صفحة جزء
[ ص: 241 ] 28 - باب من أدرك من الفجر ركعة

554 579 - حدثنا عبد الله بن مسلمة : عن مالك ، عن زيد بن أسلم ، عن عطاء بن يسار وعن بسر بن سعيد ، وعن الأعرج ، يحدثونه عن أبي هريرة ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ( من أدرك من الصبح ركعة قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح ، ومن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر ) .


هذا الحديث نص في أن من صلى الفجر قبل طلوع الشمس فإنه مدرك لوقتها ; فإنه إذا كان مدركا لها بإدراكه منها ركعة قبل طلوع الشمس ، فكيف إذا أدركها كلها قبل الطلوع ؟

فإن قال قائل : نحمله على أهل الأعذار والضرورات ، كما حملتم قوله : ( من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدركها ) على حال الضرورة .

قلنا : في العصر قد دل دليل على كراهة التأخير إلى اصفرار الشمس ، ولم يدل دليل على كراهة تأخير الفجر إلى الإسفار .

وقد ذكرنا معنى قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( فقد أدركها ) في ( باب : من أدرك ركعة من العصر قبل الغروب ) .

وقد فسره الإمام أحمد بإدراك وقتها .

وجمهور العلماء على أن تأخير صلاة الفجر حتى يبقى منها مقدار ركعة قبل طلوع الشمس لغير ضرورة غير جائز ، وقد نص عليه الإمام أحمد ، وحكي جوازه عن إسحاق وداود .

وتقدم مثله في صلاة العصر .

وقد سبق الحديث في ( باب : من أدرك ركعة من العصر قبل الغروب ) من [ ص: 242 ] حديث أبي سلمة ، عن أبي هريرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، قال : ( إذا أدرك أحدكم سجدة من العصر قبل أن تغرب الشمس فليتم صلاته ، وإذا أدرك سجدة من صلاة الصبح قبل أن تطلع الشمس فليتم صلاته ) .

وقد روى الدراوردي عن زيد بن أسلم حديث أبي هريرة الذي خرجه البخاري هاهنا بالإسناد الذي رواه عنه مالك ، ولفظ حديثه : ( من أدرك من الصبح ركعة قبل أن تطلع الشمس وركعة بعدما تطلع فقد أدركها ، ومن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس وثلاثا بعدما تغرب فقد أدركها ) .

ورواه - أيضا - مسلم بن خالد ، عن زيد بن أسلم ، عن الأعرج وعطاء ، عن أبي هريرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في صلاة الصبح بمعنى رواية الدراوردي .

ورواه أبو غسان ، عن زيد بن أسلم ، عن عطاء ، عن أبي هريرة ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ( من صلى سجدة واحدة من العصر قبل غروب الشمس ، ثم صلى ما بقي بعد غروب الشمس فلم تفته العصر ، ومن صلى سجدة من الصبح قبل طلوع الشمس ، ثم صلى ما بقي بعد طلوع الشمس فلم تفته الصبح ) .

وروى سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة ، عن خلاس ، عن أبي رافع ، عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ( إذا أدركت ركعة من صلاة الصبح قبل أن تطلع الشمس فصل إليها أخرى ) .

خرجه الإمام أحمد .

[ ص: 243 ] ورواه همام عن قتادة - بنحوه ، وصرح فيه بسماع قتادة من خلاس .

ورواه هشام الدستوائي ، عن قتادة ، عن عزرة بن تميم ، عن أبي هريرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، قال : ( إذا صلى أحدكم ركعة من صلاة الصبح ثم طلعت الشمس فليصل إليها أخرى ) .

وفي هذه النصوص كلها : دليل صريح على أن من صلى ركعة من الفجر قبل طلوع الشمس ثم طلعت الشمس أنه يتم صلاته وتجزئه ، وكذلك كل من طلعت عليه الشمس وهو في صلاة الفجر فإنه يتم صلاته وتجزئه ، وهو قول جمهور العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم .

وروى الشافعي : أخبرنا ابن عيينة ، عن ابن شهاب ، عن أنس ، أن أبا بكر صلى بالناس الصبح ، فقرأ سورة البقرة ، فقال له عمر : كادت الشمس أن تطلع ، فقال : لو طلعت لم تجدنا غافلين .

وروى عاصم الأحول ، عن أبي عثمان النهدي ، قال : صليت مع عمر بن الخطاب الفجر ، فلما سلم ظن الرجال ذوو العقول أن الشمس طلعت ، فلما سلم قالوا : يا أمير المؤمنين ، كادت الشمس تطلع ، فتكلم بشيء لم أفهمه ، فقلت : أي شيء قال ؟ فقالوا : قال : لو طلعت لم تجدنا غافلين .

وروى الأوزاعي : حدثني يحيى بن سعيد ، عن سعيد المقبري ، قال : كان أبو هريرة يقول : من نام أو غفل عن صلاة الصبح فصلى ركعة من صلاة الصبح قبل أن تطلع الشمس والأخرى بعد طلوعها فقد أدركها . وقال في [ ص: 244 ] العصر كذلك .

