صفحة جزء
[ ص: 145 ] الحديث الثاني :

قال :

532 557 - حدثنا عبد العزيز بن عبد الله : حدثني إبراهيم بن سعد ، عن ابن شهاب ، عن سالم بن عبد الله ، عن أبيه ، أنه أخبره ، أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " إنما بقاؤكم فيما سلف من الأمم قبلكم كما بين صلاة العصر إلى غروب الشمس ، أوتي أهل التوراة التوراة ، فعملوا بها حتى إذا انتصف النهار عجزوا ، فأعطوا قيراطا قيراطا ، ثم أوتي أهل الإنجيل الإنجيل ، فعملوا إلى صلاة العصر ، ثم عجزوا ، فأعطوا قيراطا قيراطا ، ثم أوتينا القرآن ، فعملنا إلى غروب الشمس ، فأعطينا قيراطين قيراطين . فقال أهل الكتابين : أي ربنا ، أعطيت هؤلاء قيراطين قيراطين ، وأعطيتنا قيراطا قيراطا ، ونحن أكثر عملا ؟ قال الله : هل ظلمتكم من أجركم من شيء ؟ قالوا : لا . قال : فهو فضلي أوتيه من أشاء " .


قوله صلى الله عليه وسلم : " إنما بقاؤكم فيما سلف من الأمم قبلكم " إنما أراد به - والله أعلم - أتباع موسى وعيسى عليهما السلام ، وقد سمى الله بني إسرائيل بانفرادهم أمما ، فقال : وقطعناهم في الأرض أمما ولهذا فسر النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك بعمل أهل التوارة بها إلى انتصاف النهار ، وعمل أهل الإنجيل به إلى العصر ، وعمل المسلمين بالقرآن إلى غروب الشمس .

ويدل على ذلك - أيضا - : حديث أبي موسى الذي خرجه البخاري بعد هذا ، ولفظه : " مثل المسلمين واليهود والنصارى كمثل رجل استأجر قوما يعملون له إلى الليل " - وذكر الحديث ، كما سيأتي - إن شاء الله .

وإنما قلنا : إن هذا هو المراد من الحديث ; لأن مدة هذه الأمة بالنسبة إلى مدة الدنيا من أولها إلى آخرها لا يبلغ قدر ما بين العصر إلى غروب الشمس بالنسبة إلى ما مضى من النهار ، بل هو أقل من ذلك بكثير .

[ ص: 146 ] ويدل عليه صريحا : ما خرجه الإمام أحمد والترمذي من حديث أبي سعيد ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى بهم صلاة العصر يوما بنهار ، ثم قام خطيبا ، فلم يدع شيئا يكون إلى قيام الساعة إلا أخبرنا به - فذكر الحديث بطوله ، وقال في آخره : قال : وجعلنا نلتفت إلى الشمس هل بقي منها شيء ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " ألا إنه لم يبق من الدنيا فيما مضى إلا كما بقي من يومكم هذا فيما مضى منه " .

وقال الترمذي : حديث حسن .

وخرج الإمام أحمد من حديث ابن عمر ، قال : كنا جلوسا عند النبي - صلى الله عليه وسلم - والشمس على قعيقعان بعد العصر ، فقال : " ما أعماركم في أعمار من مضى إلا كما بقي من النهار فيما مضى منه " .

ومن حديث ابن عمر ، أنه كان واقفا بعرفات ينظر إلى الشمس حين تدلت مثل الترس للغروب ، فبكى ، وقال : ذكرت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو واقف بمكاني هذا ، فقال : " أيها الناس ، لم يبق من دنياكم فيما مضى إلا كما بقي من يومكم هذا فيما مضى منه " .

ويشهد لذلك من الأحاديث الصحيحة : قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : " بعثت أنا والساعة كهاتين " ، وقرن بين أصبعيه السبابة والوسطى .

خرجاه في " الصحيحين " من حديث أنس ، وخرجاه - أيضا - بمعناه من حديث أبي هريرة وسهل بن سعد .

[ ص: 147 ] وخرجه مسلم بمعناه من حديث جابر .

وخرج الترمذي من حديث المستورد بن شداد ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، قال : " بعثت في نفس الساعة ، فسبقتها كما سبقت هذه هذه " - لأصبعيه : السبابة والوسطى .

وفي " مسند الإمام أحمد " عن بريدة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، قال : " بعثت أنا والساعة جميعا ، إن كادت لتسبقني " .

وروى الإمام أحمد - أيضا : ثنا أبو ضمرة : حدثني أبو حازم ، لا أعلمه إلا عن سهل بن سعد ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، قال : " مثلي ومثل الساعة كهاتين " - وفرق كذا بين أصبعيه الوسطى والتي تلي الإبهام ، ثم قال : " مثلي ومثل الساعة كمثل فرسي رهان " ، ثم قال : " مثلي ومثل الساعة كمثل رجل بعثه قومه طليعة ، فلما خشي أن يسبق الاح بثوبه أتيتم أتيتم " . ثم يقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " أنا ذاك " .

وكل هذه النصوص تدل على شدة اقتراب الساعة ، كما دل عليه قوله تعالى : اقتربت الساعة وانشق القمر وقوله تعالى : اقترب للناس حسابهم

وقد فسر قوله صلى الله عليه وسلم : " بعثت أنا والساعة كهاتين " ، وقرن بين السبابة والوسطى بقرب زمانه من الساعة ، كقرب السبابة من الوسطى ، وبأن زمن بعثته تعقبه الساعة من غير تخلل نبي آخر بينه وبين الساعة ، كما قال في الحديث الصحيح : " أنا الحاشر ، يحشر الناس على قدمي ، وأنا العاقب " .

[ ص: 148 ] فالحاشر : الذي يحشر الناس لبعثهم يوم القيامة على قدمه . يعني : أن بعثهم وحشرهم يكون عقيب رسالته ، فهو مبعوث بالرسالة وعقيبه يجمع الناس لحشرهم .

والعاقب : الذي جاء عقيب الأنبياء كلهم ، وليس بعده نبي ، فكان إرساله من علامات الساعة .

وفي " المسند " ، عن ابن عمر ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، قال : " بعثت بالسيف بين يدي الساعة حتى يعبد الله وحده لا شريك له " .

وفسر قتادة وغيره قوله : " كهاتين " - وأشار بالسبابة والوسطى ، بأن المراد : كفضل إحداهما على الأخرى - يعني : كفضل الوسطى على السبابة .

وقد ذكر ابن جرير الطبري : أن فضل ما بين السبابة والوسطى نحو نصف سبع ، وكذلك قدر ما بين صلاة العصر في أوسط نهارها بالإضافة إلى باقي النهار نصف سبع اليوم تقريبا ، فإن كانت الدنيا سبعة آلاف سنة ، فنصف يوم خمسمائة سنة .

وقد روي في ذلك حديث ابن زمل ، مرفوعا : أن الدنيا سبعة آلاف سنة ، وأنه صلى الله عليه وسلم في آخرها ألفا .

وإسناده لا يصح .

ويشهد لهذا الذي ذكره ابن جرير : ما خرجه أبو داود من حديث أبي ثعلبة الخشني ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، قال : " لن يعجز الله هذه الأمة من نصف يوم " .

وروي موقوفا ، ووقفه أصح عند البخاري وغيره .

[ ص: 149 ] وخرج أبو داود - أيضا - بإسناد منقطع عن سعد ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، قال : " إني لأرجو أن لا يعجز أمتي عند ربهم أن يؤخرهم نصف يوم " . قيل لسعد : كم نصف يوم ؟ قال : خمسمائة سنة .

وإن صح هذا ، فإنما يدل على أنه صلى الله عليه وسلم رجا لأمته تأخير نصف يوم ، فأعطاه الله رجاءه وزاده عليه ، فإنا الآن في قريب رأس الثمانمائة من الهجرة ، وما ذكره ابن جرير من تقدير ذلك بنصف سبع يوم على التحديد لا يصلح ، وقد ذكر غيره أن المسبحة ستة أسباع الوسطى طولا ، فيكون بينهما من الفضل سبع كامل ، وذلك ألف سنة ، على تقدير أن تكون الدنيا سبعة آلاف سنة ، وأن بعثة النبي - صلى الله عليه وسلم - في آخرها ألفا ، وهذا - أيضا - لا يصح ، ولا يبلغ الفضل بينهما سبعا كاملا .

