صفحة جزء
[ ص: 142 ] 17 - باب من أدرك من العصر ركعة قبل الغروب

فيه ثلاثة أحاديث :

الأول :

531 556 - حدثنا أبو نعيم : ثنا شيبان ، عن يحيى ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إذا أدرك أحدكم سجدة من صلاة العصر قبل أن تغرب الشمس فليتم صلاته ، وإذا أدرك سجدة من صلاة الصبح قبل أن تطلع الشمس فليتم صلاته " .


وقد خرجه فيما بعد من وجه آخر عن أبي هريرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ولفظه : " من أدرك من الصبح ركعة قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح ، ومن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر " .

ومقصود البخاري بهذا الحديث في هذا الباب : أن وقت العصر يمتد إلى غروب الشمس ; ولهذا جعله مدركا لها بإدراك ركعة منها قبل غروب الشمس ، فإدراكها كلها قبل الغروب أولى أن يكون مدركا لها .

وقد سبق قول من قال : إن وقت العصر إلى غروب الشمس ، منهم : ابن عباس وعكرمة ، وهو رواية عن مالك والثوري وهو قول إسحاق .

قال إسحاق : آخر وقتها للمفرط ، وصاحب عذر هو قدر ما يبقى إلى غروب الشمس ركعة - : نقله عنه ابن منصور .

وحكي مثله عن داود .

[ ص: 143 ] وروي عن أبي جعفر محمد بن علي ما يشبهه .

وهو وجه ضعيف للشافعية مبني على قولهم : إن الصلاة كلها تقع أداء كما سيأتي .

والصحيح عندهم : أنه لا يجوز التأخير حتى يبقى من الوقت ركعة .

وإن قيل : إنها أداء - كمذهبنا ومذهب الأكثرين ، وأكثر العلماء - على أن تأخيرها إلى أن يبقى قدر ركعة قبل الغروب لا يجوز لغير أهل الأعذار ، وهو قول الأوزاعي والشافعي وأحمد وأبي ثور وحكاه عن العلماء .

وقد دل على ذلك ما خرجه مسلم في " صحيحه " من حديث عبد الله بن عمرو ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، قال : " وقت العصر ما لم تصفر الشمس " .

ومن حديث العلاء بن عبد الرحمن ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " تلك صلاة المنافق ، يجلس يرقب الشمس حتى إذا كانت بين قرني الشيطان قام فنقر أربعا ، لا يذكر الله فيها إلا قليلا " .

وخرجه أبو داود - بمعناه ، وزاد : " حتى إذا اصفرت الشمس فكانت بين قرني الشيطان - أو على قرني الشيطان " - وذكر باقيه .

فهذا يدل على [أن] تأخيرها إلى بعد اصفرار الشمس وتضيقها للمغرب غير جائز لمن لا عذر له .

وأجمع العلماء على أن من صلى بعض العصر ثم غربت الشمس أنه يتم صلاته ، ولا إعادة عليه .

وأجمعوا على أن عليه إتمام ما بقي منها ، وهو يدل على أن المراد بإدراكها إدراك وقتها .

[ ص: 144 ] واختلفوا في الواقع منها بعد غروب الشمس : هل هو أداء ، أو قضاء ؟ وفيه وجهان لأصحابنا والشافعية :

أحدهما : أنه قضاء ، وهو قول الحنفية ; لوقوعه خارج الوقت .

والثاني : أنه أداء ، وهو أصح عند أصحابنا والشافعية ; لقوله صلى الله عليه وسلم : " فقد أدركها " .

وللشافعية وجه آخر : أنها كلها تكون قضاء ، وهو ضعيف .

هذا كله إذا أدرك في الوقت ركعة فصاعدا ، فإن أدرك دون ركعة ، ففيه للشافعية طريقان :

أحدهما : أنه على هذا الخلاف - أيضا .

والثاني : أن الجميع قضاء ، وبه قطع أكثرهم .

وأما مذهب أصحابنا :

فقال أكثرهم : لا فرق بين أن يدرك في الوقت ركعة أو ما دونها ، حتى لو أدرك تكبيرة الإحرام كان كإدراك ركعة .

واستدلوا بحديث " من أدرك سجدة " ، وقالوا : المراد به قدر سجدة .

وفيه نظر ; فإن السجدة يراد بها الركعة ، وهو المراد من هذا الحديث ، والله أعلم .

وحكى بعضهم رواية عن أحمد ، أنه لا يكون مدركا لها في الوقت بدون إدراك ركعة كاملة ، وبذلك جزم ابن أبي موسى في " إرشاده " ، وجعله مذهب أحمد ولم يحك عنه فيه خلافا ، فعلى هذا ينبغي أن يكون الجميع قضاء إذا لم يدرك في الوقت ركعة ، وهو ظاهر قول الأوزاعي .

التالي السابق


الخدمات العلمية