وممن ذهب إلى ذلك من العلماء : مالك والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور .

وكذلك قال الثوري ، إلا أنه قال : يستحب أن يعيدها .

وقال أبو حنيفة وأصحابه : تبطل صلاته ; لأنه دخل في وقت نهي عن الصلاة فيه .

فبطلت صلاته ، بناء على أصلين لهم : أحدهما : أن ما وقع منها بعد طلوع الشمس يكون قضاء . والثاني : أن الفوائت لا تقضى في أوقات النهي .

وأما الجمهور فخالفوا في الأصلين .

وقد تقدم ذكر الاختلاف فيما يقع من الصلاة خارج الوقت إذا وقع أولها في الوقت : هل هو قضاء ، أو لا ؟ وأن ظاهر مذهب الشافعي وأحمد لا يكون قضاء ; لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( فقد أدركها ) .

وأما قضاء الفوائت في أوقات النهي ، فخالف فيه جمهور العلماء ، وأجازوه عملا بعموم قوله : ( من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها ) .

وقالوا : إنما النهي عن النفل ، لا عن الفرض ، ولهذا يجوز أن يصلي بعد اصفرار الشمس ودخول وقت النهي صلاة العصر الحاضرة ، وقد وافق عليه أبو حنيفة وأصحابه ، وإنما خالف فيه بعض الصحابة .

وعلى تقدير تسليم منع القضاء في أوقات النهي ، فإنما ذاك في القضاء المبتدأ به في وقت النهي ، فأما المستدام فلا يدخل في النهي ; فإن القواعد تشهد بأنه يغتفر في الاستدامة ما لا يغتفر في الابتداء .

وعلى هذا ; فنقول في النفل كذلك ، وأن من كان في نافلة فدخل عليه وقت نهي عن الصلاة لم تبطل صلاته ويتمها ، وهو ظاهر كلام الخرقي من أصحابنا ، وصرح به ابن عقيل منهم .

[ ص: 245 ] وقد روى محمد بن سنان العوقي : حدثنا همام : ثنا قتادة ، عن النضر بن أنس ، عن بشير بن نهيك ، عن أبي هريرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، قال : ( من صلى ركعة من الصبح ثم طلعت الشمس فليصل الصبح ) .

قال البيهقي في ( خلافياته ) : هذا ليس بمحفوظ ، إنما المحفوظ : عن قتادة - بغير هذا الإسناد - : ( فليتم صلاته ) - كما تقدم ، وإنما المحفوظ بهذا الإسناد : حديث : ( من لم يصل ركعتي الفجر حتى طلعت الشمس فليصلها ) . انتهى .

وقد خرج الترمذي في ( جامعه ) حديث همام ، عن قتادة ، عن النضر بن أنس ، عن بشير بن نهيك ، عن أبي هريرة - مرفوعا - : ( من لم يصل ركعتي الفجر فليصلهما بعد ما تطلع الشمس ) .

ثم قال : لم يروه عن همام بهذا الإسناد نحو هذا إلا عمرو بن عاصم الكلابي ، والمعروف من حديث قتادة : عن النضر بن أنس ، عن بشير بن نهيك ، عن أبي هريرة ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ( من أدرك ركعة من صلاة الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح ) . انتهى .

وإذا كان هذا معروفا بهذا الإسناد عن قتادة ، فلم يهم فيه محمد بن سنان ، وإنما غير بعض لفظه حيث قال : ( فليصل الصبح ) ، وهو رواية بالمعنى الذي فهمه من قوله : ( فليتم صلاته ) ، ومراده : فليتم صلاة الصبح ، وليستمر فيها .

والحديث الذي أشار إليه الترمذي خرجه الإمام أحمد : حدثنا بهز ، قال : ثنا همام : ثنا قتادة ، عن النضر بن أنس ، عن بشير بن نهيك ، عن أبي هريرة - قال همام : وجدت في كتابي : عن بشير بن نهيك ، ولا أظنه إلا عن النضر بن أنس ، عن بشير بن نهيك ، عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ( من صلى - [ ص: 246 ] يعني : ركعتي الصبح - ، ثم طلعت الشمس ، فليتم صلاته ) .

ورواه - أيضا - عن عبد الصمد ، عن همام : ثنا قتادة ، عن النضر بن أنس ، عن بشير بن نهيك ، عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، قال : ( من صلى من الصبح ركعة ثم طلعت الشمس فليصل إليها أخرى ) .

هكذا روى همام ، عن قتادة هذا الحديث ، وقد تقدم أن سعيد بن أبي عروبة وهشاما الدستوائي رويا أصل الحديث عن قتادة ، واختلفا في إسناده .

قال ابن أبي حاتم : سألت أبي عن اختلافهم على قتادة ؟ فقال أبي : أحسب الثلاثة كلها صحاحا ، وقتادة كان واسع الحديث ، وأحفظهم سعيد قبل أن يختلط ، ثم هشام ، ثم همام .

التالي السابق


الخدمات العلمية