صفحة جزء
44 [ ص: 154 ] فصل

قال البخاري :

33 - باب

زيادة الإيمان ونقصانه

وقول الله تعالى : وزدناهم هدى ويزداد الذين آمنوا إيمانا وقال : اليوم أكملت لكم دينكم فإذا ترك شيئا من الكمال فهو ناقص .


استدل البخاري على زيادة الإيمان ونقصانه بقول الله عز وجل : وزدناهم هدى وفي زيادة الهدى إيمان آخر كقوله تعالى : ويزيد الله الذين اهتدوا هدى ويفسر هذا الهدى بما في القلوب من الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ، وتفاصيل ذلك .

ويفسر بزيادة ما يترتب على ذلك من الأعمال الصالحة ; إما القائمة بالقلوب كالخشية لله ومحبته ورجائه والرضا بقضائه والتوكل عليه ونحو ذلك ، أو المفعولة بالجوارح كالصلاة والصيام والصدقة والحج والجهاد والذكر والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ونحو ذلك . وكل ذلك داخل في مسمى الإيمان عند السلف وأهل الحديث ومن وافقهم كما سبق ذكره .

واستدل أيضا بقوله تعالى : ويزداد الذين آمنوا إيمانا وفي معنى هذه الآية قوله تعالى : وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا [ ص: 155 ] وقوله : فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانا

ويفسر الإيمان في هذه الآيات بمثل ما فسر به الهدى في الآيات المتقدمة .

واستدل أيضا بقول الله عز وجل : اليوم أكملت لكم دينكم فدل على أن الدين ذو أجزاء يكمل بكمالها وينقص بفوات بعضها .

وهذه الآية نزلت في آخر حياة النبي صلى الله عليه وسلم ، في حجة الوداع . وقد قيل : إنه لم ينزل بعدها حلال ولا حرام كما قاله السدي وغيره .

وكذا قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قال : بعث الله نبيه بشهادة أن لا إله إلا الله ، فلما صدق بها المؤمنون زادهم الصلاة ، فلما صدقوا بها زادهم الصيام ، فلما صدقوا به زادهم الزكاة ، فلما صدقوا بها زادهم الحج ، فلما صدقوا به زادهم الجهاد . ثم أكمل الله لهم دينهم ، فقال : اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي

ومعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه لم يحجوا حجة الفرض إلا ذلك العام ، فلما حجوا حجة الإسلام كمل لهم الدين بتكميلهم أركان الإسلام حينئذ . ولم يكن الدين قبل ذلك ناقصا كنقص من ترك شيئا من واجبات دينه ، بل كان الدين في كل زمان كاملا بالنسبة إلى ذلك الزمان بما فيه من الشرائع والأحكام ، وإنما هو ناقص بالنسبة إلى زمان الذي بعده الذي تجدد فيه من الشرائع والأحكام ما لم يكن قبل ذلك ، كما يقال : إن شريعة الإسلام أكمل من شريعة موسى وعيسى ، وإن القرآن أكمل من التوراة والإنجيل .

وهذا كما سمى النبي - صلى الله عليه وسلم - النساء ناقصات دين ، وفسر نقصان دينهن بترك [ ص: 156 ] الصلاة والصيام في زمن حيضهن مع أنها قائمة في تلك الحال بما وجب عليها من غير الصلاة ، ولكن نقصان دينها بالنسبة إلى من هي طاهرة تصلي وتصوم .

وهذا مبني على أن الدين هو الإسلام بكماله كما تقدم ذكره ، والبخاري عنده أن الإسلام والإيمان واحد كما تقدم ذكره .

وقد احتج سفيان بن عيينة وأبو عبيد وغيرهم بهذه الآية على تفاضل الإيمان . قال أبو عبيد : قد أخبر الله أنه أكمل الدين في حجة الوداع في آخر الإسلام ، وزعم هؤلاء أنه كان كاملا قبل ذلك بعشرين سنة في أول ما نزل الوحي . قال : وقد اضطر بعضهم حين أدخلت عليه هذه الحجة إلى أن قال : الإيمان ليس هو مجموع الدين ، ولكن الدين ثلاثة أجزاء ; فالإيمان جزء ، والفرائض جزء ، والنوافل جزء .

قال أبو عبيد : وهذا غير ما نطق به الكتاب ; فإن الله أخبر أن الإسلام هو الدين برمته ، وزعم هؤلاء أنه ثلث الدين . انتهى .

فالمرجئة عندهم الإيمان التصديق ، ولا يدخل فيه الأعمال . وأما الدين فأكثرهم أدخل الأعمال في مسماه ، وبعضهم خالف في ذلك أيضا ، والآية نص في رد ذلك ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية