مسلم .

وخرجه أبو داود ، وعنده : " إنما التفريط في اليقظة أن تؤخر صلاة حتى يدخل وقت صلاة أخرى " .

وقد عارض بعضهم حديث ابن عباس هذا بحديث آخر يروى عنه ، وقد أشار إلى هذه المعارضة الترمذي وابن شاهين ، وهو من رواية حنش ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، قال : " من جمع بين صلاتين من غير عذر فقد أتى بابا من أبواب الكبائر " .

خرجه الترمذي .

وقال : حنش هذا هو أبو علي الرحبي ، وهو حسين بن قيس ، وهو ضعيف [ ص: 89 ] عند أهل الحديث ، ضعفه أحمد وغيره ، والعمل على هذا عند أهل العلم .

يعني : على حديث حنش مع ضعفه .

وخرجه الحاكم وصححه ، ووثق حنشا ، وقال : هو قاعدة في الزجر عن الجمع بلا عذر .

ولم يوافق على تصحيحه .

وقال العقيلي : ليس لهذا الحديث أصل .

ورواه بعضهم ، وشك في رفعه ووقفه .

كذلك خرجه الحارث بن أبي أسامة .

ولعله من قول ابن عباس .

وقد روي مثله عن عمر وأبي موسى :

وروى وكيع ، عن سفيان ، عن هشام ، عن رجل ، عن أبي العالية ، عن عمر بن الخطاب ، قال : الجمع بين الصلاتين من غير عذر من الكبائر .

وعن أبي هلال الراسبي ، عن حنظلة السدوسي ، عن أبي موسى ، قال : الجمع بين الصلاتين من غير عذر من الكبائر .

المسلك الثالث : حمله على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أخر الظهر إلى آخر وقتها ، فوقعت في آخر جزء من الوقت ، وقدم العصر في أول وقتها ، فصلاها في أول جزء من الوقت ، فوقعت الصلاتان مجموعتين في الصورة ، وفي المعنى كل صلاة وقعت في وقتها ، وفعل هذا ليبين جواز تأخير الصلاة [إلى] آخر وقتها .

وقد روي من حديث معاذ بن جبل ، أن جمع النبي - صلى الله عليه وسلم - بين الصلاتين بتبوك كان على هذا الوجه - أيضا .

[ ص: 90 ] خرجه الطبراني في " أوسطه " بإسناد في ضعف .

وقد سبق عن عمرو بن دينار وأبي الشعثاء ، أنهما حملا الحديث على هذا الوجه ، كما خرجه مسلم ، وأشار إليه الإمام أحمد وغيره .

وعلى مثل ذلك حمل الجمع بين الصلاتين في السفر بغير عرفة والمزدلفة من لا يرى الجمع في السفر ، منهم : سفيان الثوري وغيره من الكوفيين .

والمسلك الرابع : أن ذلك كان جمعا بين الصلاتين لمطر ، وهذا هو الذي حمله عليه أيوب السختياني كما في رواية البخاري ، وهو الذي حمله عليه مالك - أيضا .

ومن ذهب إلى هذا المسلك فإنه يطعن في رواية من روى : " من غير خوف ولا مطر " كما قاله البزار وابن عبد البر وغيرهما .

ومن حمل الحديث على هذا فإنه يلزم من قوله جواز الجمع في الحضر للمطر بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء ، وقد اختلف في ذلك :

فأما الجمع بين العشاءين للمطر ، فقد روي عن ابن عمر .

روى مالك ، عن نافع ، أن ابن عمر كان يجمع في الليلة المطيرة .

وقد رويناه من طريق سفيان بن بشير ، عن مالك ، عن نافع ، عن ابن عمر - مرفوعا - ، ولا يصح رفعه .

وفيه حديث آخر مرفوع من رواية أولاد سعد القرظ ، عن آبائهم ، عن أجدادهم ، عن سعد القرظ ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يجمع بين المغرب والعشاء في المطر .

[ ص: 91 ] خرجه الطبراني .

وإسناده ضعيف .

قال يحيى في أولاد سعد القرظ : كلهم ليسوا بشيء .

وممن رأى الجمع للمطر : مالك في المشهور عنه ، والأوزاعي ، والشافعي ، وأحمد ، وإسحاق ، وأبو ثور .

وروي عن عمر بن عبد العزيز ، عن فقهاء المدينة السبعة .

وعن مالك رواية : لا يجوز الجمع للمطر إلا في المدينة في مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - ; لفضله ، ولأنه ينتاب من بعد ، فيجمع بينهما بعد مغيب الشفق ، وليس بالمدينة غيره .

والمشهور عنه الأول .

وأصل هذا : أن الأمراء بالمدينة كانوا يجمعون في الليلة المطيرة ، فيؤخرون المغرب ويجمعون بينها وبين العشاء قبل مغيب الشفق ، وكان ابن عمر يجمع معهم ، وقد علم شدة متابعة ابن عمر للسنة ، فلو كان ذلك محدثا لم يوافقهم عليه البتة .

وقد نص على أن جمع المطر يكون على هذا الوجه المذكور قبل مغيب الشفق : مالك وأحمد وإسحاق .

وقيل لأحمد : فيجمع بينهما بعد مغيب الشفق ؟ قال : لا ، إلا قبل ، كما فعل ابن عمر . وقال : يجمع إذا اختلط الظلام .

وأما الجمع بين الظهر والعصر في المطر ، فالأكثرون على أنه غير جائز : وقال أحمد : ما سمعت فيه شيئا . وأجازه الشافعي إذا كان المطر نازلا ، وبه قال أبو ثور ، هو رواية عن أحمد .

[ ص: 92 ] والعجب من مالك - رحمه الله - كيف حمل حديث ابن عباس على الجمع للمطر ، ولم يقل به في الظهر والعصر ، والحديث صريح في جمع الظهر والعصر والمغرب والعشاء ؟!

المسلك الخامس : أن الذي نقله ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما كان في السفر لا في الحضر ، كما في رواية قرة ، عن أبي الزبير ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، أن ذلك كان في غزوة تبوك ، وقد خرجه مسلم كما تقدم .

وكذلك روى عبد الكريم ، عن مجاهد وسعيد بن جبير وعطاء وطاوس ، أخبروه عن ابن عباس ، أنه أخبرهم ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يجمع بين المغرب والعشاء في السفر من غير أن يعجله شيء ، ولا يطلبه عدو ، ولا يخاف شيئا .

ولكن عبد الكريم هذا ، هو : أبو أمية ، وهو ضعيف جدا .

وأكثر رواة حديث ابن عباس ذكروا أن جمعه كان بالمدينة ، وهم أكثر وأحفظ .

والمسلك السادس : أن جمعه ذلك كان لمرض .

وقد روي عن الإمام أحمد ، أنه قال : هذا عندي رخصة للمريض والمرضع .

وقد اختلف في جمع المريض بين الصلاتين :

فرخص فيه طائفة ، منهم : عطاء والنخعي والليث وأحمد وإسحاق .

وكذلك جوزه مالك للمضطر في [رمضة] ، فإن جمع لغير ضرورة أعاد في الوقت عنده ، وعند أبي حنيفة .

والشافعي لا يبيح من المرض الجمع بين الصلاتين بحال .

واستدل من أباح الجمع للمريض ، بأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - المستحاضة أن تجمع بين [ ص: 93 ] الصلاتين بغسل واحد ; لمشقة الغسل عليها لكل صلاة ، وذلك ما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من حديث حمنة بنت جحش وعائشة وأسماء بنت عميس ، وفي أسانيدها بعض شيء .

وأمر به : علي وابن عباس ، وهو قول عطاء والنخعي والأوزاعي وأحمد وإسحاق .

والمسلك السابع : أن جمعه كان لشغل ، وفي رواية حبيب بن أبي حبيب ، عن عمرو بن هرم ، عن جابر بن زيد ، عن ابن عباس ، أنه جمع من شغل ، كما خرجه النسائي وقد سبق .

وكذلك في حديث عبد الرحمن بن علقمة ، أن وفد ثقيف شغلوا النبي - صلى الله عليه وسلم - .

وخرج النسائي من رواية سالم ، عن ابن عمر ، أنه لما استصرخ على امرأته صفية أسرع السير ، وجمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء ، ثم قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إذا حضر أحدكم أمرا يخشى فوته فيصلي هذه الصلاة " .

وخرجه النسائي ، وفي رواية له : " إذا حضر أحدكم الأمر الذي يخاف فواته ، فليصل هذه الصلاة " .

وقد نص أحمد على جواز الجمع بين الصلاتين للشغل .

قال القاضي وغيره من أصحابنا : مراده : الشغل الذي يباح معه ترك الجمعة والجماعة .

وفي ذلك نظر .

