صفحة جزء
وخرج البخاري في هذا الباب ثلاثة أحاديث :

الحديث الأول :

550 575 - حدثنا عمرو بن عاصم : ثنا همام ، عن قتادة ، عن أنس ، أن زيد بن ثابت حدثه ، أنهم تسحروا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم قاموا إلى الصلاة .

قلت : كم كان بينهما ؟ قال : قدر خمسين أو ستين - يعني : آية .


551 576 - حدثنا الحسن بن الصباح : سمع روح بن عبادة : ثنا سعيد ، عن قتادة ، عن أنس بن مالك ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وزيد بن ثابت تسحرا ، فلما فرغا من سحورهما قام نبي الله صلى الله عليه وسلم ، فصليا .

[ ص: 219 ] قلت لأنس : كم بين فراغهما من سحورهما ودخولهما في الصلاة ؟ قال : قدر ما يقرأ الرجل خمسين آية .



مقصود البخاري : تبيين الاختلاف في إسناد هذا الحديث على قتادة ، فهمام جعله عن قتادة عن أنس عن زيد بن ثابت ، وسعيد بن أبي عروبة جعله عن قتادة عن أنس من مسنده .

وقد خرجه البخاري في ( الصيام ) من حديث هشام الدستوائي ، عن قتادة ومسلم من رواية هشام وهمام وعمر بن عامر ، كلهم عن قتادة ، عن أنس ، عن زيد .

وفي رواية البخاري : ( كم بين الأذان والسحور ؟ قال : قدر خمسين آية ) .

وقال عفان وبهز بن أسد ، عن همام في حديثه : قلت لزيد : كم بين ذلك ؟

فصرح بأن المسئول زيد .

وقد خرجه عنهما الإمام أحمد .

وكذا رواه خالد بن الحارث ، عن سعيد ، عن قتادة ، عن أنس عن زيد ، وقال في حديثه : ( أنس القائل : كم كان بينهما ) .

فخالف خالد سائر أصحاب سعيد في ذكره زيدا في الإسناد .

وقد خرجه الإسماعيلي في ( صحيحه ) ، وقال : يحتمل أن يكون أنس سأل زيدا فأخبره ، وأن يكون قتادة أو غيره سأل أنسا فأرسل له قدر ما كان بينهما ، كما أرسل أصل الخبر ، ولم يقل : عن زيد .

[ ص: 220 ] وهذا يدل على أن الصواب عنده : أن الحديث عن أنس ، عن زيد ، فهو من مسند زيد ، لا من مسند أنس .

ورواه معمر ، عن قتادة كما رواه سعيد ، جعله من مسند أنس .

خرجه النسائي من طريقه .

ولفظ حديثه : عن أنس ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وذلك عند السحر - : ( يا أنس ، إني أريد الصيام ، أطعمني شيئا ) ، فأتيته بتمر وإناء فيه ماء ، وذلك بعدما أذن بلال . قال : ( يا أنس ، انظر رجلا يأكل معي ) ، فدعوت زيد بن ثابت ، فجاءه ، فقال : ( إني شربت شربة من سويق ، وأنا أريد الصيام . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( وأنا أريد الصيام ) ، فتسحر معه ، ثم قام فصلى ركعتين ، ثم خرج إلى الصلاة .

ومقصود البخاري بهذا الحديث في هذا الباب : الاستدلال به على تغليس النبي - صلى الله عليه وسلم - بصلاة الفجر ; فإنه تسحر ثم قام إلى الصلاة ، ولم يكن بينهما إلا قدر خمسين آية .

وأكثر الروايات تدل على أن ذلك قدر ما بين السحور والصلاة .

وفي رواية البخاري المخرجة في ( الصيام ) : أن ذلك قدر ما بين [الأذان و] السحور .

وهذه صريحة بأن السحور كان بعد أذان بلال بمدة قراءة خمسين آية .

وفي رواية معمر : أنه لم يكن بين سحوره وصلاة الفجر سوى ركعتي الفجر ، والخروج إلى المسجد .

[ ص: 221 ] وهذا مما يستدل به على أنه - صلى الله عليه وسلم - صلى يومئذ الصبح حين بزغ الفجر .

وقد روى حذيفة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - نحو حديث زيد ، لكنه استدل به على تأخير السحور ، وأنه كان بعد الفجر .

فروى عاصم ، عن زر بن حبيش ، قال : تسحرت ، ثم انطلقت إلى المسجد ، فمررت بمنزل حذيفة بن اليمان ، فدخلت عليه ، فأمر بلقحة فحلبت وبقدر فسخنت ، ثم قال : ادن فكل . فقلت : إني أريد الصوم . فقال : وأنا أريد الصوم ، فأكلنا وشربنا ، وأتينا المسجد ، فأقيمت الصلاة ، فقال حذيفة : هكذا فعل بي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . قلت : أبعد الصبح ؟ قال : نعم ، هو الصبح غير أن لم تطلع الشمس .

خرجه الإمام أحمد .

وخرج منه النسائي وابن ماجه : أن حذيفة قال : تسحرت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ، هو النهار إلا أن الشمس لم تطلع .

وقد روي من غير وجه ، عن حذيفة .

قال الجوزجاني : هو حديث أعيا أهل العلم معرفته .

وقد حمل طائفة من الكوفيين ، منهم : النخعي وغيره هذا الحديث على جواز السحور بعد طلوع الفجر في السماء ، حتى ينتشر الضوء على وجه الأرض .

وروي عن ابن عباس وغيره : حتى ينتشر الضوء على رءوس الجبال .

ومن حكى عنهم ، أنهم استباحوا الأكل حتى تطلع الشمس فقد أخطأ .

وادعى طائفة : أن حديث حذيفة كان في أول الإسلام ونسخ .

[ ص: 222 ] ومن المتأخرين من حمل حديث حذيفة على أنه يجوز الأكل في نهار الصيام حتى يتحقق طلوع الفجر ، ولا يكتفي بغلبة الظن بطلوعه .

وقد نص على ذلك أحمد وغيره ; فإن تحريم الأكل معلق بتبين الفجر ، وقد قال علي بعد صلاته للفجر : الآن تبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر .

وأنه يجوز الدخول في صلاة الفجر بغلبة ظن طلوع الفجر كما هو قول أكثر العلماء على ما سبق ذكره .

وعلى هذا ، فيجوز السحور في وقت تجوز فيه صلاة الفجر ، إذا غلب على الظن طلوع الفجر ، ولم يتيقن ذلك .

وإذا حملنا حديث حذيفة على هذا ، وأنهم أكلوا مع عدم تيقن طلوع الفجر ، فيكون دخولهم في الصلاة عند تيقن طلوعه والله أعلم .

ونقل حنبل عن أحمد ، قال : إذا نور الفجر وتبين طلوعه حلت الصلاة ، وحرم الطعام والشراب على الصائم .

وهذا يدل على تلازمهما ، ولعله يرجع إلى أنه لا يجوز الدخول في الصلاة إلا بعد تيقن دخول الوقت .

وقد روي عن ابن عباس وغيره من السلف تلازم وقت صلاة الفجر وتحريم الطعام على الصائم .

وروي في حديث ابن عباس المرفوع ، أن جبريل صلى بالنبي صلى الله عليه وسلم في اليوم الأول حين حرم الطعام على الصائم .

وقد خرج البخاري في ( الحج ) حديث ابن مسعود ، أنه قال بالمزدلفة حين [ ص: 223 ] طلع الفجر : إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان لا يصلي هذه الساعة إلا هذه الصلاة في هذا المكان من هذا اليوم .

وفي رواية له : أنه صلى الفجر حين طلع الفجر ، قائل يقول : قد طلع الفجر ، وقائل يقول : لم يطلع الفجر ، ثم قال : إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ( إن هاتين الصلاتين حولتا عن وقتهما في هذا المكان المغرب والعشاء فلا يقدم الناس جمعا حتى يعتموا ، وصلاة الفجر هذه الساعة ) .

وهذا كله يدل على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم تكن عادته أنه يصلي الفجر ساعة بزوغ الفجر ، وإنما فعل ذلك بمزدلفة يوم النحر . والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية