صفحة جزء
[ ص: 132 ] فصل

خرج البخاري ومسلم :

32 32 - من حديث ابن مسعود قال : لما نزلت الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم - قال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم : أينا لم يظلم نفسه ؟ فأنزل الله إن الشرك لظلم عظيم


معنى هذا أن الظلم يختلف :

فيه ظلم ينقل عن الملة ، كقوله تعالى : إن الشرك لظلم عظيم وقوله تعالى : والكافرون هم الظالمون فإن الظلم وضع الشيء في غير موضعه ، وأعظم ذلك أن يوضع المخلوق في مقام الخالق ، ويجعل شريكا له في الربوبية وفي الإلهية ، سبحانه وتعالى عما يشركون .

وأكثر ما يرد في القرآن وعيد الظالمين يراد به الكفار كقوله تعالى : ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون الآيات ، وقوله : وترى الظالمين لما رأوا العذاب يقولون هل إلى مرد من سبيل الآيات ، ومثل هذا كثير .

ويراد بالظلم ما لا ينقل عن الملة ، كقوله تعالى : فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات وقوله : ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون

وحديث ابن مسعود هذا صريح في أن المراد بقوله تعالى : الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم - أن الظلم هو الشرك .

وجاء في بعض رواياته زيادة : قال " إنما هو الشرك " .

[ ص: 133 ] وروى حماد بن سلمة ، عن علي بن زيد ، عن يوسف بن مهران ، عن ابن عباس - أن عمر بن الخطاب كان إذا دخل بيته نشر المصحف فقرأ ، فدخل ذات يوم فقرأ ، فأتى على هذه الآية الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم إلى آخر الآية ، فانتعل وأخذ رداءه ، ثم أتى أبي بن كعب ، فقال : يا أبا المنذر ، أتيت قبل على هذه الآية الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم وقد ترى أنا نظلم ونفعل ! فقال : يا أمير المؤمنين ، إن هذا ليس بذلك ، يقول الله تعالى : إن الشرك لظلم عظيم إنما ذلك الشرك .

خرجه محمد بن نصر المروزي .

وخرجه أيضا من طريق حماد بن زيد ، عن علي بن زيد ، عن سعيد بن المسيب ، أن عمر أتى على هذه الآية - فذكره .

وحماد بن سلمة مقدم على حماد بن زيد في علي بن زيد خاصة .

وروى أيضا بإسناده ، عن سفيان ، عن ابن جريج ، عن عطاء قال : كفر دون كفر ، وظلم دون ظلم ، وفسق دون فسق .

يعني أن الفسق قد يكون ناقلا عن الملة كما قال في حق إبليس : ففسق عن أمر ربه وقال : وأما الذين فسقوا فمأواهم النار كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها وقيل لهم ذوقوا عذاب النار الذي كنتم به تكذبون

وقد لا يكون الفسق ناقلا عن الملة كقوله تعالى : ولا يضار كاتب ولا شهيد وإن تفعلوا فإنه فسوق بكم وقوله في الذين يرمون [ ص: 134 ] المحصنات : ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون وقوله : فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج

وفسرت الصحابة الفسوق في الحج بالمعاصي كلها ، ومنهم من خصها بما ينهى عنه في الإحرام خاصة .

وكذلك الشرك منه ما ينقل عن الملة ، واستعماله في ذلك كثير في الكتاب والسنة ، ومنه ما لا ينقل كما جاء في الحديث " من حلف بغير الله فقد أشرك " وفي الحديث " الشرك في هذه الأمة أخفى من دبيب النمل " ، وسمى الرياء شركا .

وتأول ابن عباس على ذلك قوله تعالى : وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون قال : إن أحدهم يشرك حتى يشرك بكلبه : لولا الكلب لسرقنا الليلة .

قال تعالى : فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا

وقد روي أنها نزلت في الرياء في العمل .

وقيل للحسن : يشرك بالله ؟ قال : لا ، ولكن أشرك بذلك العمل عملا يريد به الله والناس ، فذلك يرد عليه .

التالي السابق


الخدمات العلمية