وقيل : إن قدر الفضل بينهما نحو من ثمن ، كما سنذكره ، إن شاء الله .

وفي " صحيح مسلم " عن أنس ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " بعثت أنا والساعة كهاتين " . قال : وضم السبابة والوسطى .

وقد سبق في رواية الإمام أحمد ، أنه فرق بينهما ، وقد ذكر بعضهم على تقدير صحة رواية التفريق أن فرج ما بين الأصابع الخمس ستة أمثال فرجة ما بين السبابة والوسطى ، وحجم الأصابع الخمس ضعف ما بين المسبحة والوسطى ، فيكون حجم الأصابع الخمس مع الفرج الأربع الواقعة بينهن ثمانية أجزاء فرجة ما بين السبابة والوسطى جزء منها .

ويئول المعنى إلى أن ما بينه صلى الله عليه وسلم وبين الساعة قدر ثمن الدنيا ، وهو ثمانمائة وخمس وسبعون سنة على تقدير ما تقدم ذكره .

[ ص: 150 ] قال : ويعتضد ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم : ( إنما بقاؤكم فيما سلف من الأمم كما بين صلاة العصر والمغرب ) ، فإن ما بين العصر والمغرب قريب من ثمن زمان دورة الفلك التامة مرة واحدة ، وهي أربعة وعشرون ساعة . انتهى ما ذكره .

وأخذ بقاء ما بقي من الدنيا على التحديد من هذه النصوص لا يصح ; فإن الله استأثر بعلم الساعة ، ولم يطلع عليه أحدا من خلقه ، وهو من مفاتح الغيب الخمس التي لا يعلمها إلا الله ; ولهذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( ما المسئول عنها بأعلم من السائل ) . وإنما خرج هذا من النبي - صلى الله عليه وسلم - على وجه التقريب للساعة من غير تحديد لوقتها .

وقد قدمنا أن المراد بهذا الحديث مدة أمة محمد صلى الله عليه وسلم مع مدة أمة موسى وعيسى عليهم السلام ، فمدة هذه الأمم الثلاث كيوم تام ، ومدة ما مضى من الأمم في أول الدنيا كليلة هذا اليوم ; فإن الليل سابق للنهار ، وقد خلق قبله على أصح القولين ، وتلك الليلة السابقة كان فيها نجوم تضيء ويهتدى بها ، وهم الأنبياء المبعوثون فيها ، وقد كان - أيضا - فيهم قمر منير ، وهو إبراهيم الخليل عليه السلام ، إمام الحنفاء ووالد الأنبياء ، وكان بين آدم ونوح ألف سنة ، وبين نوح وإبراهيم ألف سنة ، وبين إبراهيم وموسى عليه السلام ألف سنة . قال ذلك غير واحد من المتقدمين ، حكاه عنهم الواقدي .

وذكر بعض علماء أهل الكتاب أن من آدم إلى إبراهيم ثلاثة آلاف وثلاثمائة وثمان وعشرون سنة ، ومن إبراهيم إلى خروج موسى من مصر خمسمائة وسبع وستون سنة ، وذكر أن من آدم إلى مولد المسيح خمسة آلاف وخمسمائة سنة ، ومن مولد المسيح إلى هجرة محمد صلى الله عليه وسلم ستمائة وأربع عشرة سنة ، ومن آدم إلى الهجرة ستة آلاف سنة ومائة وأربع عشرة سنة ، ومن خروج بني إسرائيل إلى الهجرة ألفان ومائتان وتسع وسبعون سنة ، ولكن إنما يؤرخون بالسنة الشمسية لا القمرية .

[ ص: 151 ] وأما ابتداء رسالة موسى عليه السلام فكانت كابتداء النهار ، فإن موسى وعيسى ومحمدا صلى الله عليهم وسلم هم أصحاب الشرائع والكتب المتبعة والأمم العظيمة .

وقد أقسم الله بمواضع رسالاتهم في قوله : والتين والزيتون وطور سينين وهذا البلد الأمين

وفي التوراة : ( جاء الله من طور سيناء ، وأشرق من ساعير ، واستعلن من جبال فاران ) .

ولهذا سمي محمدا صلى الله عليه وسلم سراجا منيرا ; لأن نوره للدنيا كنور الشمس وأتم وأعظم وأنفع ، فكانت مدة عمل بني إسرائيل إلى ظهور عيسى كنصف النهار الأول ، ومدة عمل أمة عيسى كما بين الظهر والعصر ، ومدة عمل المسلمين كما بين العصر إلى غروب الشمس ، وهذا أفضل أوقات النهار .

ولهذا كانت الصلاة الوسطى هي العصر على الصحيح ; وأفضل ساعات يوم الجمعة ويوم عرفة من العصر إلى غروب الشمس ، فلهذا كان خير قرون بني آدم القرن الذي بعث فيه محمد صلى الله عليه وسلم .

وقد خرج البخاري ذلك من حديث أبي هريرة مرفوعا .

وقد أعطى الله تعالى من عمل بالتوراة والإنجيل قيراطا قيراطا ، وأعطى هذه الأمة لعملهم قيراطين .

فقال الخطابي : كان كل من الأمم الثلاثة قد استؤجر ليعمل تمام النهار بقيراطين ، فلما عجز كل واحد من الأمتين قبلها ، وانقطع عن عمله في وسط المدة أعطى قيراطا واحدا ، وهذه الأمة أتمت مدة عملها فكمل لها أجرها .

وقد جاء في رواية أخرى من حديث ابن عمر ، أن كل طائفة منهم استؤجرت لتعمل إلى مدة انتهاء عملها على ما حصل لها من الأجر .

[ ص: 152 ] فقال الخطابي : لفظه مختصر ، وإنما أخبر الراوي بما آل إليه الأمر فقط .

وفيما قاله نظر ، وسيأتي الكلام عليه في الحديث الثالث - إن شاء الله .

وعجز اليهود والنصارى عن إتمام المدة هو بما حصل لهم مما لا ينفع معه عمل ، مع البقاء على ما هم عليه من النسخ والتبديل ، مع تمكنهم من إتمام العمل بالإيمان بالكتاب الذي أنزل بعد كتابهم .

وقولهم : ( نحن أكثر عملا وأقل أجرا ) .

أما كثرة عمل اليهود فظاهر ; فإنهم عملوا إلى انتصاف النهار ، وأما النصارى فإنهم عملوا من الظهر إلى العصر ، وهو نظير مدة عمل المسلمين .

فاستدل بذلك من قال : إن أول وقت العصر مصير كل شيء مثليه ، وهم أصحاب أبي حنفية ، قالوا : لأنه لو كان أول وقت العصر مصير ظل كل شيء مثله لكان مدة عملهم ومدة عمل المسلمين سواء .

وأجاب عن ذلك من قال : إن أول وقت العصر مصير ظل الشيء مثله من أصحابنا والشافعية وغيرهم بوجوه :

منها : أن أحاديث المواقيت مصرحة بأن أول وقت العصر مصير ظل الشيء مثله ، وهذا الحديث إنما ساقه النبي - صلى الله عليه وسلم - مساق ضرب الأمثال ، والأمثال مظنة التوسع فيها ، فكان الأخذ بأحاديث توقيت العصر المسوقة لبيان الوقت أولى .

ومنها : أن المراد بقولهم : ( أكثر عملا ) ، أن عمل مجموع الفريقين أكثر .

فإن قيل : فقد قالوا : ( وأقل أجرا ) ومجموع الفريقين لهم قيراطان كأجر هذه الأمة .

قيل : لكن القيراطان في مقابلة عمل كثير ، فإنهما عملا ثلاثة أرباع النهار بقيراطين ، وعمل المسلمون ربع النهار بقيراطين ، فلذلك كان أولئك أقل أجرا .

[ ص: 153 ] ومنها : أن وقت العصر إذا سقط من أوله مدة التأهب للصلاة بالأذان والإقامة والطهارة والستارة وصلاة أربع ركعات والمشي إلى المساجد ، صار الباقي منه إلى غروب الشمس أقل مما بين الظهر والعصر .

وحقيقة هذا : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما أراد أن أمته عملت من زمن فعل صلاة العصر المعتاد لا من أول دخول وقتها .

ومنها : أن كثرة العمل لا يلزم منه طول المدة، فقد يعمل الإنسان في مدة قصيرة أكثر مما يعمل غيره في مدة طويلة .

وقد ضعف هذا ; بأن ظاهر الحديث يرده ، ويدل على اعتبار طول المدة وقصرها ، إلا أن يقال : كنى عن كثرة العمل وقلته بطول المدة وقصرها ، وفيه بعد .

وقد روى هشام بن الكلبي ، عن أبيه ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس ، قال : كان بين موسى وعيسى ألف سنة وتسعمائة سنة ، ولم يكن بينهما فترة ، وأنه أرسل بينهما ألف نبي من بني إسرائيل سوى من أرسل من غيرهم ، وكان بين ميلاد عيسى والنبي صلى الله عليه وسلم ألف سنة وتسع وستون سنة ، بعث في أولها ثلاثة أنبياء ، وكانت الفترة التي لم يبعث الله فيها رسولا أربعمائة سنة وأربع وثمانون سنة .

هذا إسناد ضعيف ، لا يعتمد عليه .

وإنما يصح ذلك على تقدير أن يكون بين عيسى ومحمد أنبياء ، والحديث الصحيح يدل على أنه ليس بينهما نبي ، ففي ( صحيح البخاري ) عن سلمان ، أن مدة الفترة كانت ستمائة سنة .

[ ص: 154 ] وقد ذكر قوم : أن من لدن خلق آدم إلى وقت هجرة النبي - صلى الله عليه وسلم - ستة آلاف سنة ، تنقص ثمان سنين .

وقال آخرون : بينهما أربعة آلاف وستمائة واثنان وأربعون سنة وأشهر .

واختلفوا في مدة بقاء الدنيا جميعها :

فروي عن ابن عباس ، أنها جمعة من جمع الآخرة ، سبعة آلاف سنة .

وعن كعب ووهب ، أنها ستة آلاف سنة .

وعن مجاهد وعكرمة ، قالا : مقدار الدنيا من أولها إلى آخرها خمسون ألف سنة ، ولا يعلم ما مضى منه وما بقي إلا الله عز وجل ، وأن ذلك هو اليوم الذي قال الله فيه : تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة

خرجه ابن أبي حاتم في ( تفسيره ) .

وقد قدمنا : أن حديث ابن عمر الذي خرجه البخاري هاهنا يدل على أن مدة الدنيا كلها كيوم وليلة ، وأن مدة الأمم الثلاث أصحاب الشرائع المتبعة قريب من نصف ذلك ، وهو قدر يوم تام ، وأن مدة اليهود منه إلى ظهور عيسى حيث كانت أعمالهم صالحة تنفعهم عند الله كما بين صلاة الصبح إلى صلاة الظهر ، ومدة النصارى إلى ظهور محمد صلى الله عليه وسلم حيث كانت أعمالهم صالحة مقبولة كما بين صلاة الظهر والعصر ، ومدة المسلمين منه من صلاة العصر إلى غروب الشمس ، وذلك في الزمان المعتدل قدر ربع النهار ، وهو قدر ثمن الليل والنهار كما سبق ذكره وتقديره .

لكن مدة الماضي من الدنيا إلى بعثة محمد صلى الله عليه وسلم ، ومدة الباقي منها إلى يوم القيامة ، لا يعلمه على الحقيقة إلا الله عز وجل ، وما يذكر في ذلك فإنما هو ظنون لا تفيد علما .

[ ص: 155 ] وكان مقصود البخاري بتخريج هذا الحديث في هذا الباب : أن وقت العصر يمتد إلى غروب الشمس ; لأنه جعل عمل المسلمين مستمرا من وقت العصر إلى غروب الشمس ، وإنما ضرب المثل لهم بوقت صلاة العصر ، واستمرار العمل إلى آخر النهار لاستمرار مدة وقت العصر إلى غروب الشمس ، وأن ذلك كله وقت لعملهم ، وهو صلاة العصر ، فكما أن مدة صلاتهم تستمر إلى غروب الشمس ، فكذلك مدة عملهم بالقرآن في الدنيا مستمر من حين بعث محمد صلى الله عليه وسلم حتى تقوم عليهم الساعة ويأتي أمر الله وهم على ذلك .

التالي السابق


الخدمات العلمية