وعن ابن سيرين : لا بأس بالجمع بين الصلاتين للحاجة والشيء ما لم يتخذ عادة .

[ ص: 94 ] المسلك الثامن : حمل الحديث على ظاهره ، وأنه يجوز الجمع بين الصلاتين في الحضر لغير عذر بالكلية ، وحكي ذلك عن ابن عباس وابن سيرين ، وعن أشهب صاحب مالك .

وروى ابن وهب وغيره ، عن مالك أن آخر وقت الظهر والعصر غروب الشمس .

قال ابن عبد البر : وهذا محمول عند أصحابه على أهل الضرورات كحائض تطهرت ، ومغمى عليه يفيق .

وحكى - أيضا - عن طاوس : امتداد الظهر والعصر إلى غروب الشمس .

وعن عطاء : امتدادهما إلى أن تصفر الشمس .

وكذلك روي عن عطاء وطاوس أن وقت المغرب والعشاء لا يفوت حتى يطلع الفجر .

وحكي معنى ذلك عن ربيعة ، وأن الوقتين مشتركان ، وأن وقت الصلاتين يمتد إلى غروب الشمس .

وحكي عن أهل الحجاز جملة .

وعده الأوزاعي مما يجتنب من أقوالهم ، فروى الحاكم ، عن الأصم : أخبرنا العباس بن الوليد البيروتي : ثنا أبو عبد الله بن بحر ، قال : سمعت الأوزاعي يقول : يجتنب من قول أهل العراق : شرب المسكر ، والأكل عند الفجر في رمضان ، ولا جمعة إلا في سبعة أمصار ، وتأخير صلاة العصر حتى يكون ظل كل شيء أربعة أمثاله ، والفرار يوم الزحف . ومن قول أهل الحجاز : استماع الملاهي ، والجمع بين الصلاتين من غير عذر ، والمتعة بالنساء ، والدرهم بالدرهمين والدينار بالدينارين ، وإتيان النساء في أدبارهن .

[ ص: 95 ] قال الأثرم في " كتاب العلل " : قلت لأبي عبد الله - يعني أحمد - أي شيء تقول في حديث ابن عباس ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى ثمانيا جميعا وسبعا جميعا ، من غير خوف ولا سفر ؟

فقال : ابن عباس كما ترى قد أثبت هذا - أو صححه - ، وغيره يقول - ابن عمر ومعاذ وغير واحد - ، يقولون : إنه في السفر . فقلت : أيفعله الإنسان ؟ فقال : إنما فعله لئلا يحرج أمته .

وذكر الأثرم نحوه في " كتاب مسائله لأحمد " ، وزاد : قال أحمد : أليس قال ابن عباس : أن لا يحرج أمته ، إن قدم رجل أو أخر - نحو هذا .

وهذا الذي زاده في " كتاب المسائل " يبين أن أحمد حمله على تأخير الصلاة الأولى إلى آخر وقتها ، وتقديم الثانية إلى أول وقتها ، كما حمله على ذلك أبو الشعثاء وعمرو بن دينار وغيرهما كما سبق . والله أعلم .

وقول ابن عباس : " من غير خوف ولا سفر " ، يدل بمفهومه على جواز الجمع للخوف والسفر ، فأما الجمع للسفر فيأتي الكلام فيه في موضعه - إن شاء الله تعالى - ، وأما الجمع للخوف للحضر فظاهر حديث ابن عباس جوازه .

وقد اختلف العلماء في جواز تأخير الصلاة عن وقتها بالكلية ، وإن لم تكن مما تجمع ، كتأخير صلاة الصبح حتى تطلع الشمس ، والعصر حتى تغرب الشمس ، إذا اشتد الخوف .

وفيه عن أحمد روايتان .

فتأخير الصلاتين المجموعتين إلى وقت الثانية وتقديمها في أول وقت الأولى إذا احتيج إلى ذلك في الخوف أولى بالجواز ، بل لا ينبغي أن يكون في جوازه خلاف عند من يبيح الجمع للسفر والمرض والمطر ، ونحو ذلك من الأعذار الخفيفة .

[ ص: 96 ] وعن أحمد روايتان في جواز الفطر في الحضر للقتال ، ومن أصحابنا من طردهما في قصر الصلاة أيضا .

وقد حكى أبو عبيد في " غريبه " عن عثمان بن عفان - رضي الله عنه - جواز قصر الصلاة في الحضر للخوف .

فالجمع أولى بالجواز . والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية