صفحة جزء
26 [ ص: 211 ] - باب

فضل صلاة الفجر

وفيه حديثان :

الأول :

547 573 - حدثنا مسدد : ثنا يحيى ، عن إسماعيل : ثنا قيس ، قال لي جرير بن عبد الله : كنا عند النبي - صلى الله عليه وسلم - إذ نظر إلى القمر ليلة البدر ، فقال : ( أما إنكم سترون ربكم كما ترون هذا لا تضامون - أو لا تضاهون - في رؤيته ، فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا ) . ثم قال : فسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها .


قد سبق هذا الحديث والكلام عليه في ( باب : فضل صلاة العصر ) ، وليس في هذه الرواية زيادة على ما في الرواية السابقة ، إلا الشك في ( تضامون أو تضاهون ) ، وقد سبق تفسير : تضامون .

وأما ( تضاهون ) : فإن كانت محفوظة ، فالمعنى - والله أعلم - : أنكم لا تشبهون به عند رؤيته شيئا من خلقه ; فإنه سبحانه وتعالى لا مثل له ولا عدل ولا كفء .

ويشهد لهذا : ما روى علي بن زيد بن جدعان ، عن عمارة القرشي ، عن أبي بردة ، عن أبي موسى ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، قال : ( يجمع الله الأمم في صعيد واحد يوم القيامة ، ثم يأتينا ربنا ونحن على مكان مرتفع فيقول : من أنتم ؟ فنقول : نحن المسلمون . فيقول : ما تنتظرون . فنقول : ننتظر ربنا عز وجل ، فيقول : وهل تعرفونه إن رأيتموه ؟ فنقول : نعم ; إنه لا عدل له ، فيتجلى لنا ضاحكا ، فيقول : أبشروا معاشر المسلمين ; فإنه ليس منكم أحد إلا جعلت في النار يهوديا أو نصرانيا مكانه ) .

[ ص: 212 ] خرجه الإمام أحمد .

وخرجه أبو بكر الآجري في كتاب ( التصديق بالنظر ) ، ولفظه : ( فيقولون : إن لنا ربا كنا نعبده في الدنيا لم نره . قال : وتعرفونه إذا رأيتموه ؟ فيقولون : نعم . فيقال لهم : وكيف تعرفونه ولم تروه ؟ قالوا : إنه لا شبه له ، فيكشف لهم الحجاب ، فينظرون إلى الله عز وجل ، فيخرون له سجدا ) - وذكر الحديث .

وروى أبو حمة محمد بن يوسف : حدثنا أبو قرة الزبيدي ، عن مالك بن أنس ، عن زياد بن سعد ، عن أبي الزبير ، عن جابر بن عبد الله ، يقول : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : ( إذا كان يوم القيامة جمعت الأمم ، ودعي كل أناس بإمامهم ) - فذكر الحديث بطوله ، إلى أن قال : ( حتى يبقى المسلمون ، فيقف عليهم ، فيقول : من أنتم ؟ فيقولون : نحن المسلمون . قال : خير اسم وخير داعية . فيقول : من نبيكم ؟ فيقولون : محمد ، فيقول : ما كتابكم ؟ فيقولون : القرآن ، فيقول : ما تعبدون ؟ فيقولون : نعبد الله وحده ، لا شريك له . قال : سينفعكم ذلك إن صدقتم . قالوا : هذا يومنا الذي وعدنا . فيقول : أتعرفون الله إن رأيتموه ؟ فيقولون : نعم . فيقول : وكيف تعرفونه ولم تروه ؟ فيقولون : نعلم أنه لا عدل له . قال : فيتجلى لهم تبارك وتعالى ، فيقولون : أنت ربنا تباركت أسماؤك ، ويخرون له سجدا ، ثم يمضي النور بأهله ) .

خرجه أبو إسماعيل الأنصاري في ( كتاب الفاروق ) .

وروى شعبة ، عن إسماعيل بن أبي خالد حديث جرير بن عبد الله ، وقال في روايته : ( لا تضارون في رؤيته ) .

وكذا في رواية أبي سعيد وأبي هريرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .

[ ص: 213 ] وقد خرج حديثهما البخاري في آخر ( كتابه ) .

ورويت : ( تضارون ) بتشديد الراء وتخفيفها .

فمن رواه بالتشديد ، فالمعنى : لا يخالف بعضكم بعضا فيكذبه ، كما يفعل الناس في رؤية الأشياء الخفية عليهم كالأهلة . يقال : ضاررته مضارة إذا خالفته ، ومنه سميت الضرة لمخالفتها الأخرى .

وقيل : المعنى : لا تضايقون ، والمضارة : المضايقة . ذكره الهروي .

ومن رواه بتخفيف الراء ، فهي من الضير ، والضير : الضر ، يقال : ضاره يضيره ويضوره ، إذا ضره . وهي قريبة من المعنى إلى الأولى .

وفي رواية أبي هريرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( هل تمارون في القمر ليلة البدر ليس دونه سحاب ؟ ) قالوا : لا . قال : ( فهل تمارون في الشمس ليس دونها سحاب ؟ ) قالوا : لا . قال : ( فإنكم ترونه كذلك ) .

وفسر قوله : ( هل تمارون ) بأن المعنى : هل تشكون ، والمرية : الشك .

ويحتمل أن يكون المراد : هل يحصل لكم تمار واختلاف في رؤيتهما ؟ فكما لا يحصل لكم في رؤيتهما تمار واختصام ، فكذلك رؤية الله عز وجل .

والتماري والتنازع إنما يقع من الشك وعدم اليقين ، كما يقع في رؤية الأهلة .

وقوله في هذه الرواية : ثم قال : فسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها هكذا في هذه الرواية ، وهذا إشارة إلى آية سورة ( طه ) ، وتلك إنما هي بالواو ( وسبح ) ، وفي الرواية السابقة فسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب . وهو إشارة إلى آية سورة ( ق ) وهي بالفاء كما في الرواية .

التالي السابق


الخدمات العلمية