صفحة جزء
572 [ ص: 346 ] 37 - باب

من نسي صلاة فليصل إذا ذكرها ولا يعيد إلا تلك الصلاة

وقال إبراهيم : من ترك صلاة واحدة عشرين سنة لم يعد إلا تلك الصلاة الواحدة .


يدخل تحت تبويب البخاري - رحمه الله - هاهنا مسألتان :

إحداهما :

أن من نسي صلاة ، ثم ذكرها ، فإنه يعيدها مرة واحدة ، ولا يعيدها مرة ثانية .

وهذا قول جمهور أهل العلم .

وروي عن سمرة بن جندب ، أنه يعيدها إذا ذكرها ، ثم يعيدها من الغد لوقتها .

وقد سبق عنه في النوم كذلك .

وروي مرفوعا :

فخرج أبو داود من حديث أبي قتادة ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لهم لما قضى الصلاة التي نام عنها : ( إذا سها أحدكم عن الصلاة فليصلها حين يذكرها ، ومن الغد للوقت ) .

وخرج الإمام أحمد من طريق حماد ، عن بشر بن حرب ، قال : [ ص: 347 ] سمعت سمرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( من نسي صلاة فليصلها حين يذكرها ، ومن الغد للوقت ) .

خرجه الإمام أحمد .

وخرجه - أيضا - من طريق همام ، عن بشر ، عن سمرة ، قال : أحسبه مرفوعا - فذكره .

قال أحمد في رواية أبي طالب : هو موقوف .

يعني : أن رفعه وهم .

وبشر بن حرب ، ضعفه غير واحد .

وخرجه البزار في ( مسنده ) من طريق أولاد سمرة ، به ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يأمرنا إذا نام أحدنا عن الصلاة أو نسيها حتى يذهب حينها التي تصلى فيه أن نصليها مع التي تليها من الصلاة المكتوبة .

وفي إسناده يوسف السمتي ، وهو ضعيف جدا .

وفيه : دليل على أنه لا يجب قضاؤها على الفور .

المسألة الثانية :

إذا نسي صلاة ، ثم ذكرها بعد أن صلى صلوات في مواقيتهن ، فإنه يعيد تلك الصلاة المنسية وحدها .

وهذا هو معنى ما حكاه عن النخعي .

وهذا يبنى على أصل ؛ وهو : أن ترتيب القضاء ، هل هو واجب ، أم لا ؟ وفيه اختلاف ، سيذكر في الباب الآتي - إن شاء الله تعالى .

[ ص: 348 ] ومذهب الشافعي : أنه مستحب غير واجب ، وحكي رواية عن أحمد ، وجزم بها بعض الأصحاب .

ومذهب أبي حنيفة ومالك وأحمد - في المشهور عنه - : أنه واجب .

ثم اختلفوا :

فقال أبو حنيفة ومالك : يجب الترتيب فيما دون ست صلوات ، ولا يجب في ست صلوات فصاعدا .

وقال أحمد : يجب بكل حال .

وحكى ابن عبد البر الإجماع على خلافه .

فمن قال : إنه غير واجب ، قال : لا يجب الترتيب بين الصلوات الفوائت في القضاء ، ولا بين الفائت والحاضر .

ومن قال : إنه واجب ، فهل يسقط الترتيب عندهم بنسيان الثانية حتى يصلي صلوات حاضرة ، أم لا يسقط بالنسيان ؟ فيه قولان :

أحدهما : أنه يسقط بالنسيان ، وهو قول النخعي ، كما ذكره البخاري عنه ، وقول الحسن وحماد والحكم وأبي حنيفة والحسن بن حي ، وأحمد في ظاهر مذهبه ، وإسحاق .

والثاني : لا يسقط بالنسيان - أيضا - فيعيد الفائتة وما صلى بعدها .

وحكي رواية عن أحمد ، حكاها بعض المتأخرين عنه ، والله أعلم بصحتها عنه .

وأما مالك ، فعنده : إن ذكر قبل أن يذهب وقت الحاضرة ، وقد بقي منه قدر ركعة فصاعدا أعادهما ، وإن بقي دون ذلك ، أو كان الوقت قد ذهب بالكلية أجزأه .

[ ص: 349 ] وأما إن صلى الحاضرة ، وعليه فائتة ، وهو ذاكر لها :

فمن اشترط الترتيب أوجب قضاء ما صلاه وهو ذاكر للفائتة .

ومن لم يوجب الترتيب ، لم يوجب سوى قضاء الفائتة .

ويحتمله كلام النخعي الذي حكاه عنه البخاري ، ولكن روي عنه صريحا خلافه .

فروى مغيرة ، عن إبراهيم ، قال : إذا ترك صلاة متعمدا عاد ، وعاد كل صلاة صلاها بعدها .

فيكون الذي حكاه البخاري عنه محمولا على حال النسيان ، أو يكون عن النخعي روايتان .

وكان الإمام أحمد لشدة ورعه واحتياطه في الدين يأخذ في مثل هذه المسائل المختلف فيها بالاحتياط ، وإلا فإيجاب سنين عديدة فيها صلاة واحدة فائتة في الذمة لا يكاد يقوم عليه دليل قوي .

والذي صح عن ابن عمر في ذلك ، إنما هو في صلاة واحدة فائتة ذكرت مع اتساع وقت الحاضرة لهما ، فلا يلزم ذلك أن يكون حكم الصلوات إذا كثرت أو تأخر قضاؤها حتى صلى صلوات كثيرة في أوقاتها كذلك .

وبهذا فرق أكثر العلماء بين أن تكثر الفوائت أو تقل .

ولم ير مالك إلا إعادة الصلاة التي وقتها باق خاصة ، فإن إيجاب إعادة صلوات سنين عديدة لأجل صلاة واحدة فيه عسر عظيم ، تأباه قواعد الحنيفية السمحة .

وقد أخبرني بعض أعيان علماء شيوخنا الحنبليين ، أنه رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - في [ ص: 350 ] منامه ، وسأله عما يقوله الشافعي وأحمد في هذه المسائل : أيهما أرجح ؟ قال : ففهمت منه - صلى الله عليه وسلم - أنه أشار إلى رجحان ما يقوله الشافعي - رحمه الله .

ومما يدل على صحة ذلك : حديث عمران بن حصين ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : ( لا ينهاكم الله عن الربا ويقبله منكم ) .

فهذا يدل على أن من عليه صلاة واحدة لم يأمره الله بأن يصلي زيادة عليها .

التالي السابق


الخدمات العلمية